قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إن مشكلة الرئيس الأميركي دونالد ترمب واثنين من الحلفاء اللذين يقدّرهما أكثر من غيرهما، وهما إسرائيل والمملكة العربية السعودية، لم تكن في المقام الأول تتعلق بالأسلحة النووية. بل إن الأمر يتعلق بإضفاء الشرعية على الحكومة الإيرانية الدينية، وتطبيع العلاقات معها، وإعادة فتح إيران أمام الاقتصاد العالمي، وتمتُعها بعائدات النفط التي مَوَّلت تدخلاتها في سوريا والعراق ودعم الجماعات الإرهابية.
والآن، ومع إعلانه اليوم الثلاثاء 8 مايو/أيار بأنَّه ينسحب من الاتفاق الإيراني، وسيعيد فرض العقوبات الاقتصادية على إيران والشركات التي تتعامل معها من خارج البلاد، يتورط ترمب في تجربةٍ كبيرة عالية الخطورة بحسب الصحيفة.
وتقول الصحيفة الأميركية إن ترمب وحلفاءه في الشرق الأوسط يراهنون على أنَّهم يستطيعون قطع شريان الحياة الاقتصادي لإيران، ومن ثمَّ "كسر النظام" من خلال إلغاء الصفقة النووية، حسبما وصف أحد المسؤولين الأوروبيين البارزين هذه الجهود.
أصبح لدى إيران الآن الحرية في إنتاج النووي كما تريد
تشير الصحيفة إلى أنه من الناحية النظرية، فإنَّ انسحاب أميركا يمكن أن يُعطي الحرية لإيران لإنتاج الكثير من المواد النووية كما تريد، والاستمرار فيما كانت تفعله قبل خمس سنوات، عندما كان العالم يخشى أن تتجه إيران نحو إنتاج القنبلة النووية.
لكنَّ فريق ترمب يُنكر هذا الخطر، إذ يرى أنَّ طهران لا تملك القوة الاقتصادية لمواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية. وتعلم إيران أنَّ أي تحرك باتجاه "الاندفاع" لإنتاج سلاحٍ نووي سيوفر لإسرائيل والولايات المتحدة مبرراً لاتخاذ إجراءٍ عسكري ضدها.
إنَّه نهجٌ سياسي واقعي حذَّر منه حلفاء أميركا في أوروبا على أنَّه خطأٌ تاريخي، يمكن أن يؤدي إلى المواجهة، وربما إلى الحرب.
وهو مثالٌ واضح على سياسة حافة الهاوية في الشرق الأوسط، التي تتعارض مع ما كان يقصده الرئيس باراك أوباما عندما تم التوصل إلى الاتفاق النووي في يوليو/تموز 2015.
كان رهان أوباما في تلك الصفقة، التي كانت اتفاق السياسة الخارجية البارز في سنواته الثماني التي قضاها في منصبه، صريحاً ومباشراً. اعتبر أوباما إيران حليفاً طبيعياً محتملاً للولايات المتحدة أكثر من العديد من الدول السُنية المجاورة لها، في ظل وجود المواطنين الشباب المتعلمين ذوي الفكر الغربي، الذين سئموا من الخضوع للحكم الثيوقراطي العجوز.
وبعيداً عن احتمال سعي إيران لامتلاك الأسلحة النووية، كان أوباما وكيري يريان أنَّه يمكن للبلدين بمرور الوقت أن يُنهيا ثلاثة عقود من العداء، ويعملا على مشاريع مشتركة، بدءاً من إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
لم ينجح الأمر على هذا النحو. وبينما نجح الاتفاق في شحن 97% من المواد النووية الإيرانية خارج البلاد، تراجع المحافظون في إيران وكذلك العسكريون عن فكرة التعاون في أي مشاريع مع الغرب.
وقبل أشهر من أن يتضح تمتع ترمب بفرصةٍ كبيرة في الفوز بالانتخابات، عزَّز الجيش الإيراني دعمه للرئيس بشار الأسد في سوريا، ووسَّع نفوذه في العراق، وسرَّع دعمه للجماعات الإرهابية. وضاعف من تنفيذ الهجمات ضد أهدافٍ في الغرب والسعودية، مستخدماً بذلك سلاحاً لم يشمله الاتفاق النووي.
ثم أتى ترمب بإعلانه أنَّ الاتفاق كان "كارثةً"، وتعهده بالانسحاب.
