وصف الكاتب البريطاني الشهير روبرت فيسك، موقف الولايات المتحدة الأميركية، مع المعارضة السورية بعد التصعيد الأخير من قبَل النظام السوري وحلفائه، بـ"الخيانة"، معتبراً أن إدارة ترمب باعت حلفاءها الأكراد والفصائل السورية الأخرى المسلحة هذه المرة على غرار ما حدث عام 1975 مع الأكراد العراقيين.
وقال فيسك في مقال بصحيفة The Independent البريطانية، الثلاثاء 26 يونيو/حزيران 2018: إن هذه اللحظة ستُلقّب بالخيانة الكبرى في التاريخ من قبَل أميركا لحفائها في سوريا، فقد كان يُتوقَّع حدوثها منذ وقتٍ طويل. لكن رسالة واشنطن المُحبطة إلى المقاتلين المعارضين لنظام بشار الأسد في جنوبي سوريا -والتي مفادها أن عليهم عدم انتظار مساعدة من الغرب في كفاحهم المقبل ضد نظام الأسد أو الروس- ستُسجَّل يوماً ما في كتب التاريخ. وتُمثِّل هذه اللحظة نقطةَ تحوُّلٍ في الحرب السورية، وخيانةً مُخزيةً إذا كنت تنتمي لبقايا "الجيش السوري الحر" والقوات المعاونة له حول مدينة درعا، ومزيداً من الانتصار لنظام الأسد في خطته الطموحة لاستعادة سوريا كلها المعارضة له.
وتحاصر الصواريخ الروسية والقنابل السورية، بالفعل، المناطق الريفية جنوبي وشرقي مدينة درعا، وخارج مدينتي القنيطرة والسويداء بعد رفض مقاتلي المعارضة مفاوضات السلام خلال الأسبوع الماضي. ويفرُّ اللاجئون مجدداً من المدن السورية.
لكن فحوى الرسالة الأميركية، التي اطلعت عليها وكالة رويترز ولم تنكرها الولايات المتحدة حتى الآن، للمقاتلين، تبعث على الكآبة وفقدان الأمل؛ إذ ورد بها: "لا ينبغي بناء قراراتكم على افتراض أو توقُّع حدوث تدخُّل عسكري من قِبَلِ الولايات المتحدة. تتفهَّم حكومة الولايات المتحدة صعوبة الظروف التي تواجهونها وهي ما زالت تنصح الروس والنظام السوري بعدم اتخاذ أي إجراء عسكري يخرق منطقة عدم التصعيد".
تصريحات أميركا الأخيرة كشفت خُطتها في سوريا
وأضاف فيسك: عندما تسمع الولايات المتحدة وهي تقول إنها "تتفهَّم الظروف الصعبة" التي تواجهها الميليشيات الحليفة لها، وإنها "تنصح" الروس والسوريين بعد خرق اتفاق وقف إطلاق النار -والذي كان مقترح موسكو في المقام الأول- ستدرك أن الأميركيين يسحبون دعمهم لمجموعة أخرى من حلفائهم.
وتابع: لكن الولايات المتحدة تدرك أيضاً أن ملايين الدولارات التي أنفقتها على التدريب والأسلحة في سوريا قد ذهبت إلى جبهة النُصرة -وهي ذراع تنظيم القاعدة في سوريا الذي يُعرَف بتنفيذه هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول- وتعلم أيضاً أن "النصرة" تسيطر على القرى والمواقع الموجودة خارج محيط مدينة درعا، والتي تقع تحت السيطرة الاسمية للمقاتلين "المعتدلين" للجيش السوري الحر (الذي قُدرت قوته الأسطورية من قبل، مثلما تتذكَّر، بنحو 70 ألف جندي وفقاً لرئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون).
حزب الله وقوات إيران سيبتعدون عن هذه المعركة
وبحسب فيسك، يبدو أن حزب الله وجنود الحرس الثوري الإيراني الأقل عدداً نسبياً لن يشتركوا في معركة السيطرة على جنوبي سوريا. وكان متأكداً أن الأميركيين والروس -والنظام السوري أيضاً- قد اتفقوا على ضرورة أن يكون الهجوم روسياً – سورياً. وسيبعث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأيّ من كان يعتقد أنه يتحدَّث باسم الرئيس الأميركي دونالد ترمب برسائل تطمينية للإسرائيليين بأن المعركة ستكون داخلية، وأن مرتفعات الجولان السورية، التي تحتلها إسرائيل، لن تتعرَّض لأي خطر. ويُفتَرَض أن يتولَّى مركز العمليات العسكرية في عمان مهمة تسليح وتمويل الميليشيات التي ما زالت تقاتل في شمال الحدود الأردنية، لكن يبدو أن هذا الدعم سوف يتوقَّف.
