أزمة دبلوماسية بين حكومة الوحدة الليبية والقاهرة.. تفاصيل توتر العلاقات بين الطرفين وعلاقة ذلك بإعادة إعمار ليبيا

عربي بوست
تم النشر: 2024/08/16 الساعة 06:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/08/16 الساعة 11:48 بتوقيت غرينتش
الدبيبة ومدبولي وأسامة حماد-عربي بوست

أزمة دبلوماسية جديدة، ظهرت على الساحة بين حكومة الوحدة الليبية، بقيادة عبد الحميد الدبيبة، وبين القاهرة، وذلك بعد لجوء حكومة الغرب في ليبيا إلى مطالبتها لاثنين من الدبلوماسيين المصريين، في ليبيا، "بمغادرة الأراضي الليبية فورًا" وأمهلتهما 72 ساعة فقط لتنفيذ القرار، ولم تعلّق السلطات المصرية على هذه الخطوة، كما لم يصدر بيان رسمي يوضح حقيقته.

هذا التصعيد جاء بعد لقاء بين رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، ورئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، أسامة حماد، وهي الحكومة الموجودة في طبرق، شرق ليبيا حيث تخضع المنطقة لسلطات خليفة حفتر الجنرال الليبي المتقاعد، وهي حكومة تقول عنها حكومة الوحدة في الغرب، إنها حكومة غير شرعية.

السفارة المصرية في طرابلس-عربي بوست

لقاء يثير أزمة

لقاء مدبولي وأسامة حماد، تناول ملف إعادة إعمار ليبيا، حيث نقل البيان عن مدبولي تأكيده "الدعم الكامل للشعب الليبي الشقيق، وحرص مصر على دعم وتعزيز سبل التعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين في جميع المجالات"، مشيرًا إلى "الدور الكبير الذي تقوم به الشركات المصرية في أعمال إعادة إعمار ليبيا".

حماد أثنى على "الدعم المصري الدائم للشعب الليبي، وهو ما شهدناه أخيرًا في ظل توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بتقديم كل أوجه الدعم والمساعدة اللازمة للشعب الليبي الشقيق، لتخفيف آثار وتداعيات العاصفة دانيال، التي شهدتها البلاد العام الماضي"، وبحث مع مدبولي سبل تعزيز التعاون المشترك بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات، وإسهام الشركات المصرية في جهود إعادة إعمار ليبيا.

اللقاء أثار الغضب لدى حكومة الدبيبة، والتي أصدرت بيانًا أعربت فيه على لسان وزارة خارجيتها، عن "رفضها واستيائها" لاستقبال الحكومة المصرية بشكل رسمي لما عدّته "أجسامًا موازية لا تحظى بأي اعتراف دولي"، في إشارة إلى رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حمّاد.

وقالت وزارة الخارجية بحكومة "الوحدة" في بيان، إنه "رغم أن هذه الخطوة ليست ذات أي أثر واقعي، فإنها تُعدّ خروجًا عن وحدة الموقف الدولي الرافض لعودة البلاد إلى حالة الانقسام والاحتراب"، ورأت أنها "تتنافى بوضوح مع الدور المصري والعربي والإقليمي المنتظر في دعم وحدة ليبيا واستقرارها، وتحصينها من محاولات التشويش والتقسيم".

وقالت حكومة "الوحدة"، إنها "منذ بداية عملها سعت جاهدةً إلى تجاوز حالة الاستقطاب الدولي، والتعامل بتوازن مع جميع الدول ذات الصلة بالملف الليبي، وخصوصًا مع جمهورية مصر العربية". ونوّهت بأنها "أحرزت تقدمًا إيجابيًا في هذا الملف، وهو إنجاز يعتزّ به الشعب الليبي، الذي لن يقبل بالعودة مرة أخرى إلى زمن الحكومات الموازية، والمحاور الإقليمية والدولية، التي أدّت بليبيا إلى أن كانت ساحة خلفية لمعارك وحروب ذات بُعد دولي وإقليمي".

