هل أنت من الرافضين لنظرية المؤامرة؟ هذه النظرية ليست جديدة في الشرق الأوسط، وكأن هذه المنطقة هي موطنها المفضل، فقد استغلت الكثير -إن لم يكن كل- الحكومات والمنظمات النافِذة في المنطقة طويلاً قوة التضليل والدعاية؛ الأمر الذي لا يُربِك الأعداء فحسب؛ بل ويبقي مواطني هذه الدول في حالة من عدم اليقين أيضاً.
وجعلت آفاق شبكة الإنترنت الواسعة إخفاء الدوافع والمصادر الحقيقية لهذه الأخبار مهمةً أسهل من أي وقتٍ مضى، حسب تقرير لصحيفة الإندبندنت البريطانية.
فالقصص الروسية، التي نشرتها جحافل الحسابات التي تعمل بالبرامج المعروفة باسم "البوت" والحسابات الساخِرة، نجحت على نحوٍ مذهل في إخراج انتخابات 2016 الأميركية عن سياقها، وقد أُثبت بشكلٍ قاطع أنَّنا نعيش في عصر ما بعد الحقيقة.
ومع ذلك، فإنَّ التأثيرات التي قد يُحدثها نظام الأخبار الزائفة الجديد ليست معروفة بعد، حين تجتمع شهية الشرق الأوسط لأنصاف الحقائق مع الوسائل المتطورة على نحوٍ متزايد لنشر التضليل السياسي، وقد يكون لها عواقب مُدمِّرة.
لبنان نموذجاً
يقول الدكتور جان مارك ريكلي، الزميل الباحث بكلية لندن كينغز كوليدج بلندن ومركز جنيف للسياسة الأمنية، إنَّ إمكانية حدوث اضطراب جديد في هذه المنطقة المُستقطَبة على نحوٍ متزايد تبدو هائلة.
وأضاف: "إنَّ القوة الانفجارية المحتملة لمواقع الأخبار الزائفة تصبح أكثر أهمية حتى في المجتمعات غير المستقرة أو الضعيفة أو المُقسَّمة على أسس طائفية بالمقام الأول. وحين تستهدف الأخبار الزائفة جانب الهُوية ذاك، يكون لها قدرة تعبوية قوية للغاية".
ففي لبنان، يوجد الكثيرون على الحافة، وذلك بالنظر إلى الوضع غير المستقر في سوريا، والطبول التي تُقرَع من أجل جولةٍ أخرى من الحرب بين إسرائيل وحزب الله.
حزب الله يختطف رجال استخبارات إسرائيليين
ومن الشائع بالنسبة للبنانيين أن يتشاركوا تحديثات الأخبار والرسائل الأخرى عبر تطبيقات واتساب والرسائل القصيرة، فينسخون نصوص تلك الأخبار ويرسلونها إلى الأشخاص الآخرين في قوائم اتصالاتهم. لكن نظراً إلى هذا السياق، لم تُثِر إحدى القصص الخبرية التي جرى تداولها مؤخراً سوى القليل من الدهشة.
إذ جاء في الرسالة، التي زُعِم أنَّها من وكالة رويترز للأخبار: "عاجل". وأضافت: "حزب الله يختطف ضباط استخبارات كباراً في الموساد من فئة النخبة الإسرائيلية".
ونقل الخبر العربي عن مسؤول استخبارات إسرائيلي مجهول قوله إنَّ إسرائيل قرَّرت مهاجمة حزب الله في لبنان؛ نتيجةً لخطف ضباط الموساد.
وأضاف النقل الزائف: "لن نكون مسؤولين عن النتائج؛ بسبب احتضان الشعب اللبناني حزب الله الإرهابي".
كان من الواضح بالنسبة لأي شخص لديه محو أمية إعلامية أنَّ لغة التنبيه الإخباري المزعوم "زائفة"، نظراً إلى أنها لم تكن مكتوبة بلغةٍ إخبارية جافة تماماً، وافتقرت إلى العديد من عناصر القصة الخبرية النموذجية، ورغم ذلك كان محتوى الخبر الزائف مُثيراً للقلق، حسب "الإندبندنت".
وليس من الواضح كم عدد الأشخاص الذين تلقوا ذلك الخبر العاجل، أو ما إذا كان هناك رابطٌ محدِّدٌ مهني، أو طبقي، أو جغرافي يجمع بينهم، والأمر الأكثر إثارة للقلق ربما هو عدم وضوح مصدره.
مَن بثَّ هذا الخبر؟
وقد يكون ذلك هو نتاج عمل شخص مخادِع أو مُمازِح لديه إمكانية للوصول إلى إحدى قوائم الاشتراكات التي بها مجموعة من الأشخاص المشتركين في خدمة أو صحيفة ما على سبيل المثال، أو ربما تورَّطت جهات فاعلة أكبر لديها دوافع طموحة أكثر. ومن دون معرفة الجمهور المستهدَف، سيكون تحديد هوية الجهة المُرسِلة مستحيلاً.
وقال بن نيمو، الزميل المختص بالمعلومات الدفاعية في مختبر أبحاث الطب الشرعي التابع للمجلس الأطلسي، إنَّ أجهزة المخابرات الإسرائيلية أكثر تطوُّراً بكثير من أن تخدعها قصة خبرية زائفة مثل قصة اختطاف ضباط الموساد.
