تراجعت معدلات المرور بـ60% منذ طوفان الأقصى.. فرض الجمارك الأميركية تقضي على ما تبقى من آمال لإنعاش قناة السويس

عربي بوست
تم النشر: 2025/04/12 الساعة 20:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/04/12 الساعة 20:25 بتوقيت غرينتش
قناة السويس/ shutterstock

أخذت المخاوف المصرية من الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب أبعاداً مختلفة عن كثير من دول العالم، إذ إن تأثيراتها ستبقى في سياقات مختلفة بالنسبة إلى القاهرة التي تستفيد من انتعاش حركة التجارة العالمية وتتأثر سلباً من ركودها بفعل مرور حركة التجارة عبر قناة السويس.
وتراجعت معدلات مرور السفن بقناة السويس بنسبة 60% منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وهو ما يجعل المخاوف تتعلق بمزيد من الركود العالمي الذي قد يقضي على ما تبقى من آمال لإنعاش حركة الملاحة.

وبحسب خبراء اقتصاديين تحدّثنا معهم في هذا التقرير، فإن فقدان مزيد من عوائد العملة الصعبة سيكون هو السائد خلال الفترة المقبلة نظراً للتراجع المتوقع في حركة التجارة العالمية، وهو ما ستكون له انعكاساته على قناة السويس من جانب، وكذلك على الصادرات المصرية للولايات المتحدة من جانب آخر.

بالإضافة إلى أن الخطط المصرية التي اعتمدت على توطين الصناعات الأجنبية على أراضيها ستواجه أيضاً صعوبات جمّة نتيجة للجمارك الأميركية المرتفعة على دول مثل الصين والهند، وهما لديهما استثمارات على الأراضي المصرية، فيما تبقى هناك فرصة لوجود ميزة تنافسية لصناعة الملابس الجاهزة التي يتم تصديرها للولايات المتحدة في إطار اتفاقية الكويز.

وكانت مصر قد وقّعت اتفاقية "الكويز" (QIZ) أو (Qualifying Industrial Zone) في عام 2004 مع الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي تسمح للمنتجات المصرية بالدخول إلى الأسواق الأميركية دون جمارك أو حصص محددة، شريطة أن يشارك المكوّن الإسرائيلي في هذه المنتجات، وفقاً للنسب والمدخلات المتفق عليها والتي تصل إلى 10.5%.

تسعة مليارات دولار خسائر لقناة السويس

وقال خبير اقتصادي قريب من الحكومة المصرية لـ"عربي بوست" إن المنتج المصري المصدَّر إلى الولايات المتحدة قد لا يشهد تأثراً كبيراً، خاصةً أن اتفاقية الكويز لن تدخل في إطار الجمارك المفروضة، وبالتالي ستكون هناك ميزة للصناعات المصرية التي يشارك فيها مكوّنات إسرائيلية وفقاً للاتفاقية.

وأضاف أن المحاصيل الزراعية والفاكهة لن تتأثر أيضاً لأنها لا يوجد بديل عنها، إذ إن الجمارك طالت غالبية دول العالم تقريباً، وهو ما يضمن استمرارها.

وأشار المصدر ذاته إلى أن القاهرة تطمئن إلى أنه لا توجد دول يمكن أن تملأ فراغ المنتجات الزراعية المصرية، وهو ما يجعل التركيز ينصب على نحو أكبر خلال الفترة المقبلة على مزيد من الزراعات التي تخدم السوق الأميركي، ومن المتوقع أن يتزايد الطلب عليها.

خاصةً أن مصر تأتي في الشريحة الأقل من حيث الرسوم الجمركية، لافتاً إلى أنه في حال فقدت مصر نصف صادراتها إلى الولايات المتحدة، وهو أمر صعب التحقق، فإنها ستكون قد خسرت فقط مليار دولار، مع وصول حجم الصادرات لما يزيد عن 2 مليار دولار، وهو رقم لن يشكّل أزمة بالنسبة إلى الاقتصاد المصري.

وذكر أن المشكلة الأكبر تبقى بالنسبة إلى قناة السويس التي تخسر شهرياً ما يقرب من 800 مليون دولار، أي بقيمة ما قد تخسره القاهرة سنوياً حال تأثر الصادرات، وأن الجهود الحثيثة التي بذلتها هيئة قناة السويس خلال الأشهر الماضية لإقناع شركات الملاحة العالمية بالمرور في القناة ذهبت هباءً بفعل عسكرة منطقة البحر الأحمر، في ظل الضربات التي توجهها الولايات المتحدة للحوثيين في اليمن، ومع نقل ثقلها العسكري إلى تلك المنطقة، إلى جانب تأثر التجارة العالمية سلباً بالإجراءات الأميركية الأخيرة.

