تتصاعد الأزمة في الصومال في ظل تفاهم مقديشو مع مصر بخصوص ترتيبات عسكرية أبرمت بين الطرفين في الأسابيع الماضية، لكن في المقابل ترفض إثيوبيا أي تحرك مصري داخل البلد المجاور لها، ومن ثم أقدمت أديس أبابا على الدخول للأراضي الصومالية والسيطرة على ثلاثة مطارات هامة وهي لوق ودولو وبارديري.
هذه الخطوة رآها البعض أنها "رسالة" للجانب المصري من طرف إثيوبيا التي ترفض أي وجود مصري في الصومال، ومن أجل السيطرة على إقليم جوبالاند ومنع وصول قوات مصرية مترقبة إليه في يناير/ كانون الثاني 2025، ضمن قوات رسمية تابعة للاتحاد الأفريقي لمواجهة الجماعات المسلحة هناك.
في هذا التقرير نتتبع جذور الصراع الصومالي الإثيوبي، ودور جيبوتي في الدخول بين الطرفين، وماذا تفعل مصر في البلد الأفريقي الفقير؟
آخر ما حدث
أقدمت إثيوبيا يوم الجمعة 13 سبتمبر/ أيلول 2024، على الدخول إلى الأراضي الصومالية بمئات العناصر من قواتها العسكرية وقامت بالسيطرة على ثلاثة مطارات رئيسية في منطقة جيدو الصومالية، التابعة لإقليم جوبالاند الحدودي مع إثيوبيا، بما في ذلك مطارات لوق ودولو وبارديري، في محاولة لمنع النقل الجوي المحتمل للقوات المصرية إلى المنطقة التابعة للاتحاد الأفريقي، والتي من المقرر أن تحل محل القوات الإثيوبية التي تدير عشرات القواعد في ولايات جنوب غرب البلاد وجوبالاند وهيرشبيلي.
منطقة جيدو هي منطقة حدودية بجوار إثيوبيا يوجد فيها تمركز لعناصر من حركة الشباب المسلحة وأيضًا يوجد فيها تمركز لقوات عسكرية تتبع حكم محليًا في المنطقة بعيدًا عن الحكم المركزي في الصومال.
ماذا يحدث في إقليم جوبالاند؟
بطبيعة الحال، ولخلاف السلطات المحلية في جوبالاند مع الحكومة المركزية في الصومال، خرجت هذه السلطات المحلية في جيدو التابعة لولاية جوبالاند وعبرت عن معارضتها الشديدة لخطط الاتحاد الأفريقي لنشر قوات مصرية كجزء من بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة لتحقيق الاستقرار في الصومال (AU SS OM) المقرر أن تبدأ في يناير/ كانون الثاني 2025.
وتعهدت السلطات الإقليمية في ولاية جوبالاند بمقاومة أي محاولات لجلب القوات المصرية إلى المنطقة. وهذا التأكيدات والتصريحات، أكدها العقيد علي أبشير وهو أحد عناصر الجيش المسلح في منطقة جيدو أن أي محاولة لنشر قوات مصرية ستُقابل بالمقاومة، وذلك في مقطع فيديو نشره نشطاء صوماليون على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأضاف العقيد أبشير: "سنقاتل أي شخص يحاول القيام بذلك، أو جلب قوات مصرية، بنفس الطريقة التي قاتلنا بها ضد جماعة الشباب الإرهابية". وانتقد مصر بسبب افتقارها للدعم خلال أزمات الصومال، مشيرا إلى أن اهتمام مصر بالصومال لم يظهر إلا بعد تصاعد التوترات مع إثيوبيا بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير.
وأضاف: "لن نسمح لأحد أن يستخدمنا كوكيل لخلق الصراع وتهديد أمن جيراننا. إثيوبيا جارتنا وستظل كذلك"، مؤكدا على العلاقات القوية بين الصومال وإثيوبيا، وخاصة في مكافحة حركة الشباب.