لكن، يُستبعَد أيضاً أن تكون الوحدة الاستخباراتية السرية التابعة لحزب الله لديها ما يكفي من العاملين أو الموارد الكافية لترويج هذا الخبر.
غير أن اللافت أنَّ القصة بها نقاط تشابه مع "الدعاية بالغة الدقة"، التي وجدها بحث للسيد نيمو في أوكرانيا، ووصفها بأنها تُمثِّل معلومات حربية قريبة الشبه من "نسخة فائقة التكنولوجيا لعملية إسقاط المنشورات فوق مناطق العدو".
ففي منطقة دومباس الأوكرانية، تُرسَل رسائل تهديد قصيرة دورياً إلى هواتف جنود القوات المسلحة الأوكرانية، على أمل دفعهم لمغادرة مواقعهم. ورغم أنَّ المصدر هنا هو -بلا شك- روسيا، فإنَّ الرسائل تنشأ عن أجهزة محاكاة مواقع الهواتف الجوالة لا يمكن تتبعها، والتي تنتحل صفة أعمدة الإشارات الخاصة بالهواتف الجوالة المحلية وتحل محلها.
كيف يمكن أن تشعل حرباً؟
وفقاً لـ"الإندبندنت"، فإنه لا يوجد مُحفِّز لحربٍ جديدة بين إسرائيل وحزب الله لدى أي الجانبين -فكلٌ من المجموعة اللبنانية المُسلَّحة والدولة اليهودية منشغل بعمقٍ بالحرب في سوريا المجاورة- لكنَّ كل ما يتطلَّبه الأمر لفتح بوابات الجحيم قد يتمثَّل في استقبال، وتصديق، المسؤول أو الوحدة الخاطئة المتمركزة عند الحدود لرسالةٍ مشابهة.
ففي نهاية المطاف، تستند تلك الرسالة إلى سياقٍ واقعي، ومن ثم يمكن تصديقه؛ فالظروف اللازمة لحرب 2006 قد أثارها عددٌ من محاولات حزب الله الفاشلة لاختطاف جنود إسرائيليين في عام 2005.
وقال ريكلي إنَّ "التقارير الإخبارية الأكثر قوة هي تلك التي تستند إلى شيءٍ موجود بالفعل ثُمَّ تنحرف عن الحقيقة. وهي آلية الأكاذيب نفسها؛ فالأكاذيب الأكثر قوة هي تلك المبنية على شيءٍ حقيقي".
وتوجد العديد من الصراعات المحتدمة بالفعل في الشرق الأوسط. لكن الأمر الذي ربما نشهده، بالنظر إلى الأحداث الأخيرة، هو ظهور تكتيكات الأخبار الزائفة التي لا تهدف فقط إلى زرع الارتباك وانعدام الثقة بين السكان، لكن أيضاً للتأثير على الأحداث على مستوى الدولة.
قطر نموذجاً
تُعَد الأزمة الدبلوماسية الحالية في الخليج مثالاً على ذلك؛ إذ اندلعت الأزمة، المستمرة منذ 3 أشهر، جزئياً نتيجة نشر قصة خبرية زائفة زرعها مخترِقون على وكالة الأنباء القطرية.
وفي ذلك الوقت، قالت قطر إنَّ مدى سرعة التقاط جيرانها للتصريحات الزائفة لأمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، عن إيران وإسرائيل -وحقيقة أنَّ العديد من المنافذ الإعلامية الإقليمية ظلَّت تنشر التصريحات الزائفة حتى بعد إصدار قطر بياناً يُوضِّح حدوث عملية الاختراق- يُظهِر أنَّ حلقةً ما كانت مفقودة.
ويبدو أنَّ كشفاً أخيراً للاستخبارات الأميركية يدعم زعم قطر بأنَّ منافسيها الإقليميين قد زرعوا القصة على موقع الوكالة، ويعتقد المسؤولون أنَّ أعضاءً بارزين في حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة قد ناقشوا عملية الاختراق المُخطَّط لها يوم 23 مايو/أيار 2017، اليوم السابق لحدوث الاختراق، وأنَّهم إمَّا قاموا بالهجوم الإلكتروني بأنفسهم وإما استخدموا طرفاً ثالثاً للقيام به.
ووجد تحقيقٌ لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (FBI)، في وقتٍ سابق، أنَّ عملية الاختراق تمت على يد مخترقين روس، وليس من المعروف ما إذا كانوا من الحكومة، أو مخترقين مستقلين استأجرهم طرف ثالث.
ولا يزال الخلاف الخليجي مستمراً، ولم تُفهَم تداعياته الجيوسياسية الهائلة بشكلٍ كامل بعد.
وإذا كانت المعلومات الاستخباراتية الأميركية صحيحة، فسيكون هذا نموذجاً على استخدام الأخبار الزائفة للتأثير بصورةٍ مباشرة على الأحداث في الشرق الأوسط.
وقال ريكلي: "إنَّ خلق "الحقائق البديلة" هو الهدف النهائي لسياسات ما بعد الحقيقة. وقد تُستخدَم تكتيكات الحرب الباردة تلك التي تستفيد من "قوة السياسة" بدلاً من "سياسة القوة" لإحداث تأثير كبير في المنطقة".