بعد 7 سنواتٍ من الحرب، فرضت قوات النظام السوري سيطرتها بصورة كاملة على المنطقة المحيطة بالعاصمة دمشق، الأمر الذي يعطي الحرية للجيش المُنهَك من أجل التحرُّك ضد جيوب المعارضة القليلة المتبقية في البلاد.
وانتهت معركة دمشق هذا الأسبوع بهجومٍ على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بين أطلال مخيمٍ سابق للاجئين الفلسطينيين في الضواحي الجنوبية بعد هزيمة المعارضين الآخرين في منطقةٍ قريبة. ووفقاً لمجموعات رصد، قُتِل أكثر من ألف مدني في هذه المعركة، بحسب تقرير لصحيفة The Washington Post الأميركية.
وأعلن الجيش النظام السوري مغادرة آخر مقاتلي المعارضة لضواحي دمشق، في إشارةٍ على وصول مسيرةٍ امتدت سنواتٍ من أجل الانتصار إلى أوجها.
أصبحت المعارضة المسلحة الآن معزولة في محافظة إدلب في الشمال قرب الحدود التركية، ودرعا في الجنوب قرب الحدود الأردنية. وأول أمس الجمعة 25 مايو/أيار، ألقت طائرات سورية منشورات في المناطق الشمالية من درعا، مُحذِّرةً المعارضة بإلقاء أسلحتها أو مواجهة هجومٍ هناك، بحسب الصحيفة الأميركية.
الطريق سهل أمام جيش النظام
ووفقاً لموقع الإعلام الحربي المركزي السوري، كُتِب في المنشورات: "رجال الجيش السوري قادمون. اتخذوا قراركم قبل فوات الأوان".
وعادت الكثير من المراكز الاقتصادية التقليدية في البلاد أيضاً إلى سيطرة قوات بشار الأسد. ويُعاد بناء طريق سريع يربط بينها، وسيُوفر طريقاً آمناً لجنود النظام المتجهين إلى الجبهات المتبقية.
قال يزيد صايغ، الزائر البارز بمركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت للصحيفة الأميركية: "النظام ليس قوياً، لكن لا شك أنَّه الآن بصدد السيطرة على المناطق المتبقية من سوريا حتى يبلغ الخطوط الأمامية للمناطق التي يسيطر عليها الآخرون".
ومع أنَّ الحرب السورية بدأت كمسألة داخلية بحتة، فإنَّ معظم البلاد الآن مُقسَّمةٌ بين قوى خارجية. إذ تسيطر تركيا على جيبٍ للمعارضة في الشمال، وتتشارك الولايات المتحدة مع القوات الكردية في السيطرة على مناطق من شمال شرقي سوريا. وأقامت إيران وروسيا أيضاً قواعد عسكرية لتعميق نفوذهما.
وسيعتمد جيش النظام السوري في التقدم إلى درعا وإدلب على مجموعة مختلفة من الميليشيات الأجنبية، الكثير منها مدعومة من إيران. وقال صايغ: "لا يزال الجيش قوة قتالية ضعيفة جداً بالمعايير الإقليمية. وهو غير قادر على فعل الكثير دون دعمٍ كبير".
ولاقى الجيش السوري صعوباتٍ كبيرة من جراء القتلى والانشقاقات التي أجبرت الحكومة مراراً على تعزيز جهودها للتجنيد. وحتى سجناء سابقون قالوا إنَّهم أُطلِق سراحهم بشرط الالتحاق بالجيش.
الحل العسكري حسم المعركة!
قالت إيما بيلز، وهي محللة مستقلة تغطي الشأن السوري: "هذا استهزاء من فكرة أنَّه لا يوجد حلٌ عسكري للصراع السوري الذي يدفع به الأشخاص الذين يعملون باتجاه إجراء محادثات سلام. وفي حين قد يكون صحيحاً أنَّه لا يوجد سلام مستمر يمكن التوصل إليه عبر الإستراتيجية العسكرية، فهناك بالتأكيد سبيلٌ لهم –كما نرى- لتحقيق هدفهم المتمثل في السيطرة".
