الفريق كامل الوزير، العسكري والسياسي المصري الذي تقلد مناصب مهمة في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بات خلال الأيام الماضية في مرمى الانتقادات بعد الحادث الذي أودى بحياة 19 فتاة على إحدى الطرق السريعة الجديدة بالقرب من محافظة المنوفية، وما أعقب ذلك من ردود فعل غاضبة تجاه الوزير في حكومة مصطفى مدبولي.
ووصلت الانتقادات التي طالت كامل الوزير إلى المطالبة بإقالته أو تقديم استقالته إلى رئيس الحكومة، وذلك أسوة بوزراء نقل مصريين سابقين تحمّلوا المسؤولية السياسية وتركوا مواقعهم في أعقاب حوادث مشابهة، كما لجأ السيسي مراراً لإقالة مسؤولين حكوميين وغيرهم للتخفيف من الغضب الشعبي في كثير من الأحيان.
وقالت مصادر قريبة من الحكومة المصرية إن الحادث الأخير قضى على طموح وزير النقل، الذي كان على رأس المرشحين لتولي منصب رئيس الوزراء، مع وجود اتجاه لإدخال تعديل وزاري قريب، يسبق الإطاحة بالحكومة أو الاتجاه نحو تغييرها خلال الأسابيع أو الأشهر القليلة المقبلة، بخاصة وأنها سوف تتقدم باستقالتها مع انتخاب برلمان جديد.
وأشار مصدر "عربي بوست" إلى أن إبعاد الوزير المصري الأكثر شهرة عن منصبه يظل مستبعداً، ولكن قد يحدث أن يترك إحدى وزارتي النقل أو الصناعة، وفي حال استمر السخط الشعبي ضده، يمكن التفكير في إبعاده عن الحكومة، لكن ليس بشكل فردي، إنما مع إدخال تعديل وزاري.
انتقادات وغضب سيؤثران على مستقبل الوزير السياسي
حسب المصدر القريب من الحكومة، والذي تحدث لـ"عربي بوست" شريطة عدم الكشف عن اسمه، فإن التصريحات التي أدلى بها الفريق كامل الوزير كانت تستهدف تهدئة الرأي العام، بعد أن قطع مشاركته في فعاليات منتدى الترابط العالمي في مجال النقل والمقام بمدينة إسطنبول، غير أنها جاءت بنتائج معاكسة، ولم تكن موفقة إلى حد بعيد، وهو ما يضع الحكومة في مأزق.
وأكد المتحدث أنه على الأغلب فإن الزوبعة سوف تمر، لكنها سوف تترك تأثيرها على مستقبله السياسي، الذي أضحى على المحك، مشيراً إلى أن وزير النقل لديه نجاحات متميزة عديدة في السابق، والأزمة تتمثل في التعامل السياسي الجيد مع الحوادث، التي كان يتحملها وزراء سابقون وأغلبهم تركوا مناصبهم سواء من خلال الإقالة أو الاستقالة.
إذ سبق للرئيس السيسي أن ضحى بوزراء للتخفيف من الضغط الشعبي وتهدئة المصريين، وهو ما حدث مع وزير العدل الأسبق أحمد الزند، الذي أُعفي من منصبه عام 2016 بعد تصريح أدلى به في مقابلة تلفزيونية اعتُبر مسيئاً للنبي محمد. وفي نفس السنة، استقال وزير التموين خالد حنفي بعد اتهامات بإهدار المال العام.
وأشار مصدر "عربي بوست" إلى أن الحادث الأخير سلط الضوء على نتائج صرف مليارات الدولارات على تطوير الطرق والجسور الحديثة، وما إذا كانت سوف تتمكن من الصمود والكفاءة لسنوات طويلة، أم أنها ستكون بحاجة إلى صيانة بقيمة مالية مضاعفة لتكلفة البناء.

وهي انتقادات لا تصيب فقط وزير النقل، لكنها تضرب في عمق علاقة النظام السياسي المصري بالمواطنين، باعتبار أن المشروعات القومية التي جرى تدشينها في السنوات الماضية كانت أساس خطط التنمية التي تروج لها الدولة المصرية بشكل مستمر، وأن التشكيك فيها وفي عوائدها على المدى القصير، يقود لأزمة سياسية.