لماذا ذهبت إثيوبيا إلى إقليم جوبالاند واستولت على المطارات الصومالية؟
إقليم جوبالاند يعرف في الصومال باسم جمهورية جوبا لاند، وهو ولاية صومالية تقع في منطقة القرن الإفريقي في شرق إفريقيا وتقع بالقرب من الحدود الإثيوبية وكذلك الحدود الكينية، وقد حاول هذا الإقليم الاستقلال عن الصومال طيلة السنوات الماضية. وفي عام 2021، أعلنت قوات الأمن في الإقليم أنها لا ترحب بالتعاون مع الحكومة الفيدرالية في الصومال، وقالت وقتها إنها ترفض مشاركة الرئيس الصومالي في تلك الفترة محمد عبد الله محمد في المحادثات الهادفة إلى الخروج من الطريق المسدود الذي وصل إليه انتخاب رئيس جديد.
وكان قادة الولايتين الاتحاديتين، بلاد بنط وجوبالاند، قد أعلنوا في وقت سابق أنهم لم يعودوا يعترفون بالرئيس محمد عبد الله الذي انتهت فترة ولايته في الثامن من فبراير شباط.
ونتيجة لتراجع الوجود العسكري للدولة الأم في المدينتين، ساهم في تزايد نفوذ حركة الشباب المسلحة وتوسيع مناطق انتشارها، ما وفر لها مصادر دخل اقتصادية جديدة ودفعها إلى مزيد من الإرهاب. وكذلك الوجود الإثيوبي في الإقليم الذي كان يتذرع بدخول الإقليم بقواته المسلحة من أجل تتبع قوات حركة الشباب المسلحة، وكذلك الجانب الكيني الذي كان يستهدف أهدافا في إقليم جوبالاند طيلة الوقت بزعم استهدافه حركة الشباب المسلحة.
وإقليم جوبا الوسطى أحد أقاليم ولاية جوبالاند هو الوحيد الذي تسيطر عليه حركة الشباب بالكامل، فهو أكثر إقليم يضم غابات تتحصن فيها قيادات الحركة كملاذ آمن من غارات المسيّرات.
ويأتي إقليم جوبا السفلى في جوبالاند بالمرتبة الثانية من حيث انتشار مسلحي الحركة، التي تسيطر على نحو 60 بالمئة منه، أي 3 مدن من أصل 5 يتكوّن منها الإقليم، بحسب رصد مراسل الأناضول لبيانات رسمية منذ بدء العملية العسكرية.
فيما يحتل إقليم هيران بولاية هيرشبيلى المرتبة الثالثة من حيث انتشار عناصر الحركة، فقبل العملية العسكرية الحكومية كانت تسيطر على نحو 55 بالمئة منه، أي 5 مدن من أصل 9.
أحداث سابقة شهدها الإقليم، تكشف طبيعة الصراع هناك:
في عام 2020، أرسلت الحكومة الفيدرالية الصومالية قوات إلى مطار مدينة "دولو" في إقليم غدو التابع لجوبالاند لتعزيز القوات الحكومية في الإقليم المتاخم للحدود الكينية التي كانت تحاول دخول إقليم جوبالاند لاستهداف المسلحين الصوماليين.
كذلك في عام 2021 أشارت التقارير من إقليم غدو في ولاية جوبالاند بجنوب الصومال إلى أن طائرات حربية كينية قامت بقصف مناطق في الإقليم المتاخم للحدود الكينية.
في العام نفسه شنت طائرات حربية كينية غارات عنيفة على مناطق في إقليم غدو بولاية جوبا لاند جنوبي الصومال، وتقوم القوات الكينية دائما بتنفيذ غارات جوية في إقليم غدو التابع لجوبالاند المتاخم لحدودها ما يؤدي إلى خسائر بشرية ومادية إلا أنها تجادل دائما بأنها تستهدف قواعد حركة الشباب في الإقليم.
