تضع كل من الولايات المتحدة وإيران ثقلهما في العراق اليوم لتقرير ماهية التحالفات التي ستحدد "عرّاب" الحكومة المقبلة، بعد الانتخابات التشريعية التي جرت الأسبوع الماضي، وفاز فيها تحالف الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، الذي يعتبر موضع إشكال بالنسبة لطهران وواشنطن على حد سواء.
ورغم أن النتائج الرسمية الأولية أظهرت تصدر تحالف "سائرون" الذي شكَّله الصدر، متقدماً على قائمة "الفتح" التي تضم فصائل الحشد الشعبي، وائتلاف "النصر" بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي، فليس مؤكداً أن الزعيم الشعبوي سيكون قادراً على حكم البلاد.
يقول الباحث في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة فنر حداد، إن خطوة استبعاد الصدر "ليست مستحيلة بالحسابات، لكنها صعبة من الناحية السياسية".
وعلى خط الحسابات، بدأت اللوائح الأخرى الفائزة في الانتخابات، خلف تحالف "سائرون" الذي شكَّله الصدر مع الحزب الشيوعي وبعض التكنوقراط، العمل -كلٌّ بما يراه مناسباً- على تنظيم اجتماعات تفاوضية قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تشكيل تكتل يضمن لها دوراً فعالاً على الأقل، إذا لم يكن منصب رئاسة الحكومة.
لكن عراق ما بعد صدام شكَّل نظامه السياسي بطريقة معقدة تفرض قيام تحالفات برلمانية؛ لمنع عودة الديكتاتورية والتفرد بالحكم.
عقب كل انتخابات تشريعية، تدخل الكتل الفائزة في مفاوضات طويلة لتشكيل حكومة غالبية، وليس بعيداً أن تخسر الكتلة الأولى الفائزة بالانتخابات التشريعية قدرتها على تشكيل حكومة، بفعل تحالفات بين الكتل البرلمانية.
بإشراف سليماني
لذا، فمن الممكن قانونياً ودستورياً، بالشكل النظري، استبعاد "سائرون" من التشكيلة الحكومية، على غرار ما حصل في عام 2010، بتشكيل تحالف برلماني يجمع العدد الأكبر من المقاعد البرلمانية، ويسمي رئيس مجلس الوزراء.
أشار المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، هشام الركابي، إلى أن ائتلاف "دولة القانون" يتفاوض "مع قوى مهمة (…) مثل (الفتح) وأطراف سُنية وشيعية وكردية".
وكان مقتدى الصدر استثنى كتلتي المالكي، وهادي العامري، المقربين من إيران، من أي إشارة إلى إمكانية الائتلاف معهما.
والمعروف أن شخصية الصدر ونهجه موضع إشكال لدى إيران، والولايات المتحدة على حد سواء. فلن تنسى واشنطن "جيش المهدي" الذي أدمى صفوف القوات الأميركية بعد احتلال العراق عام 2003.
والإيرانيون يتذكرون دائماً المواقف العدائية لسليل آل الصدر المعروفين بزعامتهم الدينية ذات الاحترام الواسع. وآخر تلك المواقف كان زيارته إلى السعودية، عدو إيران اللدود.
وإذ تأتي عمليات المساومة في ظل توتر إقليمي إيراني-أميركي، إثر انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني، بدأت طهران، بحسب مصادر سياسية، اجتماعات للحد من نفوذ الصدر.
وذكر أحد المشاركين في تلك الاجتماعات، أن قائد "فيلق القدس"، اللواء قاسم سليماني، كان موجوداً ببغداد، وشارك في اجتماع مع أحزاب شيعية بارزة وأخرى صغيرة.
ولفت إلى أن سليماني "أبدى اعتراضه على التحالف مع (سائرون) وقائمة عمار الحكيم، ونائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي والحزب الديمقراطي الكردستاني".
"خلطة عطار"
وفي مسار آخر، يُجري المبعوث الأميركي إلى التحالف الدولي بالعراق بريت ماكغورك، جولة عراقية، خصوصاً في كردستان؛ لبحث موضوع التحالفات مع جميع الأطراف، بحسب ما أعلنه رئيس حكومة الإقليم نيجيرفان بارزاني.
وعَلّق الصدر، في بيان، على زيارة ماكغورك إلى العراق، قائلاً إنه "ليس من المستغرب وجوده (…)، إلا أن القبيح في البيان هو تدخُّله في الشؤون العراقية، وإذا استمرت، صار وجوده قبيحاً بالعراق".
وقد يعيد التاريخ نفسه بين طهران وواشنطن، اللتين اتفقتا ضمنياً في عام 2014 على إزاحة نوري المالكي من الحكم، واستبداله بالعبادي حينها.
وفي هذا الإطار، يلفت حداد إلى أن "عدم رغبة الصدر في العمل مع (الفتح) و(دولة القانون)، سيدفع إيران إلى ممارسة ضغوط؛ لضمان حصولها على مقعد حول الطاولة"، مضيفاً أن ذلك قد يترجَم في النهاية "كالمعتاد في شكل حكومة توافقية مع جميع الأطراف المعنيَّة، من دون معارضة برلمانية رسمية".
ولمح مقتدى الصدر، في وقت سابق على "تويتر"، إلى معارضته فكرة الحكومة التوافقية، التي وصفها بـ"خلطة العطار"، مؤكداً استمراره في العمل على "تشكيل حكومة تكنوقراط".
لكنه عاد اليوم وأكد سياسة "اليد الممدودة"، قائلاً: "فلنتحاور (…)، أدعو زعماء التحالفات الجديدة للاجتماع، وبابي مفتوح".
وفي كل حال، نقلت صحيفة "المدى" العراقية عن "مقربين" من الصدر، قولهم إن الأخير "لا ينوي التمسك بتسمية رئيس الحكومة المقبل، لكنّ تصدُّره نتائج الانتخابات سيضع خيوط اللعبة في يده، أو يتحول إلى ما يُعرف بصانع الملوك".