وسبق أن اتخذ الرئيس المصري قرارات بحق مسؤولين بارزين من أجل تهدئة الرأي العام، إذ إنه في عام 2015 أقال السيسي محافظ الإسكندرية الأسبق هاني المسيري بعد أزمة السيول، وأقال السيسي أو كلف الحكومة بعزل رؤساء أحياء ومسؤولين محليين عقب تقارير عن الفساد أو الإهمال أو سوء التعامل مع الأزمات.
وبعد حادثة قطار محطة مصر عام 2019، التي أودت بحياة العشرات، تم إقالة رئيس هيئة السكك الحديدية، وأُحيل مسؤولون للتحقيق. وبعد حوادث غرق أطفال أو انهيار مدارس أو مخالفات في توزيع الخبز أو التموين، تمّت إقالة بعض المسؤولين المحليين بشكل عاجل.
وشهد الطريق الدائري الإقليمي في نطاق مركز أشمون بمحافظة المنوفية حادثاً راح ضحيته 19 فتاة – معظمهن دون الـ22 عاماً، من قرية كفر السنابسة التابعة لمركز منوف. وبعد الحادث، وجّه الرئيس عبد الفتاح السيسي بصرف مبلغ 500 ألف جنيه لأسرة كل ضحية، ومبلغ 70 ألف جنيه لكل مصاب، إضافة إلى متابعة صيانة وإصلاح الطرق، خاصةً الطريق الدائري الإقليمي.
وفوجئت الحكومة بردود فعل غاضبة غير معتادة من أعضاء مجلس النواب، الذين طالبوا بمحاسبة وزير النقل، الذي تولى المنصب في عام 2019، بعدما كان مشرفاً على مشروعات الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، ومن أبرزها الطريق الإقليمي، الذي كلف نحو 8 مليارات دولار.
وعلى مدار ست سنوات من توليه الوزارة، شهدت مصر أكثر من 500 حادث على الطرق، من بينها حوادث سكك حديدية، من دون أي مساءلة من أي نوع.
المواد المستخدمة في رصف طرق الأرياف رديئة
قال أحد أعضاء البرلمان بلجنة النقل والمواصلات، وهو ممن لديهم صلات بالحكومة أيضاً، إن الحادث وجّه ومِيضاً إلى طريق يحصد الأرواح يومياً دون أن يتدخل أحد لإصلاحه أو وقف السير به لحين الانتهاء من تأهيله، في حين أن تكلفته وصلت إلى مليارات الدولارات.
وهو ما يعني، يضيف المتحدث، أن هناك إهمالاً جسيماً يستوجب على وزير النقل المحاسبة السياسية، وكذلك المحاسبة النيابية تحت قبة البرلمان، ومن حسن حظه أن البرلمان أمامه أسبوع أو أقل ليفضّ أعماله قبل الانخراط في الانتخابات الجديدة.
وأوضح أن الطرق المصرية على الورق تتماشى مع كود الطرق الدولية التي يتم الاعتداد بها للتأكيد على أنه يصلح للسير وبكثافة مرتفعة، لكن الواقع يشير إلى أن ذلك ليس مطبقاً على الأرض، والدليل أن الطريق الإقليمي الذي بدأ السير به قبل خمس سنوات فقط، يعاني مشكلات عديدة، وبحاجة للإصلاح.
وقال إن الفساد يظهر عند استلام المشروع دون أن يكون هناك تأكيد من أنه مطابق للمواصفات، وبالتالي تكون النتيجة أنه يتعرض للتلف بعد فترة وجيزة، ويتطلب زيادة صيانة بمبالغ طائلة، والأكثر أنه يروح ضحيته آلاف الضحايا سنوياً.
وتابع النائب البرلماني إن الجزء الأكبر من الطرق الحديثة، خاصة في المحافظات والأقاليم بعيداً عن القاهرة والإسكندرية ومرسى مطروح التي تمر بالساحل الشمالي ومدينة العلمين الجديدة، جرى تشييدها على أساس توفير أكبر قدر من الأموال.
وبالتالي، فإن المواد المستخدمة في الرصف، وهي رديئة، تجعل عمره الافتراضي قصيراً، ويترتب على ذلك وجود حفر وتكسّر في وسط الطريق، دائماً ما يؤدي إلى الحوادث. كما أنه في حال كانت هناك صيانة للطريق، فإن ذلك يستلزم وقتاً طويلاً لحين توفير الميزانيات، وبالتالي إما أن يحدث هناك غلق جزئي لحين الإصلاح، أو يُترك ليتعرض إلى مزيد من التلف.