السيطرة على مطار دولو للمرة الأولى في عام 2022
أما في عام 2022، فكان دخول للقوات الإثيوبية إلى منطقة دولو في إقليم غدو الصومالي المحاذي لإثيوبيا وقالت التقارير أن القوات الإثيوبية تمركزت في مطار دولو وفي عدة مواقع بالبلدة وانتقلت إلى مدينة "بلدحاوه".
وجاء دخول القوات الإثيوبية بعد أسبوعين من المعارك الضارية التي دارت بين شرطة "ليو" التابعة للمنطقة الصومالية في إثيوبيا وبين مقاتلي حركة الشباب في جانبي الحد الفاصل بين الصومال وإثيوبيا.
الاستعانة بالقوات الإثيوبية بشكل رسمي من جانب الصومال:
كانت بداية الأزمة الحقيقية داخل الصومال هي لجوء مقديشيو للاستعانة بالقوات الإثيوبية لدعمها في استعادة إقليم جوبالاند من تحت سيطرة حركة الشباب المسلحة، ولذلك في عام 2023 وصلت أعداد كبيرة من القوات الإثيوبية غير التابعة لبعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال "أتميص" إلى مدينة "دلولو" في إقليم غدو بولاية جوبالاند في جنوب الصومال.
وسبق القوات، رئيس العمليات في جيش الحكومة الإثيوبية، الجنرال تاسفاي أيالو، والقائد العام للقوات الخاصة التابعة للحكومة الإقليمية الصومالية في إثيوبيا وضباط آخرون.
وقد تم استقبال هؤلاء الضباط في مطار دولو في إقليم غدو من قبل ضباط الجيش الصومالي ورئيس إدارة المدينة، محمد حسين عبدي وقطاعات مختلفة من المجتمع. وكان يهدف وصول الضباط والقوات الإثيوبية إلى إقليم غدو إلى التعاون مع الجانب الصومالي في أمن الحدود والقضاء على حركة الشباب. وأشارت التقارير الواردة إلى أن القوات الإثيوبية اتخذت من مدينة "بارديري" في إقليم غدو قاعدة لها للمشاركة في تحرير ما تبقى من مدن الإقليم تحت سيطرة مقاتلي حركة الشباب ومن مناطق ولاية جوبالاند بشكل عام.
تصاعد الأزمة
في سبتمبر/ أيلول 2023، فقد أشارت التقارير الواردة من بلدة "دولو" الحدودية في إقليم غدو بولاية جوبالاند إلى وقوع اشتباكات يوم الثلاثاء بين الشرطة الصومالية والجيش الإثيوبي. وأضافت التقارير أن الاشتباكات وقعت بعد أن طلبت القوات الإثيوبية من الشرطة إخلاء نقاط تفتيش لها قريبة من جسر البلدة، الأمر الذي رفضته الشرطة.
ولم يكشف عن وقوع إصابات جراء الاشتباكات التي تزامنت مع توتر آخر تشهده "دولو" بعد رفض العقيد بري هيرالي، وزير الدفاع الصومالي السابق، أمرا من القوات الإثيوبية له بمغادرة البلدة. وأوضح هيرالي أنه لن يرضخ للتهديدات الإثيوبية وذكر أنه سيدافع عن نفسه إذا هاجمته القوات الإثيوبية، مشيرا إلى أنه في بلدته وفي منزله ولا يوجد سبب يحمله على مغادرة "دولو".
لماذا تفجرت الأزمة في الصومال بهذا الشكل؟
تفجرت الأزمة بين إثيوبيا والصومال بعد إعلان السفير الصومالي بالقاهرة علي عبدي أواري، قبل أيام، عن بدء وصول معدات ووفود عسكرية مصرية إلى العاصمة مقديشو.
