“أعداء الزيتون”.. لماذا يتعمّد الإسرائيليون تدمير محصول المزارعين الفلسطينيين كل موسم؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/10/31 الساعة 11:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/10/31 الساعة 11:10 بتوقيت غرينتش
منع الجيش الإسرائيلي، الجمعة 16 أكتوبر/تشرين الأول 2020، مزارعين فلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم لقطف ثمار الزيتون، وسط الضفة الغربية المحتلة. ( Issam Rimawi - وكالة الأناضول )

تتواصل معاناة الفلسطينيين تحت وطأة الاحتلال من غزة إلى الضفة الغربية المحتلة، التي شهدت تصاعداً في هجمات المستوطنين الإسرائيليين على المزارعين الفلسطينيين خلال موسم الحصاد الحالي لأشجار الزيتون، الذي يُعد رمزاً للصمود، وتعتمد عليه آلاف العائلات مصدراً رئيسياً للدخل والمعيشة.

وكشف تقرير فلسطيني أصدره معهد الأبحاث التطبيقية "أريج"، الخميس 30 أكتوبر/تشرين الأول، عن منع السلطات الإسرائيلية قطف الزيتون في أكثر من 25 ألف دونم في الضفة الغربية المحتلة، خلال موسم الحصاد الحالي منذ انطلاقه في الأسبوع الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

وقال معهد أريج إن "الاستهداف الأكبر كان لمحافظات: جنين، والقدس، وقلقيلية، ورام الله على التوالي". ورصد المعهد منذ بداية العام الجاري "ما يزيد عن 3100 اعتداء نفذها المستوطنون ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم وأراضيهم الزراعية ومصادرهم الطبيعية، الأمر الذي ألحق أضراراً كبيرة".

ووفق تقديرات ميدانية وبيانات وزارة الزراعة الفلسطينية، يُعد الموسم الحالي الأضعف خلال العقود الأخيرة، إذ لا يتجاوز الإنتاج 15% من المعدل الطبيعي.

من جانبها، سجّلت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان 757 اعتداءً خلال النصف الأول من عام 2025 من قِبَل المستوطنين، أسفرت عن إصابات أو أضرار بالممتلكات الزراعية.

لماذا تعتبر زراعة الزيتون مهمة للفلسطينيين؟

تعود زراعة الزيتون، المحصول الأكثر انتشاراً في فلسطين، إلى آلاف السنين في حضارات حوض البحر الأبيض المتوسط القديمة. فعلى سبيل المثال، اعتبر الإغريق القدماء غصن الزيتون رمزاً للسلام.

وعلى مر القرون، تم استخدام الزيتون في فلسطين في صناعة الغذاء ومستحضرات التجميل والصابون والأدوية والوقود، في حين تم استخدام خشب أشجار الزيتون في البناء.

وشهد الإنتاج ارتفاعاً ملحوظاً خلال أربعة قرون من الحكم العثماني في فلسطين، الذي استمر حتى عام 1917، ما أدى إلى ترسيخ تجارة الزيتون كأحد الصادرات الأساسية.

واليوم، يُستخدم ما يقرب من نصف الأراضي الزراعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة لزراعة الزيتون، وفق تقرير لموقع ميدل إيست آي البريطاني.

وباعتباره المحصول الأكثر قيمة في فلسطين، تضخ صادرات الزيتون الموسمية ما يقرب من 200 مليون دولار في الاقتصاد الفلسطيني خلال العام، وفقاً لتقرير صادر عن مركز التجارة الفلسطيني.

ويعتمد نحو 100 ألف أسرة في الضفة الغربية المحتلة على الدخل من موسم حصاد الزيتون، بحسب أرقام الأمم المتحدة، بما في ذلك نحو 15% من النساء العاملات.

ويُعد الزيتون عصب قطاع الزراعة الفلسطيني. وتقول وزارة الزراعة التابعة للسلطة الفلسطينية إنه يسهم بنحو 8% من الناتج المحلي الإجمالي، ويوفر أكثر من 60 ألف وظيفة، وفق وكالة رويترز.

وإلى جانب كونه شكلاً من أشكال الزراعة التي يعود تاريخها إلى قرون مضت، فإن أهمية زراعة الزيتون بالنسبة للفلسطينيين أعمق من ذلك.

وقال محمد أبو الرب، وهو مزارع زيتون من قرية جبلون قرب جنين، لموقع ميدل إيست آي، إن المزارعين يشعرون برابطة روحية بينهم وبين الشجرة.

واعتبر الناشط الفلسطيني، أدهم الربيعة، في حديث لوكالة رويترز، أن شجرة الزيتون رمز للصمود الفلسطيني.

ماذا يحدث لمزارعي الزيتون في الضفة الغربية؟

تعرّضت الزراعة الفلسطينية، بما في ذلك بساتين الزيتون، لهجمات طويلة الأمد من قِبَل جماعات المستوطنين الصهاينة منذ الانتداب البريطاني.

ويُقدَّر الآن أن 700 ألف مستوطن إسرائيلي يعيشون في 150 مستوطنة و200 بؤرة استيطانية في الضفة الغربية. ويُعتبر كلا النوعين من الاستيطان غير قانوني بموجب القانون الدولي، إذ يُحظر القانون الإسرائيلي إقامة بؤر استيطانية غير مرخصة، ولكن السلطات الإسرائيلية تُمنحها الحصانة بشكل روتيني.