وانتهت خارجية الدبيبة محذّرة "بشدة من أن مثل هذه الإجراءات الأحادية لا تخدم إلا العودة إلى التوتر والاستقطاب والاحتراب المحلي الإقليمي"، مُحمّلة "الحكومة المصرية المسؤولية الأخلاقية والسياسية المحلية الإقليمية والدولية" حيال ذلك.

برلمان طبرق يرد على حكومة الدبيبة

في المقابل استنكر عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، الموجود في طبرق، ما وصفه بـ"التصرفات غير المسؤولة" من الحكومة (منتهية الولاية).

وقال صالح في بيان، الاثنين، 12 أغسطس/ آب 2024، إن ما صدر من "تصرفات وممارسات ضد مصر لا يمثل الليبيين؛ لما تربطهم مع الشعب المصري من علاقات تاريخية وطيدة، لن يعكر صفوها أي محاولات أو خلافات". ولم ترد وزارة الخارجية المصرية على هذا البيان حتى نشر هذا التقرير.

وكانت صفحة رئاسة مجلس الوزراء المصري على "فيسبوك" نشرت بيانًا، الأحد، جاء فيه: "رئيس الوزراء يستقبلُ نظيره الليبي بمقر الحكومة في العلمين الجديدة"، وهو الأمر الذي فُسر على اعتراف بحكومة الشرق في ليبيا حكومة شرعية في البلاد.

وبحسب البيان، فقد أكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي "الدعم الكامل للشعب الليبي الشقيق، وحرص مصر على دعم وتعزيز سبل التعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين في كافة المجالات، منوهًا بالدور الكبير الذي تقوم به الشركات المصرية في أعمال إعادة إعمار ليبيا."

وتناول اللقاء سبل تعزيز التعاون بين البلدين في شتى المجالات، ومساهمة الشركات المصرية في جهود إعادة إعمار ليبيا.

جدير بالذكر أن مصر لها علاقات أيضًا مع حكومة طرابلس برئاسة الدبيبة، وسبق أن وقّعتا 13 اتفاقية مشتركة في سبتمبر (أيلول) 2021، تتعلق بمجالات المواصلات، والكهرباء، والبترول، بالإضافة إلى البنية التحتية، والشباب والرياضة، والتأمينات الاجتماعية.

واستقبل مدبولي في 14 يوليو/ تموز 2024، للمرة الثانية الدبيبة، الذي كان يزور القاهرة للمشاركة في "المؤتمر الاستعراضي الإقليمي الثاني للاتفاق العالمي للهجرة" بجامعة الدول العربية.

لقاء حفتر مع مدير المخابرات المصرية

من اللافت، أن لقاء مصطفى مدبولي مع أسامة حماد، سبقه بأيام قليلة لقاء بين مدير المخابرات المصرية عباس كامل مع الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر، في بنغازي شرقي ليبيا.

بيان قوات حفتر قال إن الطرفين ناقشا "التطورات السياسية للأزمة الليبية، مع التأكيد على أهمية بذل كل الجهود للدفع بالعملية السياسية من أجل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية". كما شددا "على دعم المساعي والجهود التي تقوم بها بعثة الأمم المتحدة في ليبيا لتهيئة الظروف المناسبة لتنظيم العملية الانتخابية".

وقال البيان إنّ حفتر "أشاد بالدور الهام للشقيقة مصر في تحقيق التسوية السياسية في ليبيا. وأكد عباس كامل على دعم مصر لكل الخطوات الرامية لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتزامنة وصولاً لمرحلة الاستقرار الدائم، مشيداً بدور القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية في ضبط الأمن وتحقيق الاستقرار بما ينعكس إيجاباً على استقرار المنطقة بشكل عام".

على أثر ذلك، وبعد البيان الرسمي من حكومة الوحدة الليبية، اتخذت حكومة الوحدة كذلك إجراء آخر وهو أنها طلبت من اثنين من مسؤولي السفارة المصرية في طرابلس، "بمغادرة الأراضي الليبية فوراً" وأمهلتهما 72 ساعة فقط لتنفيذ القرار، ولم تعلّق السلطات المصرية على هذه الخطوة، كما لم يصدر بيان رسمي يوضح حقيقته.