قامت مصر بإرسال طائرتين من نوع سي 130 محملتين بمعدات عسكرية إلى الصومال، في ضوء اضطلاع القاهرة بمهمة إعادة تدريب وتنظيم الجيش الصومالي لرفع كفاءته ليواجه الإرهاب وحركات الانفصال.
وهي المعلومات التي نشرتها صحيفة "الصومال الجديد"، يوم الثلاثاء 24 أغسطس/آب 2024، حيث قالت: "وصلت طائرتان عسكريتان مصريتان، الثلاثاء، إلى مطار آدم عدي الدولي في العاصمة الصومالية مقديشو، كان على متنهما معدات عسكرية وضباط ضمن إعادة تنظيم استراتيجي أوسع نطاقاً في منطقة القرن الأفريقي، حيث يسعى الصومال إلى تعزيز قدراته العسكرية من خلال الشراكات الدولية".
وبالبحث حول نوع الطائرات التي نقلت الجنود والمعدات العسكرية إلى الصومال، وجدنا أنها من نوع: Lockheed C130H، Hercules SU-BEY 1292
C-130 Hercules هي طائرة نقل تكتيكية من الدرجة المتوسطة طورتها شركة لوكهيد الأمريكية (لوكهيد مارتن الآن) .تُعتبر واحدة من أنجح طائرات النقل في تاريخ الطيران. تم إنتاج أكثر من 2500 طائرة [ 1 ] من طراز C-130 Hercules لأكثر من 50 دولة حول العالم، وقد تراكمت لدى هذه الطائرات أكثر من 22 مليون ساعة طيران.
الأسلحة جاءت في ضوء بروتوكول التعاون الأمني الذي وقعته مصر والصومال أخيرا، حيث تهدف القاهرة إلى أن تساعد الصومال في حفظ أمن مضيق باب المندب على البحر الأحمر والذي يعد أحد عوامل أمن قناة السويس المصرية، وفقا لما قال.
سبب إرسال القوات المصرية إلى الصومال:
تقاربت كل من مصر والصومال في عام 2024، بعد أن وقّعت إثيوبيا اتفاقاً أولياً مع منطقة أرض الصومال الانفصالية تحصل بموجبه أديس أبابا على حق انتفاع بأراضٍ ساحلية في ميناء بربرة مقابل الاعتراف المحتمل باستقلالها عن الصومال، ووصفت حكومة مقديشو الاتفاق بأنه اعتداء على سيادتها وقالت إنها ستعرقله بكل الوسائل الضرورية.
وكانت الصومال هددت في وقت سابق بطرد ما يصل إلى 10 آلاف جندي إثيوبي، موجودين هناك كجزء من مهمة حفظ السلام وبموجب اتفاقيات ثنائية لمحاربة متشددي حركة الشباب، إذا لم يتم إلغاء الصفقة بين إثيوبيا وأرض الصومال، والتي عمّقت الخلاف بين الدولتين منذ مطلع هذا العام.
وتصر مقديشو على أن أرض الصومال، التي لم تحصل على اعتراف دولي رغم تمتعها بالحكم الذاتي العملي لأكثر من 30 عاماً، جزء من الصومال.
إذ تضمنت توقيع الحكومة الإثيوبية اتفاقاً مبدئياً مع إقليم "أرض الصومال" حصول أديس أبابا على مَنفذ بحري يتضمن ميناءً تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ "أرض الصومال" دولةً مستقلةً. وعدّت القاهرة حينها الاتفاق "مخالفاً للقانون الدولي، واعتداء على السيادة الصومالية".
مصر ترفض اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال
سارعت مصر إلى رفض الاتفاقية، وطالبت أديس أبابا بالامتناع عن الانخراط في إجراءات أحادية تزيد من حدّة التوتر، وتعرّض مصالح دول المنطقة وأمنها القومي للمخاطر والتهديدات.
وأكدت الخارجية المصرية -في بيان لها – معارضتها "أي إجراءات من شأنها الافتئات على السيادة الصومالية"، مشددة على "ضرورة الاحترام الكامل لوحدة وسيادة جمهورية الصومال الفدرالية على كامل أراضيها".
