قبل 15 عاماً، لم تكن الانتخابات التركية تحظى بالقدر الراهن من الاهتمام العربي الكبير.
لكن تطورات عديدة جعلت الأوساط العربية تتابع الانتخابات في تركيا عن كثب.
منذ أواخر عام 2010، بدأت دول عربية تشهد موجات من التحول السياسي بدأت باحتجاجات شعبية.
الأمر بدأ في تونس، ثم امتد إلى كل من مصر وليبيا واليمن وسوريا، وغيرها، فسقطت أنظمة حاكمة في دول، واندلعت صراعات مسلحة مستمرة في أخرى.
تاريخياً وجغرافياً، تجاور تركيا المنطقة العربية، وهي جزء من قدر المنطقة.
لذا وجد العرب أنفسهم في قلب الأجندة التركية، فحل بعضهم بها لاجئين، وتقربوا منها، أملاً في دعم سياسي وإنساني وإغاثي، منطلقين من قرب الثقافة والتاريخ الإسلامي المشترك، فيما اختارها البعض للاستثمار.
أعلنت السلطات التركية، في أبريل/ نيسان الماضي، تبكير موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، إلى 24 يونيو/حزيران الجاري (الأحد المقبل)، بعد أن كانت مقررة العام القادم.
منذ هذا الإعلان يتفاعل العرب، خاصة على المستويين الشعبي والإعلامي، مع الانتخابات التركية، ويتعاملون على أنها تخصهم.
ويتنافس في الانتخابات الرئاسية 6 مرشحين، أبرزهم: الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، ومرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض، محرم إنجه، ومرشحة حزب "إيي" ميرال أقشنر، بينما تتنافس ثمانية أحزاب في الانتخابات البرلمانية.
اهتمام إعلامي كبير
بعد إعلان أردوغان المفاجئ عن الانتخابات المبكرة، متفاعلاً مع حليفه، رئيس حزب "الحركة القومية"، دولت باهتشلي، تناولت وسائل الإعلام العربية الحدث بشكل مكثف.
واحتلت أخبار وتحليلات وتقارير متعلقة بهذه الانتخابات مساحات معتبرة في الجرائد العربية والمواقع الإلكترونية، وشهدت برامج حوارية في قنوات تلفزيونية عربية مناقشات حول الانتخابات.
ومع اقتراب الانتخابات، الأحد المقبل، زاد التفاعل الإعلامي العربي.
المواقع الإلكترونية العربية، داخل وخارج البلدان العربية وفي تركيا، تسلط الضوء على نتائج استطلاعات الرأي، وكلمات المرشحين، وبرامج الأحزاب.
كذا الأمر في البرامج الحوارية التلفزيونية، حيث خصصت ساعات للحديث عن الانتخابات، فضلاً عن السعي إلى تغطية خاصة يوم الاقتراع.
ترقب شعبي
بموازاة الاهتمام الإعلامي، يشهد الشارع العربي اهتماماً كبيراً بالانتخابات التركية، خاصة من الجالية العربية في تركيا.
ويتجاوز عدد هذه الجالية الخمسة ملايين عربي، بحسب إحصائيات غير رسمية، ويشكل اللاجئون السوريون الشريحة الأكبر منهم، فضلاً عن جاليات عراقية وليبية ويمنية ومصرية.
وتترقب الجاليات العربية نتائج الانتخابات، خاصة أنها ربما تنعكس على مستقبلهم في تركيا، في ضوء السياسات المتباينة المطروحة من جانب المرشحين.
كذلك يتابع الانتخابات ويترقب نتائجها العرب الذي يرون في تركيا بلداً متطوراً، ويقصدونها للسياحة والتجارة والتسوق.
وما تفاعُل هؤلاء، وفق شبكات التواصل الاجتماعية، ليلة المحاولة الانقلابية الفاشلة، في 15 يوليو/ تموز 2016، إلا جزء من ترقب دائم للتطورات في تركيا.
وعلى شبكات التواصل، تنوعت منشورات كتبها عرب، بمختلف مستوياتهم وانتماءاتهم، معبرين عن آرائهم ومستخدمين وسوماً متعددة، منها: الانتخابات التركية، وإسطنبول.
وغرد مفكرون وكتاب وإعلاميون عرب على هذا الوسم، ونشروا منشورات حول تطورات الانتخابات وحملاتها الدعائية.