الدبلوماسيون في السفارة المصرية بطرابلس هم محمد ممدوح مصطفى الشربيني ومحمد عادل محمد حسني، وهما دبلوماسيان في السفارة المصرية في طرابلس، وقد قالت حكومة الدبيبة إنهما أشخاص غير مرغوب فيهم وعليهم الرحيل من ليبيا خلال 72 ساعة من وقت إبلاغ السفارة المصرية بالقرار.

هذا الإجراء من جانب حكومة الدبيبة، دفع وزارة الخارجية في حكومة أسامة حماد، التابعة لخليفة حفتر، إلى إصدار بيان للتعبير عن استغرابها مما صدر عن حكومة الدبيبة من "بيانات وتصرفات تعكس مدى إصرارها على مخالفة القوانين والقرارات الصادرة عن مجلس النواب، باعتباره الجهة المنتخبة والشرعية في ليبيا".

ودعت الوزارة "جميع الدول الصديقة والشقيقة إلى نقل سفاراتها، وممثلي الهيئات والمؤسسات الدبلوماسية والدولية إلى مدينة بنغازي، والتي تنعم بالأمن والأمان والاستقرار؛ ونظراً للظروف الأمنية غير المستقرة، في العاصمة طرابلس".

هل تتصاعد الأزمة بين مصر وحكومة الوحدة؟

المستشار السابق للمجلس الأعلى للدولة في ليبيا صلاح البكوش، انتقد الموقف المصري من أزمة ليبيا وقال إن لقاء مصطفى مدبولي بأسامة حماد هو مخالف للقانون الدولي وكذلك لقرار الأمم المتحدة الذي صدر في عام 2015 والذي جرم التواصل مع أي حكومة غير شرعية في ليبيا مشيرا إلى أن حكومة أسامة حماد تستمد قوتها من خليفة حفتر وبالتالي فهي أمام القانون الدولي تعتبر حكومة غير شرعية.

السيسي وحفتر-عربي بوست

في تصريحاته مع "عربي بوست"، قال البكوش كذلك إن سياسة الاسترضاء التي تقوم بها الحكومات الليبية مع مصر منذ 2011 يجب أن تتوقف، شارحا ذلك بالقول إن الحكومات الليبية تحاول "ترضية" مصر على حساب ليبيا ووضعها السياسي وأن ذلك الموقف يضر بمستقبل ليبيا على حد زعمه.

استنكر البكوش في حديثه أن يقوم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في أوقات سابقة باستقبال خليفة حفتر وعقيلة صالح في القصر الرئاسي في مصر في حين لم يفعل ذلك مع الدبيبة على حد وصفه وقال إن الدبيبة هو رئيس السلطة التنفيذية في ليبيا ويجب على مصر أن تتعامل معه بشكل أكثر تقديرا واحتراما.

عاد البكوش للتأكيد على أن أزمة بيان حكومة الدبيبة تجاه مصر، المسؤول عنها هو القاهرة على حد قوله، لأنه لا يصح قانونا أن يلتقي مسؤول مصري مع حكومة غير شرعية وأشار إلى أن مصر تتعامل مع الملف الليبي من منظور أمني بحت وليس من منظور سياسي وهو ما يعقد من الأزمة بين مصر وليبيا.

الدبيبة ومدبولي وأسامة حماد-عربي بوست

لكن صلاح البكوش ذهب بعيدًا حين قال في تصريحه لـ"عربي بوست"، إن على حكومة الدبيبة أن تضع ملف العمالة المصرية والصفقات الاقتصادية على الطاولة مع مصر وأن يتم "التلويح بهذه الملفات" إذا ما حاولت مصر التواصل مع حكومة خليفة حفتر، وذلك على حد قوله.