واعتبرت مصر أن تزايد ما سمته بـ "التحركات والإجراءات والتصريحات الرسمية، الصادرة عن دول في المنطقة وخارجها"، تقوض من عوامل الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي، وتزيد من حدّة التوترات بين دولها.
تستند مصر في رفضها للاتفاقية إلى أنها تخالف أهداف القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، ومنها "الدفاع عن سيادة الدول الأعضاء ووحدة أراضيها واستقلالها"، ومبادئ الاتحاد التي تنص على "ضرورة احترام الحدود القائمة عند نيل الاستقلال، وعدم تدخل أي دولة عضو في الشؤون الداخلية لدولة أخرى".
لماذا تتحرك إثيوبيا نحو البحر الأحمر؟
نشر موقع niloticpost الإثيوبي، في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أمام جمع من الوزراء وقيادات برلمانية وحزبية رفيعة المستوى وهو يتحدث عن البحر الأحمر بالنسبة لإثيوبيا بالقول إنه مسألة "حياة أو موت" وأنه حان الوقت لمناقشة الموضوع علنا دون مواربة.
وكشف آبي أحمد النقاب عن استعداده لإثارة مطالب إثيوبيا الحصول على منفذ بحري سيادي على البحر الأحمر في المحافل الدولية وقال "شخصياً مستعد لإثارة الموضوع في المحافل الدولية لأن مسألة الحصول على منفذ بحري بالنسبة لإثيوبيا ليس ترفا، مضيفاً أن البحر الأحمر ونهر النيل هما ثنائيان يتوقف عليهما مصير إثيوبيا وجهودها التنموية.
كان حزب الازدهار الحاكم في إثيوبيا أعلن مبكراً رغبة أديس أبابا استعادة نفوذها في منطقة البحر الأحمر، وقال بيان صادر عن اللجنة التنفيذية للحزب في مايو 2021 "نعمل بجد لاستعادة نفوذنا على البحر الأحمر عبر تأسيس علاقاتنا مع إرتريا على المصالح المتبادلة"
ومنذ ذلك الحين ظلت مسألة البحر الأحمر تتردد بين الأوساط السياسية والإعلامية بين حين وآخر، وسادت توقعات بتوصل أديس أبابا وأسمرا إلى صيغة توافقية لاستفادة إثيوبيا من ميناء عصب مقابل حصول إرتريا على مصالح اقتصادية في إثيوبيا.
وفي فبراير 2022 قال آبي أحمد رداً على سؤال من أحد أعضاء البرلمان الإثيوبي حول رفض عضوية إثيوبيا في منتدى الدول المطلة على البحر الأحمر "إن أمن منطقة البحر الأحمر لا يتحقق دون مشاركة إثيوبيا التي تشكل جزءاً أساسياً من هذه المنطقة الحيوية على مستوى العالم".
وازدادت وتيرة الاهتمام الرسمي والشعبي بقضية البحر الأحمر بعد توقيع اتفاقية بريتوريا التي أنهت الحرب بين حكومة آبي أحمد والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي.
خسائر إثيوبيا
تقول الحكومة الإثيوبية إن إثيوبيا تخسر يومياً قرابة 150 مليون دولار شهرياً بسبب حرمانها من منفذ بحري سيادي على البحر الأحمر الذي كانت تسيطر عليه إثيوبيا حتى استقلال إرتريا عام 1994.
وخسرت إثيوبيا ميناء عصب عندما سقط النظام الشيوعي الحاكم في أديس أبابا وسيطرت الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا على سواحل البحر الأحمر 1991م، ثم استقلال إرتريا عن إثيوبيا في 1991م باتفاق بين جبهة إرتريا وجبهة تيغراي.