وشدّد المصدر ذاته على أن كثيراً من الطرق جرى اختصار مدة تدشينها إلى النصف تقريباً، وهو ما يفسر الطفرة الحقيقية على مستوى الطرق والبنية التحتية، لكن في المقابل تبقى هناك مشكلات واضحة في الجودة تجعل من حوادث الطرق أمراً مستمراً.
كما أن بعض شركات المقاولات التي تشكو بين الحين والآخر من تأخر المستحقات لدى وزارة النقل، يجعلها لا تولي اهتماماً بالجودة، بحجة أنها لم تحصل على مستحقاتها، هذا بالإضافة إلى أخطاء العنصر البشري، وهي تسبب الجزء الأكبر من الحوادث. لكن تبقى هناك مسؤولية سياسية يتحملها الوزراء السابقون، ويجب أن يتحملها أيضاً الفريق كامل الوزير.
رغبة الاستمرار في المناصب مدى الحياة
وفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بمصر، فقد بلغ عدد المتوفين في حوادث الطرق بالبلاد 5260 شخصاً عام 2024، فيما سجل عدد إصابات حوادث الطرق 76362 إصابة في 2024، مقابل 71016 عام 2023، بنسبة ارتفاع 7.5%. وكان أعلى عدد إصابات على مستوى المحافظات المصرية في محافظة الدقهلية، حيث بلغ 15563 إصابة، وأقل عدد إصابات في محافظة السويس، حيث بلغ 39 إصابة عام 2024.
وظهر كامل الوزير في مقطع فيديو مصوَّر بشكل طولي في إحدى الحافلات على الطريق الدائري الإقليمي الذي شهد وقوع حادث الجمعة، قائلاً إن مصر أنفقت على الطرق 225 مليار جنيه.
وتُعد ثورة الطرق التي تشهدها مصر منذ نحو 6 سنوات، والتي أدت إلى تقصير متوسط زمن الرحلة في العاصمة وأطرافها إلى 25 دقيقة، أحد أسباب نقد بعض المواطنين، لاعتقادهم أنها أحد أسباب الأزمة الاقتصادية التي يعيشونها.
ويلوم المسؤولون في مصر على أسلوب قيادة سيارات النقل الثقيل على الطرق، وتناول جزء كبير من السائقين المخدرات والمنبهات الممنوعة لمواصلة القدرة على العمل لساعات طويلة، وهو ما دفع وزير النقل إلى طلب أخذ عينات مخدرات بشكل دوري ومفاجئ، للحد من ضحايا حوادث الطرق.
وقال محلل سياسي مصري إن أزمة وزير النقل مركبة في مصر، فهي تبرهن على أن الوزراء يغيب عنهم الحصافة السياسية التي تجعلهم يتحملون المسؤولية السياسية جراء أي حادث أو أزمة تُثار في نطاق عملهم، وأن الاعتماد على التكنوقراط وأهل الثقة دون أن يكون هناك تأهيل سياسي، يقود إلى سوء إدارة التعامل مع مثل هذه الحوادث.
وأشار المحلل السياسي في تصريح لـ"عربي بوست" إلى أن السخط هذه المرة نتيجة لتراكمات سابقة، مع توالي الحوادث، وسيطرة وزارة النقل على الجزء الأكبر من القروض الخارجية خلال السنوات الماضية، والتي كبّلت البلاد بديون هائلة.
وشدّد المتحدث على أن الحادث يثبت حالة التساهل والتقصير من جانب الوزراء في أداء عملهم، لأن وزير النقل لم يقم بدوره في إصلاح الطريق، وكذلك فإن وزارة الداخلية لم تراقب سير السائق في الاتجاه المعاكس، بالإضافة إلى ثبوت تعاطيه المخدرات.
كما أنها برهنت على تفشي الفقر الاجتماعي، لأن أكثر من 20 فتاة لم تتجاوز أعمارهن 20 عاماً يعملن دون رقابة، يبرهن على أن الأهالي لجؤوا إلى عمل الفتيات للمساعدة في زيادة ميزانيات الأسر الفقيرة، التي تضررت بفعل تراجع أوضاع الاقتصاد.

وأوضح أن تسليط الانتقادات على وزير النقل يأتي من كونه لم يقف في صف المواطنين، ولم يتطرق إلى إمكانية استقالته من منصبه باعتباره مسؤولاً سياسياً عن الحادث، لكنه اختار الطريق الآخر الذي يعبر عن أن هناك رغبة في الاستمرار في المناصب مدى الحياة. وإن لم يكن يقصد ذلك صراحة، فإن الرسالة وصلت إلى الرأي العام، خاصة وأن هناك واقعة سابقة قام فيها بفصل أحد الموظفين لغيابه عن العمل، في حين أشارت المعلومات في ذلك الحين إلى أنه حصل على إجازة رسمية.
