بعد أن تحمَّلوا وطأة حرب دامت 3 سنوات ونصف السنة ضد تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش)، تسود مخاوف كبيرة بين سنّة العراق قبيل الانتخابات البرلمانية التي تجري يوم السبت 12 مايو/أيار 2018، فهل سيكون الفائزون أكثر انفتاحاً تجاه إشراك السنّة في العملية السياسية، بعد أن كانت نتيجة تهميشهم هي صعود المتشددين؟
تقرير لوكالة Associated Press الأميركية أشار إلى أن هناك مزيجاً من الأمل واللامبالاة داخل المجتمعات السنّية. أنقذت الهزيمة العسكرية لـ"داعش"، في معظم أنحاء العراق، الملايين من الحياة تحت الحكم القاسي للتنظيم. وقد أصبحت الحملات الانتخابية أقل طائفية في الأيام التي تسبق الانتخابات.
وينظم العراق، السبت 12 مايو/أيار 2018، انتخابات برلمانية هي الأولى من نوعها منذ إعلان الانتصار على "داعش"، وقد غرق هذا البلد الغني بالنفط في حروب متتالية منذ ثمانينيات القرن الماضي.
ويتنافس نحو 7 آلاف مرشح على 329 مقعداً بالبرلمان. ولا يبدو أي من التحالفات قادراً على الفوز بالأغلبية.
ويوزِّع نظام تمثيلي نسبي أهم المراكز الحكومية على مختلف الطوائف، والشيعة الذين كانوا مهمَّشين في عهد صدام حسين باتوا يسيطرون الآن على مؤسسات سياسية وعسكرية.
وشرَّدت الحرب أكثر من مليوني عراقي، أغلبهم من السنّة، كما دمرت المدن والقرى تدميراً هائلاً.
وتشير الوكالة الأميركية، في تقريرها، إلى أن المرشح عبد الكريم سليمان النويمي تحدث لعشرات الأشخاص المجتمعين وسط المخيمات الخاصة بالعائلات النازحة، قائلاً: "تكمن الأزمة في أن الدولة قد تدمرت، لكن التغيير بأيديكم".
عبَّر النويمي، المرشح عن تحالف "نينوى هويتنا"، عن رسالة تعكس حال السنّة.
يقول النويمي: "أنا خجول من موقفنا. المشكلة هي أن كل هؤلاء السياسيين يريدون إعادة ما قاموا به سابقاً. ما هي خططهم الجديدة التي يقدمونها؟".
لماذا تم تهميش السنّة؟
يضيف النويمي، المحاضِر بجامعة الموصل، إن تهميش السنّة يعود إلى السياسة الأميركية التي أعقبت الحرب التي أطاحت بصدام في عام 2003.
تركت السياسة الأميركية، الخاصة بتطهير المجال السياسي والعسكري من أعضاء حزب البعث، وأغلبهم من السنّة البارزين، الكثير من المجتمعات السنّية بلا قيادة. كان الهدف من هذه الخطوة هو إخلاء المناصب والصفوف العسكرية والسياسية من الموالين لصدام، لكن الندوب التي تركتها على وجه السياسية العراقية لا تزال ظاهرة.
وتشير الوكالة الأميركية إلى أن الانقسامات داخل القيادة السياسية السنّية حالت دون تشكيل قوة داخل البرلمان. في المقابل، سيطر الشيعة، خلال السنوات الـ15 الماضية، على الوزارات الرئيسية والأجهزة الأمنية العراقية.
تزايد تهميش السنّة تحت حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وهو ما عضّد من قوة تنظيم داعش. ففي صيف 2014، سيطر المتشددون على نحو ثلث الأراضي العراقية، وهو ما أدخل الدولة في أزمة أدت إلى الإطاحة بالمالكي.
بعد أسابيع من الحرب الخاطفة التي شنها تنظيم داعش، تولى حيدر العبادي منصب رئيس الوزراء وتعهد بإنهاء السياسات الطائفية، حيث عيّن عدداً من السنّة في مناصب قيادية بالحكومة، ولكنه ترأَّس حكومة ضعيفة، لدرجة أن البرلمان أعاقها في كثير من الأحيان، مما صعَّب من عملية تمرير التشريعات.
