يبدو أنَّ الضربة الجوية التي تُنسَب إلى إسرائيل على منطقة الكسوة جنوب دمشق، ليل الثلاثاء 8 مايو/أيار 2018، كانت ضربة وقائية تهدف إلى منع إيران من إطلاق صواريخ من داخل الأراضي السورية على شمال إسرائيل. وتفيد التقارير بأن 8 إيرانيين كانوا من بين القتلى الـ15 الذين سقطوا في الهجوم.
وتُعَد هذه هي المرة الثالثة خلال 10 أيام، التي تتحدث فيها التقارير عن تحرُّكٍ عاجل من جانب إسرائيل لإحباط خطط إيرانية. فعلى سبيل المثال، قصفت إسرائيل الأسبوع الماضي مخبأ صواريخ ضخماً تابعاً لإيران في شمال مدينة حماة السورية، وفقاً لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
ومساء الأحد 6 مايو/أيار 2018، تسرَّبت معلومات استخباراتية إلى الإعلام الإسرائيلي تفيد بأن إيران تستعد لتوجيه ضربة وشيكة.
وفي أيّ من هذه الحالات، لم ينتهِ الأمر باستهداف الصواريخ الإيرانية لإسرائيل؛ إذ يبدو أنَّ الإجراءات الدفاعية التي تتخذها إسرائيل نجحت إلى الآن في إفشال أية خطوات انتقامية من جانب إيران، غير أنَّ مسؤولين بالجيش الإسرائيلي يعتقدون أنَّ طهران ستواصل المحاولة، بحسب الصحيفة الإسرائيلية.
ويُقدِّر الجيش الإسرائيلي أنَّ إيران سترغب في إطلاق صواريخ على مواقعه بمرتفعات الجولان، مما يعرِّض المدنيين في المنطقة للخطر. وبينما تستنفر القواعد العسكرية لأقصى درجة، جاء القرار غير المعتاد، ليل الثلاثاء 8 مايو/أيار 2018، بفتح الملاجئ العامة في الجولان للمرة الأولى منذ انطلاق الثورة السورية قبل ما يزيد على 7 أعوام.
وتأتي الجهود الإيرانية عقب هجوم يُنسَب إلى إسرائيل، قبل شهرٍ، على قاعدة التيفور الجوية السورية قرب حمص، والذي أسفر عن مقتل 7 من أفراد الحرس الثوري الإيراني، الذين كانوا -على ما يبدو- في خضم تأسيس قاعدة إيرانية مزودة ببطاريات مضادة للطائرات داخل القاعدة الجوية السورية. وأعلنت طهران أنَّها ستردُّ. ومنذ ذلك الوقت، يعمل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، اللواء قاسم السليماني، على تعزيز الرد.
فوفقاً للمعلومات المُسرَّبة، يعمل سليماني على مشروع مشترك: تخطيط إيراني، وقادة من حزب الله، ويُفتَرَض أن تُطلَق الصواريخ من جانب المليشيات الشيعية العامِلة في سوريا بتمويلٍ إيراني، بحسب الصحيفة الإسرائيلية.
وتبرهن التقارير الإسرائيلية، على غرار ما اتُّخِذ من خطوات فعلية، بأن الاستعدادات الإيرانية قد كُشِفَت، وهذا قد يدفع سليماني إلى إعادة التفكير في أسلوب المهمة وتوقيتها. لكن الرواية ما تزال مفتوحة، وتستمر في الخلفية المهمة الأكبر: الجهود التي تبذلها طهران لتعزيز قبضتها العسكرية على سوريا، والقرار الإسرائيلي الواضح بمنعها من تحقيق ذلك مهما كلَّف الأمر، كما تقول Haaretz.
ورغم أنَّه لا يزال على الإعلام الإسرائيلي الاستناد إلى روايات أجنبية، يبدو أنَّ أعضاء مجلس الوزراء الإسرائيلي تجاهلوا بعض القيود في حديثهم مع موقع صحيفة يديعوت أحرونوت؛ إذ هدد وزير الطاقة والموارد المائية الإسرائيلي، يوفال شتاينتس، الإثنين 7 مايو/أيار 2018، رئيس النظام السوري بشار الأسد إذا ما سمح الأخير لإيران باستهداف إسرائيل من داخل أراضيه. وفي صباح الأربعاء 9 مايو/ أيار 2018، أكَّد وزير النقل، يسرائيل كاتس، أن إسرائيل ستمنع الإيرانيين من القيام بأعمال انتقامية.
إعصار ترمب
كل هذا يحدث على خلفية الحديث الذي أدلى به الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، ليل الثلاثاء 8 مايو/أيار 2018. فعقب 18 شهراً بالضبط من الفوز في انتخابات الرئاسة الأميركية، ضرب إعصار ترمب بقوة منطقة الشرق الأوسط؛ إذ يؤذن إعلانه انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران بتغيُّرٍ استراتيجي في المنطقة. ويتزامن ذلك مع التوتر الفوري والمباشر بصورة أكبر بين إسرائيل وإيران في سوريا.
