أصدرت النيابة العامة الألمانية أمر اعتقال دولي بحق مدير المخابرات الجوية التابعة للنظام السوري، جميل حسن، ليكون أول مسؤول سوري رفيع المستوى يدان بصفة رسمية.
وفي حوار له مع صحيفة The Independent البريطانية، اعترف جميل حسن بارتكابه جرائم حرب، حيث قال "إنني أعتبر مجرم حرب بالنسبة لوسائل الإعلام الغربية. وأنا على أتم الاستعداد لمواصلة مهامي حتى وإن مثلت أمام محكمة الأمم المتحدة لجرائم الحرب. وأنا أؤمن بأن سوريا جديرة بالتضحية".
وخلال الأسبوع الماضي، بات من المؤكد مثول مدير المخابرات الجوية السورية البالغ من العمر 64 سنة أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب. وفي الأثناء، أصدرت النيابة العامة الألمانية المختصة في تتبع الجرائم الإرهابية وجرائم الحرب أمراً باعتقال حسن، وهو أول أمر صدر في حق مسؤول سوري رفيع المستوى، بحسب تقرير لصحيفة Neue Zürcher Zeitung السويسرية.
إلى حد الآن، أدانت العديد من المنظمات الدولية والتقارير الصادرة عن المنظمات الحقوقية الجرائم التي يرتكبها النظام السوري في حق شعبه. وفي الوقت الراهن، يتهم المحققون الألمان جميل حسن بالضلوع في عمليات التعذيب وإصدار أوامر في هذا الصدد.
هل يعتبر هذا الأمر بالاعتقال رسالة تحذير لبقية المسؤولين في النظام السوري؟
من غير المؤكد أن يتم اعتقال اللواء جميل حسن، خاصة وأنه من المستبعد أن تسلمه الحكومة السورية للسلطات الألمانية. وقد وصف المحامي لدى المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، باتريك كروكر، أمر الاعتقال الدولي الذي صدر في حق جميل حسن بـ "المهم للغاية"، بحسب الصحيفة السويسرية.
أما النيابة العامة الألمانية، فترجح أن يكون اللواء جميل حسن، الذي يعد من أكبر المسؤولين في النظام السوري، متورطاً في ارتكاب جرائم غير إنسانية. ومن الواضح أن ما قام به مدير المخابرات الجوية السورية يتجاوز مستوى انتهاكات حقوق الإنسان.
قرصة أذن!
وبحسب الصحيفة السويسرية، يعتبر الأمر الدولي القاضي باعتقال اللواء جميل حسن بمثابة رسالة تحذير لبقية المسؤولين في النظام السوري وقرصة أذن للحكومات التي تنادي بتطبيع العلاقات مع النظام السوري. والجدير بالذكر أن المحامي كروكر لعب دور المنسق في الدعاوى القضائية، التي رفعها المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان خلال الأشهر الأخيرة أمام الأجهزة القضائية الألمانية والنمساوية ضد 36 مسؤولاً رفيعي المستوى في النظام السوري. ومن بين كل هذه الدعاوى، لم تسفر سوى دعوى واحدة عن إصدار أمر اعتقال.
وكانت الدعوى المرفوعة ضد وزير الدفاع ومدير الشرطة العسكرية والنيابة العامة العسكرية مدعّمة بشهادات 40 شخصاً تعرضوا للتعذيب وصور ضحايا عمليات التعذيب، بالإضافة إلى بعض الوثائق المسربة، التي تكشف كيفية التعامل مع المنسقين وكيفية الإبلاغ عنهم.
ومن بين الجرائم التي ارتكبها النظام السوري في حق المعارضين، التعذيب والقتل المتعمد والعنف الجنسي، بالإضافة إلى الملاحقة. كما يتوقع كروكر أن تصدر النيابة العامة الألمانية المزيد من أوامر الاعتقال في حق مسؤولين بارزين في النظام السوري خلال الأسابيع المقبلة.