العالم يعود إلى حيث كان قبل 2012
وتشير الصحيفة إلى أن العالم قد يكون عائداً إلى حيثُ كان في عام 2012: على طريق مواجهةٍ غامضة، دون أي "أدلة على وجود خُطة بديلة"، حسبما قال بوريس جونسون وزير الخارجية البريطاني أثناء زيارةٍ لأميركا
وتؤكد الصحيفة الأميركية أن الانسحاب من الاتفاق، سواءٌ كانت هناك خُطة أم لا، يعد أمراً جيداً بالنسبة للسعوديين، إذ أنَّهم يرون أنَّ الاتفاق يشكل إلهاءً خطيراً عن المشلكة الحقيقة المتمثلة في مواجهة نفوذ إيران في أرجاء المنطقة، وهي مشكلة يعتقد السعوديون أنَّها ستُحَل فقط بتغيير النظام الحاكم في إيران، ولديهم حليفٌ متمثل في جون بولتون، المستشار الجديد للأمن القومي للرئيس الأميركي، الذي يشاطر السعودية الرأي نفسه.
ولكن قد يتحول الأمر إلى حرب إقليمية كبيرة بسبب الضغوط التي ستتعرض لها إيران جراء فرض العقوبات مجدداً، ومن ثم تصبح السعودية هي الهدف الأول بالنسبة للحرس الثوري الإيراني.
وفي هذه الحالة قد يكون الصدام في بداية إيجابياً للسعودية التي تتمتع بقوة عسكرية حديثة ومتطورة، حصلت عليها من دول غريبة أهما الولايات المتحدة، كما تقول مجلة فورن بوليسي الأميركية، وهذه الأسلحة بحسب الصحيفة ستساهم في حسم السعودية المعركة على حساب إيران، وكذلك دخول الولايات المتحدة المعركة لدعم حلفائها الخلجيين، لكن حينها سيتضرر الشرق الأوسط بأكمله جراء هذه الحرب.
أما موقف إسرائيل فهو أكثر تعقيداً. فقد مارس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضغطاً على ترمب للانسحاب من اتفاقٍ لطالما مقته، لكنَّ المستشارين العسكريين والاستخباراتيين لنتنياهو يقولون إنَّ إسرائيل أكثر أمناً بكثير وطريق إيران لتصنيع قنبلةٍ نووية مسدود.
ونشر نتنياهو عدة وثائق حاول من خلالها التدليل على تطوير إيران لأسلحتها النووية وقد قال إنها وثائق واعتبرها دليلاً على أنَّ إيران كانت تحتفظ بتصميماتها الخاصة بالقنابل كوسيلةٍ للتحوط من أجل المستقبل، يُرجِّح الكشف أنَّ إيران لم تتخل عن طموحاتها.
يقبع في صميم إعلان ترمب اليوم الثلاثاء 8 مايو/أيار اقتناعٌ بأنَّه لا يمكن السماح لإيران بتجميع مواد كافية لتطوير قنبلة. وعندما قال الأوروبيون إنَّ ذلك سيتطلب إعادة فتح باب المفاوضات، عاند ترمب وقرر بدلاً من ذلك العصف بالاتفاق ككل.
كانت تلك خطوةً كلاسيكية تتواءم مع سلوك ترمب المعهود، تشبه الأيام عندما كان يهدم المباني في نيويورك لإفساح المجال أمام الرؤى المتعلقة بإقامة صروحٍ أكبر وأكثر تألقاً. لكن في هذه الحال، كان الأمر يتعلق بقلب ميزان القوى وإضعاف نظام كان ترمب يقول منذ بدء حملته الانتخابية إنَّه يتحتم رحيله.
فرحة السعودية السريعة عقب إعلان ترمب
وكانت السعودية والإمارات ضمن أول المرحبين بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، بعدما حذَّرتا لسنوات من أن الاتفاق وفَّر لخَصمهم اللدود غطاءً لتوسيع نفوذه الإقليمي.
ويعكس تأييد السعودية والإمارات السريع لإعلان ترامب، الثلاثاء 8 مايو/أيار، إحساساً بصحة موقفهما. وتضغط الدولتان على واشنطن كي تأخذ على محمل الجد برنامج إيران للصواريخ الباليستية، ودعمها لجماعات مسلحة، وهي تهديدات أمنية تعتبرانها وجودية.
كما عبَّر سعوديون عن فرحة غامرة إزاء الإعلان، ونشروا على تويتر صوراً لترامب وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مع تعليقات مثل "انتصرنا"، و"اللعبة انتهت"، و"أفعال لا أقوال".
وغرَّد أحدهم قائلاً "لا يمكن إبرام اتفاق مع الشيطان، والسعودية تدعم تماماً قرار الرئيس ترامب… معاً ننتصر".
إلا أن المحلل السعودي جمال خاشقجي غرَّد خلافاً لذلك، وقال إن الاحتفالية المبالغ فيها بانسحاب ترامب من الاتفاق النووي متعجّلة: "الذي يهم السعودية هو إطلاق يد إيران في المنطقة، فهل سيفعل شيئاً حيال ذلك؟ ربما، ولكن تجارب الماضي تقول غير ذلك".
وأضاف: "طالما أنها "منطقتنا" فنحن أولى بالدفاع عنها مع "الأحرار" من أهلها، لا أميركا أو إسرائيل".