الاستثمار في الصومال
وفي 20 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عاود آبي أحمد الحديث عن نفس الملف، وقال آبي أحمد إن الصين تستثمر في جيبوتي والإمارات في أرض الصومال وتركيا في مقديشو، فما الذي يمنع إثيوبيا من الاستثمار في إحدى موانئ الدول المجاورة.
واستعرض آبي أحمد خيار المقايضة بين حصول إثيوبيا على موطئ قدم سيادي على البحر الأحمر مقابل منح إثيوبيا حصة معتبرة في سد النهضة الذي ينتج طاقة كهربائية تكفي لدول الجوار أو في الخطوط الجوية الإثيوبية الرائدة دوليًا أو في شركة الاتصالات الإثيوبية التي تمتلك قرابة ٧٠ مليون مشترك.
كما أن خيار تبادل الأراضي بين الدول والمعمول به في القانون الدولي مطروح، حيث يمكن أن تمنح إثيوبيا إريتريا أراضٍ زراعية خصبة لحل مشكلتها الغذائية مقابل استعادة إثيوبيا السيادة على ميناء عصب.
واستراتيجيًا ترى إثيوبيا أنها مع الزيادة السكانية والتقدم الاقتصادي لا يمكن أن تتحمل تبعات كونها دولة حبيسة، وأن عدم حصولها على منفذ بحري على البحر الأحمر الذي تعتبره مجالها الحيوي يعرض أمنها الاستراتيجي للخطر.
ميناء عصب، كان الميناء المُقترح
وحول الموانئ التي ترى إثيوبيا إمكانية الاستفادة منها في إطار التعاون والتكامل مع الجوار، قال آبي أحمد إن إثيوبيا لا تشترط ميناءً بعينه، وإنما كل ما تطلبه هو الحصول على منفذ تؤمن من خلاله مصالحها الاقتصادية وتحفظ أمنها القومي.
وفي هذا الصدد قال آبي: "نحن لا نشترط أن يكون ذلك ميناء عبر عصب، أو غيره، كل ما نريده هو منفذ بحري سواء بالإبحار أو الشراء أو التبادل".
واتجهت أنظار المراقبين إلى ميناء عصب الذي يعتبره عموم الإثيوبيين أن بلادهم حرمت منه دون شرعية، حيث يعتبر تاريخيًا المنفذ الرئيسي لإثيوبيا على البحر الأحمر. وتوقفت إثيوبيا عن استخدام ميناء عصب على خلفية الخلاف بين أسمرا وأديس أبابا نهاية تسعينيات القرن الماضي، واندلاع حرب دامية بين البلدين وبقاء العلاقات بينهما متوترة حتى وصول آبي أحمد إلى السلطة وإنهاء حالة الحرب مع إريتريا في 2018.
وتبلغ المسافة بين ميناء عصب وأديس أبابا 624 كلم فقط، بينما تصل المسافة بين ميناء جيبوتي وأديس أبابا 900 كلم، وهو ما يتسبب في ارتفاع مطرد في تكلفة الاستيراد في بلدٍ يبلغ عدد سكانه 120 مليون نسمة.
كيف تتاجر إثيوبيا كدولة حبيسة مع بقية العالم؟
حاليًا، 95٪ من التجارة الدولية لإثيوبيا تتم عبر ميناء جيبوتي. وقامت الصين ببناء خط السكة الحديد الكهربائي بين جيبوتي وأديس أبابا، لتحسين هذا الممر الحيوي الذي يعتبر شريان الحياة لإثيوبيا لبقية العالم. كما يوجد خط دولي يربط ميناء جيبوتي بالعمق الإثيوبي.
بسبب هذا الوضع، لجأت أديس أبابا في السنوات الأخيرة إلى تبني سياسة تنويع الموانئ، بدل الاعتماد على ميناء جيبوتي فقط. وتمثل موانئ الدول المجاورة مثل ميناء لامو على المحيط الهندي في كينيا لخدمة جنوب إثيوبيا، وميناء بربرة في أرض الصومال لخدمة مناطق شرق البلاد، وميناء بورتسودان لخدمة مناطق شمال إثيوبيا بدائل يمكن الاستفادة منها.