الأمل في تطويل مبادئ القانون الدولي
إن أمر الاعتقال يجعل تطبيق مبادئ القانون الدولي في ألمانيا ممكناً. وفي حال تبين أن مواطنين أجانب ارتكبوا جرائم تنتهك القانون الدولي، فإنه بإمكان المحاكم الألمانية اتخاذ إجراءات قضائية في حقهم. ولدى النيابة العامة الألمانية مصلحة تتكفل بإجراء تحقيقات وفقاً لمبادئ القانون العالمي. وفي سنة 2011، رفعت النيابة العامة الألمانية دعاوى قضائية ضد نظام الأسد، بيد أنها لم تصدر أي أوامر اعتقال في حق مسؤولين سوريين.
ويعتبر المحامون والناشطون الحقوقيون مبادئ القانون الدولي بمثابة الوسيلة الوحيدة للتصدي لظلم المحاكم الدولية. فعلى سبيل المثال، لم تجرِ المحكمة الجنائية الدولية تحقيقات ضد نظام الأسد نظراً لأن روسيا وقفت حجر عثرة أمام إدانته. في هذا السياق، يأمل المحامي كروكر أن يحفز أمر الاعتقال، الذي أصدره القضاء الألماني، بقية الأجهزة القضائية على رفع المزيد من الدعاوى قضائية ضد مسؤولي النظام السوري.
اقتلاع الأظافر والصدمات الكهربائية
ويترأس اللواء جميل حسن جهاز المخابرات الجوية السورية منذ سنة 2009. ولعل الأمر المثير للاهتمام هو أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية أصدراً في حق هذا المسؤول الاستخباراتي السوري أوامر بحظر السفر إلى الخارج وتجميد كل أصوله. وفي نهاية سنة 2016، أجرى حسن حواراً صحفياً أعرب فيه عن أسفه لعدم تمكن النظام السوري من إخماد فتيل الثورة منذ اندلاعها، كما ضرب المثل بالمجازر التي راح ضحيتها الآلاف من أنصار الإخوان المسلمين والمدنين سنة 1982 في حماة. وأورد حسن أنه "في حال انتهجنا الأساليب، التي اعتمدناها في حماة، لتمكنّا من إنهاء الحرب"، بحسب الصحيفة السويسرية.
ويرى العديد من الملاحظين أن جهاز المخابرات الجوية السورية، هو الجهاز الأكثر وحشية من بين الأجهزة الاستخباراتية السورية الأربعة. ويتميز هذا الجهاز، الذي يشرف عليه اللواء جميل حسن، بقربه من الرئيس بشار الأسد، علماً وأن هذا الجهاز هو الأكثر قرباً من النظام السوري منذ عهد الراحل حافظ الأسد. ففي السابق، كان حسن ضابطاً في الجيش الجوي السوري.
وكان الكثير من المعتقلين السابقين في سجون الاستخبارات الجوية، تحدثوا عن أساليب الاستجواب السادية، التي ينتهجها حسن. وتحدث أحد السجناء في شهادته لدى المركز الأوروبي لحقوق الإنسان عن تعرضه للضرب لعدة ساعات باستخدام كابلات وعصي ذات مسامير حادة. كما أكد أنه تعرض للتعذيب بالصدمات الكهربائية، كما تم تعليقه ويداه مقيدتان خلف ظهره. ويعتقد المراقبون أن الآلاف من الأشخاص لقوا حتفهم داخل سجون جهاز الاستخبارات الجوية جراء التعذيب أو الإهمال.
ويأمل المحامي لدى المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان أن يشعر أمر الاعتقال في حق اللواء جميل حسن، السجناء بالراحة. ولا يستبعد كروكر أن يتم رفع دعاوى قضائية ضد المزيد من كبار المسؤولين في النظام السوري، حيث استشهد بمحاكمة العديد من المسؤولين الأرجنتينيين والتشاديين لدى الأجهزة القضائية الأجنبية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وحيال هذا الشأن، قال كروكر إن "العدالة تسير بشكل بطيء، لكنها تعمل بكل ثقة".