وتباينت آراء العرب وفق مشارب وانتماءات كل منهم، حيث قدم كل شخص رأيه وفق منظوره الخاص.
تأثيرات محتملة
الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، علي باكير، قال إنه "يوجد اهتمام واسع في العالم العربي بالانتخابات التركية، وهو أمر غير استثنائي، إذا لطالما كان هناك مثل هذا الاهتمام في الاستحقاقات الانتخابية التركية، لاسيما منذ عام 2007".
وأضاف باكير للأناضول: "لكن حجم الاهتمام يختلف اليوم من بلد عربي إلى آخر، تبعاً للظروف الداخلية التي تعيشها الدول العربية".
وعن أسباب الاهتمام رأى أن "الشعوب العربية بشكل عام تواقة للحصول على فرصة للتعبير عن تطلعاتها.. الكثير من مواطنيها يتطلعون إلى أن تكون لديهم تجربة (ديمقراطية) مماثلة".
وزاد بأن "الانتخابات التي جرت مؤخراً في بعض البلدان العربية كانت سيئة للغاية، ونفّرت الناس من التجربة الانتخابية، باعتبارها عملاً لا فائدة منه".
وتابع أن "جزءاً لا بأس منه من العرب يتابعون الانتخابات التركية، نظراً لتأثيراتها المحتملة عليهم، سواء كان لاجئاً داخل تركيا، أو ينتمي إلى إحدى الدول المجاورة".
وأفاد باكير بأن الانتخابات ستُحدث انعكاسات "لكن هذا سيعتمد على طبيعة النتائج، غالباً سيكون هناك تأثير بغض النظر عن درجته أو فحواه أو نوعه".
واعتبر أن "العنصر الأكثر بروزاً حتى الآن (بالنسبة لتركيا) هو سياسة خارجية أقوى، وزيادة في الاعتماد على القوى الصلبة، لمواجهة التحديات الخارجية".
انفتاح تركي
بدوره، قال المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات (غير حكومي)، الدكتور السوري عمار قحف، إنه "يوجد اهتمام كبير غير مسبوق في العالم العربي بالانتخابات التركية، سواء من حيث التغطية الإعلامية أو التفاعل الشعبي".
وتابع قحف بقوله "لا أذكر منذ 10 أو 15 سنة أن المواطن العربي كان يكترث كثيراً لما يحدث في تركيا من انتخابات، فهي لن تؤثر عليه أو بمحيطه".
وأرجع هذا الاهتمام إلى "عوامل عديدة، منها ما هو ذاتي في السياسة التركية نحو العالم العربي من حيث الثقافة والفكر والاستثمار والسياسة".
وأوضح أن "هذا الانفتاح تم تجسيره من خلال سياسات ممنهجة للتقارب ومعالجة الانطباعات التاريخية السلبية لدى شريحة كبيرة من المثقفين والسياسيين العرب".
وأردف: "كما أن أحداث الربيع العربي وضعت تركيا عربياً ودولياً كجهة محورية وأساسية للدفاع عن حقوق الشعوب".
ورأى أن هذا "يفسر احتضان تركيا نحو 4 ملايين لاجئ، بينهم 3.5 مليون سوري، وآلاف من المصريين واليمنيين والليبيين والتوانسة والمغاربة والعراقيين، ما عدا الإخوة الفلسطينيين".
وأضاف قحف أنه "بالنسبة للسوريين باتت السياسة التركية تؤثر مباشرة على حياتهم الشخصية والاجتماعية ومستقبلهم.. في تركيا يوجد استقطاب انتخابي حاد والسياسات الخارجية المقترحة من المرشحين متضادة".
وختم بأن "ما يقلق ليس فقط العرب في تركيا، ولكن المجتمع العربي في أوطانه، هو أن تركيا باتت الملجأ الوحيد الآمن إقليمياً للسياحة والاستثمار والسكن".
إقرأ أيضاً:
هل سيفوز أردوغان بالرئاسة؟ وهل سيحتفظ حزبه بالبرلمان؟ 5 سيناريوهات ممكنة للانتخابات في تركيا
كيف سيتصرف أردوغان إذا فاز بالرئاسة وخسر الأغلبية البرلمانية.. حليفه الانتخابي يجيب على هذا السؤال