ويرجع الفضل في انتصارات الحكومة الأخيرة جزئياً إلى المساعدة من الحليفتين إيران وروسيا، اللتين تقدمان التمويلات والأسلحة والجنود.
وهنَّأ حزب الله، في بيانٍ له قوات النظام السوري.
وقال الحزب في رسالةٍ أرسلها جناحه الإعلامي إلى الصحفيين: "يشيد حزب الله بشجاعة وكفاءة ضباط وجنود الجيش العربي السوري وحلفائه الذين صنعوا هذا الانتصار الجديد وبذلوا التضحيات الجسام".
وقالت أمل، وهي ربة منزل في دمشق قضت معظم الحرب تدعو أن تصمت أصوات السلاح يوماً ما، دون أن تصدِّق دوماً أنَّ هذا سيحدث: "صدق الرئيس في كلمته. رحل المقاتلون، والأمر يبدو كمعجزة. لا أستطيع وصف ارتياحي"، بحسب الصحيفة الأميركية.
بالنسبة للكثير من أنصار النظام السوري في دمشق، طغت المخاوف المتعلقة بالحياة اليومية على الارتياح الناتج عن تلك الأنباء.
إذ قالت امرأة قدَّمت اسمها الأول فقط، سمر: "الوضع الاقتصادي أزال البهجة من حياتنا". وقالت إنَّ زوجها الذي يعمل لدى الحكومة يجني شهرياً راتباً يبلغ 100 دولار، في حين تصل تكاليف معيشة الزوجين لضعف هذا الرقم.
وقال السكان الذين ظلوا في دمشق طيلة الحرب إنَّ توطُّد الجيش في منطقة العاصمة قد بدَّد مخاوفهم الأمنية إلى حدٍ كبير.
العائدون من أراضي المعارضة خائفون
لكنَّ أولئك الذين عادوا مؤخراً من مناطق كانت تسيطر عليها سابقاً المجموعات المسلحة رووا قصةً مختلفة. إذ رفض عشرات الأشخاص الذين تواصلت معهم صحيفة The Washington Post الأميركية الحديث بسبب مخاوفهم على سلامتهم.
وقالت إحدى هؤلاء، تحدَّثت شريطة عدم الكشف عن هويتها، إنَّها مكثت في بيتها إلى حدٍّ كبير منذ عودتها إلى دمشق الشهر الماضي أبريل/نيسان، خشية التعرُّض للمضايقات أو الاعتقال إذا ما تنقَّلت عبر نقاط التفتيش في المدينة.
وأضافت: "لقد تغيَّر الكثير. بإمكانكم أن تروا الوجود العسكري في كل زاوية وكل شارع. لم يكن الأمر هكذا سابقاً. كان هناك مخبرون وشرطة ترتدي ملابس مدنية، لكن شيئاً لم يكن هنالك بالغ الوضوح كهذا. الوضع ليس آمناً".
وفي المناطق التي واجه جيش النظام السوري أكبر الصعوبات فيها لتهدئتها، يُبلِغ السكان السابقون ومجموعات الرصد عن موجةٍ متزايدة من الاعتقالات. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان الثلاثاء الماضي 22 مايو/أيار إنَّ القوات الأمنية اعتقلت أربع رجال في مدينة دوما واقتادتهم إلى جهةٍ مجهولة.
وقالت بيلز، المحللة المستقلة: "سيتعين على الحكومة أن تحرص على ألّا تُهمِّش أو تُفقِر الناس في المناطق التي انضمَّت إلى الثورة السورية، وحتى بعض الناس ضمن قواعد تأييدها هي".
وتُقدِّر مجموعات رصدٍ أنَّ الحرب قتلت قرابة نصف مليون شخص، ولا يزال أكثر من 100 ألف شخص مفقودين في سجون النظام. ولا تزال وعود التمويل الدولي لإعادة الإعمار ضعيفة على الأرض، ولا يُظهِر الاقتصاد إلا القليل من علامات التحسُّن على المدى القصير.
وقالت بيلز: "ما سيحدث العام المقبل سيكون حاسماً في ما يتعلَّق بالمفسدين المحتملين للاستقرار الجاري والفرص التي تجري إتاحتها للناس في مختلف أنحاء سوريا".