احتفلت النساء السعوديات هذا الأسبوع ببدء السماح لهن بقيادة السيارة، بعد عقود من الحظر، لكن كيفية تصرف الرجال معهن، ونظرتهم إليهن قد تلقيان ظلالاً على تمتعهن بالقيادة بحرية في شوارع المملكة المحافظة.
وانتشرت في شبكات التواصل الاجتماعي منذ دخول القرار الملكي، القاضي برفع الحظر، حيز التنفيذ منتصف ليل السبت الأحد، تسجيلاتٌ مصوَّرة لنساء وهنَّ يقدن السيارات وإلى جانبهن رجال، في مشهد لم يكن مألوفاً في السعودية خلال العقود الأخيرة.
وقوبل جلوس المرأة خلف مقود السيارة في الساعات الأولى بالفرحة والاحتفال، لكنه أثار في الوقت ذاته استغراباً لدى البعض.
"إنها امرأة تقود"
وتردَّدت عبارة "إنها امرأة تقود" على ألسنة العديد من الرجال وهم يتابعون نساء يعبُرنَ الشوارع بسياراتهن.
ولم تعلن السلطات منذ الأحد عن أي حوادث تحرش أو مضايقة بحق السائقات، بل إن شباناً سعوديين رحَّبوا بالخطوة عبر تشجيع النساء.
لكن البعض تخوّفَ من تمييز واحتمال صدور تصرفات عدائية من سائقين ذكور تجاه النساء.
علماً أن التعليقات الذكورية المتهكِّمة في عدد من الدول العربية ضد النساء ظاهرة موجودة، ولو أنها ليست من باب رفض قيادة المرأة للسيارات، كما قد تكون بالنسبة للبعض في السعودية.
وقال أحد مستخدمي "تويتر" السعوديين على حسابه "لا تخرجوا غداً، انتبهوا كي لا تتعرضوا للدهس"، بينما تحدَّث آخرون عن إمكانية أن تزداد حوادث السير في المملكة بعد رفع الحظر.
وعمد مستخدمون آخرون لتويتر، لتقديم "نصائح" للمرأة، بينها "عدم وضع الماكياج" أثناء القيادة، وتنبأ بعضهم باحتمال قيادة النساء لسيارات زهرية اللون، وركنها في مواقف مخصصة للنساء.
وظهرت في وسائل إعلام سعودية صورة لغرفة احتجاز، قيل إنها مخصصة للسائقات اللواتي قد يرتكبن مخالفات.
وردَّت نساء كثيرات على هذه الهجمات بالمثل.
وكتبت وفاء الرشيد في صحيفة "عكاظ"، قبل أسبوعين من السماح للنساء بقيادة السيارات، أن "وسائل التواصل الاجتماعي تزدحم بالرسائل والفيديوهات التي تقلل من شأن المرأة ومدى قدرتها على القيادة".
وتابعت "بدون أدنى شك، أعرف أننا سنسوق، وسنكون أفضل منكم يا معشر الرجال".
ملاحقة واصطدام
وتقول السلطات إن 120 ألف امرأة تقدمن بطلبات للحصول على رخص قيادة سعودية. ومعظم النساء اللواتي يقدن حالياً استبدلن رخصة القيادة الدولية التي يمتلكنها برخصة سعودية.
إلا أن الخشية من التحرش تدفع بعض النساء إلى تأجيل مسألة القيادة في شوارع المملكة إلى أن تتضح ردّة فعل المجتمع، الذي يمرّ بمرحلة انتقالية وتغييرات، منذ تسلَّم الأمير الشاب محمد بن سلمان (32 عاماً) منصب ولي العهد قبل نحو عام.
وقال الكاتب عبدالله الليلي، صاحب كتاب عن الثقافة السعودية باللغة الإنكليزية، لوكالة فرانس برس "عبّر العديد من الرجال عن قلقهم من أن تتعرض قريباتهم للتحرش، أو الملاحقة، أو للتصوير من سائقين ذكور".
وذكرت امرأة سعودية تحدثت إلى وكالة الصحافة الفرنسية، وفضّلت عدم ذكر اسمها، أنها قرَّرت تأجيل قيادة السيارة، متخوّفة من شبان قد يتعمَّدون الاصطدام بسيارتها، فقط من أجل التحدث إليها.
وبالنسبة إلى نساء أخريات تبدأ المشكلة من المنزل، حيث قد يمنعهن الأوصياء عليهن من الرجال من قيادة السيارة، بعد عقود من ترديد رجال دين متشددين مقولة إن قيادة المرأة للسيارة "معصية".
وكتب أحد مستخدمي تويتر "لن تقودي يا أمي، لن تقودي يا أختي، لن تقودي يا زوجة المستقبل".
وترى منظمات حقوقية أن خطوة السماح للمرأة بقيادة السيارة يجب أن تُستكمل بإلغاء نظام الوصاية، أو "ولاية الرجل"، الذي يُعطي الأقرباء الذكور الحقَّ في التحكم بتفاصيل الحياة اليومية للنساء، واتخاذ قرارات مهمة نيابة عنهن، مثل السفر.
لا رأي يهم
وكانت السلطات أكدت أن النساء لا يحتجن إلى موافقة الرجل للحصول على رخصة قيادة في المملكة.
وتمهيداً لرفع الحظر عن قيادة السيارات، قامت السعودية بإقرار قانون يعاقب من يدان بالتحرش بالنساء، بالسجن لمدة يمكن أن تصل لخمس سنوات، ودفع غرامة قدرها 300 ألف ريال (80 ألف دولار).
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، تمّ توقيف رجل هدَّد بردة فعل عنيفة على قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة، بعد صدور القرار الملكي القاضي بذلك في الشهر ذاته.
وأعلنت السلطات أن مجموعة من الخبيرات مكلفات بمعاينة حوادث السير التي تشمل سائقات بدأن التدرب على وظيفتهن المستقبلية، من دون أن تحدد موعداً لبدء عملهن على الطرقات.
ورغم المخاطر، قوبل رفع الحظر بردة فعل مرحبة من رجال أعربوا عن سعادتهم، كون قريباتهم لن يعدن بحاجة إليهم للتنقل، وسيتوقّفن كذلك عن الاعتماد على السائقين الأجانب، وتوفير الأموال التي كانت تُدفع لهؤلاء السائقين.
وقال أحمد الشذري، الذي يسكن في الرياض، متوجهاً إلى النساء "لا تدعن أحداً يصرف انتباهكن عن هذه اللحظة"، مضيفاً "هذه لحظتكنّ، ولا أهمية لأي رأي سوى رأيكنّ".