وتوقّع أن تصل خسائر قناة السويس سنوياً إلى ما يقرب من 9 مليارات دولار بعد القرارات الأخيرة، وستكون القناة أمام وضعية صعبة، وستكون حركة التجارة بطيئة للغاية، إن لم تكن شبه متوقفة.

مشيراً إلى أن تباطؤ نمو التجارة العالمية سوف يتزايد نتيجة الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، وأن التأثير على مصر سيكون من جهة قناة السويس، إلى جانب تراجع متوقع في الاستثمارات الصينية في مصر، كما أن القاهرة، كسوق ناشئة واعدة، لن تحقق نفس معدلات النمو، لأن ضخ الاستثمارات في الأسواق الناشئة بوجه عام سيأخذ في التراجع مع حالة الاضطراب الحالية.

ويبقى التخوف الأكبر من جهة المصدر ذاته من جهة تراجع قيمة الجنيه، إذ يرى بأن الأجواء الراهنة تشير إلى اشتعال الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، وبالتالي فإن عوائد التصدير سوف تتراجع، وقد يضع ذلك القاهرة أمام أزمة شبيهة بالتي تعرضت لها أثناء اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، مع هروب الأموال الساخنة، وتسبب ذلك في تراجع قيمة الجنيه بنسبة تجاوزت 60% في غضون عام 2023.

وحسب المتحدث، فإنه في حال تقلّص احتياطي مصر من النقد الأجنبي، فإن تكلفة الواردات سترتفع، وستكون أمام ارتفاع آخر متوقع بفعل قرارات الرئيس ترامب التي ستزيد من قيمة السلع والمنتجات، وسيكون من الطبيعي الدخول في موجات تضخم أخرى.

وقبل أيام، وافق الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على فرض رسوم جمركية على 185 دولة بحد أقصى 50% وبحد أدنى 10%، شملت نحو 125 دولة، وطالت الرسوم كلاً من مصر والسعودية والإمارات والمغرب بنسبة 10%، والأردن بنسبة 20%، كما قرر فرض رسوم بنسبة 41% على سوريا، وبنسبة 31% على ليبيا، وعلى العراق بنسبة 39%.

وكان من المفترض أن تدخل تلك الرسوم حيّز التنفيذ السبت 5 أبريل/نيسان، لكنه تراجع عن قراره الأربعاء الماضي، وأوقف، في خطوة مفاجئة، جانباً من هجوم الرسوم الجمركية على الشركاء التجاريين، بعد أن خفض الرسوم على كثير من الدول لمدة 90 يوماً، مبقياً على نسبة 10%، لإتاحة المجال للتفاوض بشأن الحواجز التجارية، بينما رفع الرسوم الجديدة على السلع الصينية إلى 125%.

تخوفات من تعثّر سلاسل الإمداد العالمية


وارتفعت صادرات مصر إلى الولايات المتحدة الأميركية خلال عام 2024 بنسبة 12.8% لتصل إلى 2.25 مليار دولار، مقابل 1.99 مليار دولار خلال عام 2023، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الذي أشار إلى زيادة واردات مصر من الولايات المتحدة بنسبة 46.9% لتسجل 7.56 مليار دولار.

وجاءت الملابس في مقدمة السلع المصدَّرة إلى الولايات المتحدة خلال عام 2024، يليها الحديد والصلب، ثم السجاد والخضر والفاكهة، بينما شملت الواردات الوقود والزيوت المعدنية، يليها الحبوب والنباتات الطبية والعلف، ثم الطائرات وسفن الفضاء، والمراجل والآلات والأجهزة الآلية.

وبلغ إجمالي قيمة الصادرات المصرية من الملابس الجاهزة إلى الولايات المتحدة الأميركية خلال عام 2024 نحو 1.19 مليار دولار، مقابل 1.01 مليار دولار خلال 2023، بنسبة زيادة بلغت 17%، في الوقت الذي تستهدف فيه مصر مضاعفة تلك الصادرات خلال السنوات المقبلة، وفق المجلس التصديري المصري للملابس الجاهزة.

وقال مصدر مطلع في شعبة المصدرين في مصر، إن المنتجات المصرية ستكون أمام ميزة تنافسية لأن المنتج المصري في الأغلب يكون الأقل سعراً نتيجة لانخفاض أجور الأيدي العاملة، وكذلك تكاليف الصناعة بوجه عام، وإن المستوردين الأميركيين هم من سيتحمّلون عبء الرسوم الجديدة.

ومثلما يشكل الوضع الراهن هاجساً لتراجع ضخ الاستثمارات الصينية في صناعات مختلفة نتيجة التراجع المتوقع في معدلات التصدير للولايات المتحدة، فإنه من الوارد أيضاً أن يدفع باتجاه مزيد من رؤوس الأموال في السوق المصري والاستفادة من الميزة التي يحققها انخفاض تكلفة التصدير، أسوة بأسواق أخرى.