وفي السنوات التي سبقت الحرب الإسرائيلية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تزايدت أعمال العنف ضد مزارعي الزيتون الفلسطينيين مع تصاعد التوترات في الضفة الغربية على النحو التالي:

  • في عام 2020، على سبيل المثال، أفاد ما يقرب من 40% من مزارعي الزيتون الفلسطينيين أن محاصيلهم سُرقت أو أُتلفت على يد مستوطنين إسرائيليين في العام السابق. وتعرّض آخرون للمضايقات والعنف خلال موسم الحصاد.
  • وفي عام 2023، تصاعدت أعمال العنف في الضفة الغربية، وسط تقارير واسعة النطاق عن إحراق المحاصيل والاعتداءات الجسدية على المزارعين الفلسطينيين.
  • وفي 38 مناسبة على الأقل، أفاد شهود عيان بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي ساعد المهاجمين، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).
  • كما شددت إسرائيل القيود المفروضة على سفر الفلسطينيين في الضفة الغربية بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ما يمنح الفلسطينيين في كثير من الأحيان أياماً فقط للعمل في الأراضي التي يستغرق حصادها أسابيع.
  • ونتيجةً لذلك، لم يُجْنَ نحو 20% من محاصيل الزيتون في الضفة الغربية ذلك العام بسبب صعوبة الوصول. وتكبّد المزارعون الفلسطينيون خسائر تُقدَّر بعشرة ملايين دولار، وفقاً لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان.
  • وفي عام 2024، زادت هجمات المستوطنين، حيث تم تسجيل ما يقرب من 200 حالة – أي أكثر من ضعف إجمالي العام السابق، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).
  • وفي أغسطس/آب 2025، دمّر الجيش الإسرائيلي 10,000 شجرة زيتون خلال حصار دام ثلاثة أيام لقرية المغير الفلسطينية في الضفة الغربية، بعد ورود تقارير عن تعرض مستوطن إسرائيلي لهجوم بالقرب منها. وكان عمر بعض الأشجار أكثر من قرن.
  • وشهد الأسبوع الأول من موسم قطف الزيتون العام الجاري أكثر من 150 هجوماً من قِبَل المستوطنين، وأكثر من 700 شجرة زيتون تم اقتلاعها أو تسميمها، بحسب ما نقلته وكالة أسوشيتدبرس عن مؤيد شعبان، الذي يرأس مكتباً في السلطة الفلسطينية لمتابعة أعمال العنف.
  • ونفّذ جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون "ما مجموعه 259 اعتداء ضد قاطفي الزيتون في الضفة الغربية منذ انطلاقه في الأسبوع الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري وحتى الثلاثاء الماضي، بينها اعتداء جسدي عنيف، وحملات اعتقالات، وتقييد حركة، وترهيب بكافة أشكاله"، وفق معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان.

ماذا عن أشجار الزيتون في غزة؟

أدّت الحرب الإسرائيلية على غزة إلى تدمير 1.1 مليون شجرة زيتون.

وفي أغسطس/آب الماضي، أظهر تقييم أجرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أن 98.5% من الأراضي الزراعية تضررت أو أصبحت غير قابلة للوصول بسبب القصف الإسرائيلي.

وفي الشهر نفسه، أعلن برنامج مراقبة الجوع العالمي، المدعوم من الأمم المتحدة، أن أكثر من نصف مليون شخص في غزة يواجهون المجاعة.

وتُقدّر منظمة الفاو أن 86% من آبار غزة الزراعية قد دُمِّرت بحلول يوليو/تموز 2025.

واتهمت منظمة الميزان غير الحكومية لحقوق الإنسان إسرائيل بارتكاب "إبادة بيئية" في القطاع، وذكرت في تقريرها الصادر في أكتوبر/تشرين الأول 2024 أن هناك "خطراً بأن تصبح غزة غير صالحة للسكن تماماً".

كما تم تدمير جزء كبير من البنية التحتية المرتبطة بزراعة الزيتون في غزة، بما في ذلك معاصر الزيتون.

وفرضت إسرائيل قيوداً صارمة على صادرات منتجات الزيتون منذ فرض الحصار على غزة على مدى عقود من الزمن، وتوقفت تماماً وسط الدمار الذي شهده القطاع خلال العامين الماضيين.

لماذا يهاجم المستوطنون الإسرائيليون أشجار الزيتون؟

تشكل اعتداءات المستوطنين وقوات الاحتلال الإسرائيلي على أشجار الزيتون جزءاً من هجوم أوسع على حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.

وتهدف هذه السياسة إلى حرمان الفلسطينيين من الدخل، وإجبار المجتمعات على النزوح من أراضيهم من خلال الترهيب، وفق ميدل إيست آي.

وتشمل الاعتداءات الأخرى على الزراعة ردم الآبار لقطع إمدادات المياه، وذبح الماشية، وتخريب أو هدم المنازل الريفية.

ومنذ تولي حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة، عمل اليمين الإسرائيلي على توسيع خططه الاستيطانية، بما في ذلك نيته العلنية ضم الضفة الغربية، وهو الأمر الذي أُقِر مشروع قانون أولي بشأنه في وقت سابق من هذا الشهر.

كما غضّت الحكومة الإسرائيلية الطرف عن البؤر الاستيطانية التي تُعد غير قانونية بموجب القانون الإسرائيلي.

وقال اللواء العسكري الإسرائيلي، آفي بلوث، بحسب صحيفة هآرتس، إن اقتلاع الأشجار يهدف إلى ردع أي شخص "يحاول رفع يده" ضد المستوطنين.

وأضاف: "يجب على كل قرية أن تعلم أنه إذا أقدمت على أي هجوم فإنها ستدفع ثمناً باهظاً".

تحميل المزيد