ولفت إلى أن إقالة وزير النقل في هذا التوقيت يمكن أن تفتح الباب أمام مطالبة المواطنين برحيل وزراء آخرين ليس لديهم قبول شعبي، وتسعى السلطة إلى أن تحافظ على حالة الاستقرار الداخلي، ومن الممكن أن يرحل في التعديل الوزاري المقبل، أو يُسحب منه أي من الوزارتين اللتين بحوزته.
وخلال حواره مع الإعلامي نشأت الديهي، حثّ الفريق كامل الوزير، وزير النقل والمواصلات، الإعلاميين على ضرورة دراسة المواضيع قبل طرحها، أو الاستعانة بمتخصصين للمناقشة.
وقال: "ياريت الإعلامي اللي يطرح موضوع يكون دارسه أو يجيب متخصص للطرح والمناقشة فيما يخص الميزانية". ولفت إلى أن هناك من يطالب بأن يستقيل وزير النقل، وعقّب: "أنا مش هستقيل.. أنا مش هسيبها وأمشي.. أمنية البعض والكتائب اللي شغالة إني أسيبها وأمشي.. أنا مش هسيبها وأمشي.. أنا فيها لغاية ما أموت".
وتابع في الحوار ذاته: "أنا مش بزعل من الناس اللي بتهاجمني.. أنا بروح المقاتل اللي اتعلمتها من أول ما تخرجت من الكلية الفنية العسكرية"، مضيفاً: "فيه ناس بتقول إن كامل الوزير غير مؤهل ليكون وزيراً للنقل.. مين قالك؟.. هو أنت تعرف أنا اتعلمت إيه في الكلية الفنية العسكرية؟ دي الكلية بتعلمك إزاي تبقى عالم ومخترع ومهندس شاطر في كل التخصصات".
رغبة رئاسية في سرعة الإنجاز والتطوير تُحدث مشكلات
وذكر قيادي بارز بحزب تيار الكرامة، وهو أحد أحزاب المعارضة في مصر، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، إن الهجوم على وزير النقل سببه أن الحادث سلط الضوء على كفاءة المسؤولين في أجهزة الدولة، وتأثير ذلك على استقرار الدولة المصرية، والأكثر من ذلك أن وزير النقل اجتزأ المشكلة في السائق الذي يتعاطى المخدرات، ونسي دوره في إصلاح الطريق.
القيادي في تيار الكرامة أضاف أن محافظ المنوفية ألقى بالمسؤولية على الجهات المشرفة على الطرق الجديدة في وزارة النقل أو الهيئة الهندسية، دون أن يتحمل مسؤوليته، باعتبار أن الطريق يقع في نطاق محافظته، في حين أن الاثنين يمثلان الدولة، وهما ضمن أركان السلطة التنفيذية.
وقال أيضاً إن الفريق كامل الوزير يتنصل من مسؤوليته السياسية، لأنه كان عليه سرعة إنجاز إصلاح الطريق، وحل مشكلة الاختناق التي تحدث عليه يومياً بسبب تلف أجزاء منه، وهو ما يترتب عليه وقوع حوادث متكررة.
وأشار إلى أن الرغبة الرئاسية في سرعة الإنجاز والتطوير لا يتواكب معها وجود مسؤولين لديهم القدرة على تنفيذ ذلك، ومن هنا تحدث المشكلات، كما أن التخفيف عن المواطنين هو مسؤولية الوزراء ومعاوني الرئيس، وفي حال فشلوا في تحقيق ذلك، يجب أن يكونوا محل مراجعة بشأن بقائهم في مناصبهم، سواء كان الأمر يرتبط برئيس الوزراء مصطفى مدبولي أو وزير النقل.
وقد اكتفى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بالدعوة إلى الإسراع في إنهاء أعمال الصيانة، وتطبيق إجراءات كشف تعاطي المخدرات على السائقين، موجهاً بإعفاء أسر الضحايا من المصروفات الدراسية، وصرف معاشات استثنائية، كما كلّف بتسمية شوارع ومبانٍ بأسماء الضحايا، في خطوة اعتبرها البعض رمزية، ولا تُغني عن المحاسبة.