ولفت إلى أن المنطقة الاقتصادية المصرية في قناة السويس تشهد تنامياً سريعاً في الاستثمارات الصينية، بخاصة مع استقرار سعر الصرف منذ العام الماضي، وبالتالي فإن ذلك يدعم استمرار توافد رؤوس الأموال الصينية التي من المتوقع أن تركز على أسواق أخرى بخلاف الولايات المتحدة لتعويض خسائرها التجارية جراء الجمارك التي فرضها الرئيس دونالد ترامب.

كما أن هناك ميزة أمام الشركات المصرية للاستفادة من الخبرات الصينية من جانب، وكذلك التركيز على الدول التي ستكون بحاجة للانفتاح على أسواق جديدة وتعويض خسائرها التجارية عبر استيراد سلع منخفضة التكاليف.

وأشار المصدر إلى أن القرارات الأميركية الأخيرة تمنح مصر فرصة لتوسيع دائرة صادراتها، شريطة إنهاء التعقيدات الروتينية المرتبطة بإقامة المصانع المحلية، ومنح مزيد من المميزات التي تشجّع على التصدير للخارج، وأن المنافسة الآن يمكن القول إنها أضحت أسهل مع ارتفاع معدلات الرسوم الجمركية.

لكن يبقى الخوف من تعثر سلاسل الإمداد العالمية، والتي قد تؤدي إلى مشكلات في الاستيراد والتصدير، إذ إن الهدف الأميركي بالأساس يتعلق بإلحاق أكبر الأضرار بغريمتها الصين، وأن الركود الاقتصادي ستكون نتائجه سلبية على الجميع، بما فيها مصر التي تحاول البحث عن مصادر أخرى للعملة الصعبة بدلاً من خسائر عوائد قناة السويس.

ركود تضخمي

وعلق هاني توفيق، الخبير الاقتصادي، على حرب الرسوم الجمركية التي شنّها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أغلب دول العالم، وتبعاتها على مصر على مستوى قناة السويس والبورصة المصرية.

وأوضح توفيق في منشور له على صفحته على "فيسبوك"، "في مأزق الاقتصاد الأميركي، زيادة جمارك ترامب معناها تضخم لارتفاع سعر السلع المستوردة، وبطالة وركود لانخفاض كل من الاستيراد والتصدير بسبب الرسوم المضادة"، وأوضح: "هذا معناه ركود تضخمي، وهو أسوأ أنواع التضخم، والذي لا يواجه بالسياسة النقدية وحدها، بل بسياسات موازية مالية وتجارية طويلة الأجل".

وبحسب دراسة للمركز المصري للدراسات الاقتصادية، فإن العلاقات التجارية بين القاهرة وواشنطن وبكين تشكّل أهمية محورية، وفيما ساهمت الولايات المتحدة كثيراً في إنعاش قطاعات التكنولوجيا والزراعة، ظلت الصين أكبر شريك تجاري لمصر، على مدار عقد كامل.
ورصد التقرير تراجع النفوذ الاقتصادي الأميركي في مصر، مع انخفاض حصة الولايات المتحدة من الواردات المصرية إلى 1.2 مليار دولار في عام 2023، في إطار تحول علاقات واشنطن مع القاهرة نحو التعاون الأمني الذي يفتقر إلى الروابط الثقافية والسياسية الأعمق التي تتمتع بها الصين مع مصر.

وبحسب خبير اقتصادي، فإن الأزمة ليست في القرارات التي أصدرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب أخيراً، لأنها وضعت القاهرة ضمن الفئة الأقل، وقد يكون ذلك مرتبطاً بوعود يمكن أن تكون قد تلقتها الولايات المتحدة من مصر بالانسحاب من دول مجموعة "بريكس" في إطار سعي الولايات المتحدة لرفض ظهور عملة موحدة منافسة للدولار.
وحسب المتحدث، فإنه في حال استمرت مصر من بين دول المجموعة، فإنه من المتوقع أن يتم فرض عليها جمارك مضاعفة مثل باقي دول المجموعة، وبالتالي فإن الانسحاب أيضاً قد يشكل ضرراً على التعاون التجاري بين مصر والصين.

وذكر المصدر ذاته أن مصر تبقى في صلب حرب الرسوم الجمركية التي يشنها الرئيس الأميركي بفعل قناة السويس التي تشكّل نقطة عبور رئيسية في مبادرة الحزام والطريق الصينية، وبالتالي فإن القاهرة ستواجه مزيداً من الضغوطات الأميركية خلال الفترة المقبلة. والأمر لن يقتصر كما هو الآن على تعريفات جمركية بسيطة، بل سيشمل أيضاً مشاريع أخرى تستهدف السيطرة على طرق التجارة العالمية في ظل مساعي إنعاش اقتصادات العديد من الدول التي تتأثر بالصراعات الدائرة في منطقة الشرق الأوسط.

تحميل المزيد