ومع وجود هذه الخيارات نظريًا، إلا أن تفعيلها عمليًا وجدواها الاقتصادية ما زالت محل دراسة نظرًا لبُعد هذه الموانئ عن وسط البلاد. وتبقى موانئ إريتريا، وخاصة ميناء عصب، المنفذ الطبيعي والأقرب إلى العمق الإثيوبي والمناسب جغرافياً، والأقرب إليها تاريخياً واجتماعياً وسياسياً.
لماذا شعرت جيبوتي بالقلق من اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال؟
كانت جيبوتي من الدول التي شعرت بالقلق من اتفاق إثيوبيا مع أرض الصومال، خاصة أنها تحصل من إثيوبيا نحو 1.5 مليار دولار سنويا لاستخدام موانئها، وذلك فإن فقدان هذا الدخل قد يؤدي إلى عدم استقرار البلد الذي يواجه أزمات كبيرة.
ولذلك كانت جيبوتي هي المنفذ البديل للسوق الإثيوبي الضخم بعد حرب 1998-2000 التي أدت إلى قطيعة كاملة بين إثيوبيا وإريتريا، حيث تحول ميناء جيبوتي إلى معبر لـ95% من الواردات والصادرات الإثيوبية، وقدرت أرباح جيبوتي من هذا التعاون بمليار دولار سنويًا.
ومع تحول جيبوتي إلى رئة إثيوبيا البحرية، شهدت العلاقات بين البلدين توثقًا مطردًا، إذ تم ربط ميناء دوراليه الجيبوتي بأديس أبابا من خلال خط السكة الحديد البالغ طوله 756 كيلومترًا والذي يعمل بالكهرباء.
كما يوفر مشروع الربط الكهربائي بين البلدين 80% من حاجة جيبوتي من الكهرباء، وتم الإعلان عام 2019 عن توقيع اتفاقية في العاصمة الإثيوبية لمد خط أنابيب لتصدير الغاز الطبيعي بتكلفة 4 مليارات دولار.
ولمواجهة معاناة جيبوتي من توفير المياه العذبة للشرب والزراعة نتيجة البيئة الصحراوية القاحلة، تم عام 2017 إطلاق مشروع بهدف ضخ 100 ألف متر مكعب من المياه يوميًا من الإقليم الصومالي في إثيوبيا إلى إقليم علي صبيح الجيبوتي، حيث تقدر كمية الضخ اليومي الآن بـ20 ألف متر مكعب، لذلك حاولت جيبوتي التدخل في الأزمة بين إثيوبيا والصومال ومصر من خلال عرض قدمته الحكومة الإثيوبية.
عرض جيبوتي لحل الأزمة:
عرضت جيبوتي على لسان وزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف، أن بلادها مستعدة لتوفير إمكانية الوصول إلى ميناء تاجورة لإثيوبيا. وقد اقترح الوزير منح إثيوبيا الإدارة الكاملة لميناء تاجورة، الواقع على بعد 100 كيلومتر من الحدود الإثيوبية.
وقال الوزير الجيبوتي: "سنوفر لهم الوصول إلى ميناء تاجورة، على بعد 100 كيلومتر من الحدود مع إثيوبيا". وأشار إلى أن العرض يهدف لمنح إثيوبيا ممرًا تجاريًا جديدًا يهدف إلى تسهيل التجارة وتعزيز التعاون بين البلدين.
يبقى الإشارة إلى أن إثيوبيا تريد أن تسيطر بشكل كبير على إقليم جوبالاند في القرب من حدودها، لتمنع تدفق قوات الجيش المصري إلى الإقليم والذي من المرتقب أن يصل إليه في يناير/كانون الثاني 2025.