هل سيشارك السنّة في الانتخابات العراقية؟
دفعت جسامة مهمة إعادة الإعمار وكذلك الفساد المتشعب، بالإضافة إلى خبرات التهميش الماضية، بعض السنّة إلى القول إنهم لن يصوتوا.
يقول نبيل صبحي، وهي سُنيٌ في أواسط عمره من سامراء يسكن الآن بأحد ضواحي أربيل: "بالتأكيد،، لن أصوِّت. حتى لو رشَّح أخي نفسه، لن أشارك". ويبرر اختياره بأن الدستور العراقي، الذي كُتب في عام 2005 بعد عزل صدام حسين، يحتاج لإعادة كتابته بالكامل حتى يصبح بإمكانه الثقة بالحكومة.
وعند سؤاله عن القيادة السنّية الحالية، يضيف: "سُنة أو شيعة، كلهم فاسدون".
ورغم أن بعض السنّة قاطعوا الانتخابات الماضية، فانهم يبدون هذه المرة وكأنهم مهتمون بمشاركة الشيعة. يقوم السياسيون الشيعة بعمل حملاتهم الانتخابية للمرة الأولى في المناطق التي يسكنها السُنة. كما رحب العبادي بالسُنة ضمن تحالفه.
قلق سُني
عبَّر السياسيون السنّة عن قلقهم بأن الإقبال بين طائفتهم قد يكون ضئيلاً؛ لأن معظم النازحين العراقيين من السنّة. ويقول المسؤولون عن الانتخابات إن هؤلاء الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين سيكون بإمكانهم التصويت بمراكز اقتراع خاصة داخل المخيمات وخارجها، وذلك باستخدام بطاقات الهوية.
أما هؤلاء الذين يعيشون في منازل مستأجرة أو أية أماكن أخرى، فيجب عليهم إظهار بطاقات التصويت البيومترية، التي ما زالت نسبة توزيعها ضعيفة.
لا توجد بيانات محددة بخصوص النازحين، ولكن فرحان الكيكي، مسئول الانتخابات في الموصل حيث الأغلبية سُنية، يقول إن 67% فقط من السكان حصلوا على البطاقات الانتخابية.
أما علي حامد، وهو نازح سُني آخر يعيش بضاحية في أربيل، فيقول إن التصويت أمر ضروري.
يقول حامد مشيراً إلى ظهور "داعش" والحرب التي أعقبت هذا الظهور: "نريد أن نشارك في الانتخابات بوضوح؛ لنتأكد من أننا لن نمر بالمراحل نفسها التي مررنا بها من قبل".
في بغداد، مثَّلت نهاية الحرب ضد المتشددين فترة من الأمن والاستقرار النسبي، وهو ما ولَّد شعوراً كبيراً بأن العراق يسير في الاتجاه الصحيح.
ويعتقد سعد إبراهيم، البالغ من العمر47 عاماً، وهو أستاذ جامعي من بغداد، أن القيادة السياسية القادمة ستكون أكثر شمولاً.
"أتوقع أن التحالفات بعد نهاية الانتخابات ستجذب الكثير من السنّة في الحكومة القادمة،" وفقاً لإبراهيم. "التجارب السابقة تشير إلى أنه لا يوجد حزب سياسي قادر على الفوز بالأغلبية".
في الأعظمية، وهي منطقة أغلب سكانها من السُنة في بغداد، يردد عصام العبيدي، (51 عاماً)، ما قاله إبراهيم.
بحسب العبيدي، حقق العراق "استقراراً نسبياً على الرغم من الصعوبات الاقتصادية". لكنه ليس واثقاً بما إذا كان هذا الحال سيستمر أم لا.
ويضيف: "نتمنى أن تكون الحكومة قد بدأت إعادة النظر في الأخطاء السابقة؛ حتى لا تظهر موجات التشدد مرة أخرى".