وبدت الرسائل التي حملها خطاب ترمب، المُذاع على الهواء، مُنسَّقة تماماً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ إذ عدَّدَ ترمب المشكلات كافة في الاتفاق النووي التي ظل نتنياهو يشير إليها لسنوات. وأعلن كذلك، اعتقاده أنَّ كشف "الموساد" الإسرائيلي للوثائق النووية الإيرانية دليلٌ حاسم على نية طهران الاستمرار في خداع المجتمع الدولي، بحسب الصحيفة الإسرائيلية.
يسير ترمب ونتنياهو على خطٍ واحد فيما يتعلق بـ3 مسائل رئيسية: التخلي عن الاتفاق النووي، وتشجيع تغيير النظام في إيران، ووقف التوسع العسكري الإيراني بسوريا.
ومع تشجيع نتنياهو النشط، يقود ترمب الآن نهجاً أكثر عدائية وشراسة ضد الاتفاق النووي.
وبالفعل، دعا ترمب الشعب الإيراني للوقوف بوجه حكامه، على أمل أن تشكِّل العقوبات الجديدة ضد إيران، بجانب التراجع الاقتصادي الذي تشهده بالفعل، تحدياً أكبر للنظام من ذي قبل، بحسب الصحيفة الإسرائيلية.
ويترك الرئيس الأميركي القتال ضد الإيرانيين في سوريا لإسرائيل، غير أنّه يمكن ترجمة إدانته الدعم الإيراني للإرهاب على أنَّه دعم لتحركات الجيش الإسرائيلي في الشمال.
ترمب وإعادة العقوبات
وعلى خلاف ما جاء في بعض التسريبات التي نُشرت قبل إعلان الرئيس، يبدو ترمب مستعداً لإعادة فرض عقوبات واسعة النطاق على إيران، وبشكلٍ سريع نسبياً.
وعلى الأقل، وفقاً للتصريحات، لا يترك ترمب مساحة كبيرة للدول الأوروبية الثلاث الأعضاء في الاتفاق (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) لعقد مفاوضات حول الخطوات التالية. فالولايات المتحدة تتخذ خطوات، ثم تترك لشركائها التقرير لأنفسهم ما يفعلون.
ولترمب، الذي كان مُنتقِداً شديداً للاتفاق النووي طوال حملته الانتخابية، مبدآن توجيهيان: إثبات أنَّه يفي بتعهُّدات حملته الانتخابية (كما كان الحال مع نقل السفارة الأميركية إلى القدس، الخطوة التي من المفترض أن تجري الأسبوع المقبل)، ومحو أي شيءٍ مرتبط بسلفه باراك أوباما.
من وجهة نظرٍ إسرائيلية، لا شك في أنَّ مستوى تماهي ترمب ودعمِه مرتفع. لكن الاختبار الأصعب هو الحفاظ على الخطوات المُخطَّطة والمُنسَّقة فيما بعد. وفي هذا الإطار، لم تُظهِر الإدارة نهجاً مستمراً ومحسوباً، برغم التنسيق الوثيق بين المؤسسات الأمنية والاستخباراتية في كلا البلدين، بحسب الصحيفة الإسرائيلية.
وفي خضم التوترات، أرسلت الولايات المتحدة رسالة مثير للاهتمام عبر إرسالها حاملة الطائرات "يو إس إس هاري ترومان" إلى البحر المتوسط، بين إسرائيل وقبرص، في الأيام القليلة المقبلة. ورغم أنَّ مسارها مُحدَّدٌ سلفاً، يبدو أنَّه من الممكن النظر إلى الحضور الأميركي في المنطقة باعتباره دعماً للردع الإسرائيلي ضد إيران وحزب الله. وفي الأشهر الأخيرة، شاركت حاملة الطائرات في عملٍ ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق وسوريا. وأشار كبار القادة العسكريين الإسرائيليين مؤخراً إلى أنَّ ترمب يعيد النظر في قراره سحب 2000 من عناصر القوات الخاصة من سوريا، وأنَّ الإدارة ربما تؤجِّل مغادرتهم عدة أشهر أخرى.
قواعد اللعبة تتغير
كان للواقع الاستراتيجي في المنطقة قوتان مُحرِّكتان فقط في السنوات الأخيرة: المعركة القوية بين المحور الشيعي والسُنَّة في سوريا، والاتفاق النووي بقيادة إدارة أوباما، الذي بعده تجنَّبت الولايات المتحدة المواجهة المباشرة مع إيران.
حُسِمَت الحملة العسكرية في سوريا عملياً قبل أشهر مضت لصالح نظام الأسد وإيران والشيعة. ويوم الثلاثاء 8 مايو/أيار 2018، بدأ ترمب تمزيق الأساس الثاني. من الآن فصاعداً، ستتغير قواعد اللعبة، والموضع الأول الذي سيجري فيه الشعور بذلك هو المعركة بين إسرائيل وإيران في سوريا.