وهاجم الإسرائيليون، حتى الآن، أهدافاً سورية وإيرانية في سوريا، لكنهم لم يهاجموا مطلقاً أي مقاتلين تابعين لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أو لجبهة النصرة. ويبدو أن سياسة الولايات المتحدة، والتي يئست من "سقوط" الأسد يوماً ما، قد تخلّت عن المعارضة المُسلّحة لصالح حكومة دمشق، وربما نصحت إسرائيل بأن العودة إلى الوضع السابق في الجولان قبل اندلاع الحرب السورية -والذي كان تفصل خلاله الأمم المتحدة بين القوات السورية والإسرائيلية بمنطقةٍ عازلة- أفضل من المخاطرة بتبادل إطلاق النار مع إيران أو مع جيش النظام السوري بكل تأكيد.
واختار مركز العمليات العسكرية في عمان السيطرة على جميع أنشطة المعارضة – وهم الجيش السوري الحر نظرياً، ووفقاً لمقاتل معارض سابق في دمشق. كما أنه رفض، بشكلٍ خاص، تقديم المساعدة منذ أربع سنوات عندما كان المقاتلون في دمشق يسعون إلى الحصول على قذائف هاون ومدفعية للهجوم على القصر الرئاسي. وعرض ضباط مركز العمليات العسكرية -من بينهم رائد بريطاني وضابط سعودي، وفقاً للمصدر- تزويدهم بأسلحة صغيرة فقط. لكن كان هذا مجرد إنذاراً لما سيحدث لاحقاً. وتعلَّم الأكراد، منذ ذلك الحين، ما يعنيه هذا في شمالي سوريا.
الأكراد تعرضوا للخيانة مرتين!
وأشار الكاتب البريطاني إلى أن الأكراد تجرَّعوا كأس الخيانة الخسيس مرتين بكل تأكيد. قدَّم وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر هذا الكأس لهم عندما أبرم اتفاق سلام بين الرئيس العراقي الأسبق صدَّام حسين وشاه إيران عام 1975؛ ليوقف عملية تقودها وكالة الاستخبارات الأميركية، والتي بلغت تكلفتها 16 مليون دولار وكانت تهدف إلى مساعدة الأكراد في الهجوم على الديكتاتور العراقي الراحل. ثم شهد الأميركيون تدمير صدام للأكراد عام 1991 بعد أن نصحوهم بالتمرد ضد نظام بغداد عقب تحرير الكويت.
وتخشى سوريا أن تلجأ إسرائيل حالياً إلى إنشاء "منطقةٍ عازلة" خاصة بها أسفل الجولان تشبه منطقة الاحتلال الإسرائيلية السابقة في جنوب لبنان من حيث انتشار الأسلحة والعنف. واستمرت هذه المنطقة طوال 22 عاماً، لكنها انهارت عندما انسحب منها الجيش اللبناني الجنوبي عام 2000 -وهو ميليشيا لبنانية موالية لإسرائيل وتتسم بعدم الكفاءة، وعدم الأهلية للوثوق بها، وبزيفها في بعض الأحيان تماماً مثل "الجيش السوري الحر".
وعبر خريطة سوريا، يبدو أن قوة الغرب في تراجعٍ، وإذا قرَّر الغرب أن يدير ظهره لحلفائه السابقين في جنوبي وشمالي سوريا، فستكون روسيا هي الرابحة (بالإضافة إلى الأسد) وسيُحكَم على جميع الميليشيات الضعيفة، التي ما زالت متبقية في محافظة إدلب على الحدود التركية وبالتأكيد في الجنوب، بالهلاك.
ربما تُقدَّم تعليمات الولايات المتحدة لحلفائها خارج درعا -التي يمكن تلخيصها بكلمة "استسلموا"- على أنها انتصارٌ صغير؛ إذ يمكن لواشنطن الادعاء بأنها أبقت إيران بعيداً عن إسرائيل. ولكن سيعني هذا أيضاً أن الولايات المتحدة وحلف الناتو قد تخلّوا عن الإطاحة بعائلة الأسد.