ضامن جديد

لكن هناك زاوية أخرى تخص هذه الأزمة تحدث عنها إبراهيم بلقاسم وهو باحث سياسي ليبي وقريب من حكومة الدبيبة، في حديثه مع "عربي بوست" وهي أن مصر أبرمت اتفاقيات اقتصادية كبيرة في الفترة الماضية مع حكومة طرابلس، وأن الضامن الوحيد لهذه الصفقات هو عبدالحميد الدبيبة نفسه، وفي حال رحل الدبيبة سوف تواجه هذه الصفقات شبح الإلغاء من أي حكومة تالية.

حفتر ومدبولي والدبيبة-عربي بوست

شرح بلقاسم بشكل أكثر وضوحًا في تصريحه أن حكومة حفتر أرادت من اللقاء أن تقول لمصر أنها سوف تكون الضامن لكل ولأي استثمارات تريدها مصر داخل ليبيا أو أي استثمارات أبرمت مصر اتفاقات حولها في ليبيا.

مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن صندوق إعادة إعمار ليبيا يضم أكثر من عشرة مليارات دينار ليبي وهو مبلغ ضخم، وتسعى مصر من مثل هذه اللقاءات للحصول على أكبر جزء من كعكة إعادة إعمار ليبيا.

قال أيضًا أنه يجب على مصر ألا تنخرط في أزمة الشرعيات السياسية داخل ليبيا لأن ما يحدث هو أزمة داخلية ليبية ويجب على مصر أن تبتعد عن الانخراط فيها على حد قوله، مشيرًا في الوقت نفسه أن طرابلس اكتفت ببيان "طرد" شخصين من السفارة لكنها لم تقم بسحب السفير مما يؤكد على أن حكومة الوحدة لا تريد التصعيد أكثر من ذلك وأن الأمر برمته في طريقه للحل.

مصر عليها مراجعة موقفها من الدبيبة

أمّا جبريل أحيدة عضو برلمان طبرق، قال في تصريحاته لـ"عربي بوست" أن موقف مصر المتمثل في لقاء مدبولي وأسامة حماد، هو "تصحيح موقف خاطئ" مشيرًا إلى أن مصر لا يجب عليها التعامل مرة أخرى مع حكومة الدبيبة لأنها حكومة "غير شرعية" على حد قول البرلماني الليبي.

وقال أن مصر يجب عليها وقف التواصل مع الغرب وأن تنطلق في علاقاتها بشرق ليبيا لأن حكومة الشرق هي الحكومة الشرعية وأن هذه الحكومة سوف توفر لمصر كل ما تريده من استثمارات داخل ليبيا حسب ما قال.

جدير بالذكر أن نائب رئيس مجلس رجال الأعمال الليبي – المصري، مختار القلعي، كشف أن أربع من كبرى الشركات المصرية قد شاركت في مشروعات إعادة الإعمار في ليبيا بقيمة أعمال تتجاوز 4 مليارات دولار.

استثمارات مصر في ليبيا

جدير بالذكر أنه في 18 مايو/ أيار 2023، عقد رئيس حكومة الوحدة الليبية عبدالحميد الدبيبة، اجتماعًا مع وفد مصري رفيع المستوى، ضم رجال أعمال ومسؤولين من جهاز المخابرات المصرية. 

وقتها أعلن المكتب الإعلامي لحكومة الوحدة في طرابلس، أن الدبيبة تابع مع الوفد المصري، خاصة مسؤولي جهاز المخابرات المصرية، نتائج أعمال اللجنة المشتركة المصرية الليبية، التي بدأت أعمالها قبل عامين، عقب زيارة رئيس الوزراء المصري إلى القاهرة آنذاك، للقاء رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي.

مصطفى مدبولي والدبيبة-عربي بوست

في حين قامت الحكومة المصرية بإبرام اتفاق ضخم مع الحكومة الليبية يتعلق بإعادة إعمار وذلك قبيل زيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إلى ليبيا، في 20 إبريل/ نيسان 2021.

وهو الاتفاق الذي قال عنه وزير العمل الليبي، علي العابد في سبتمبر / أيلول 2021 أن مليون عامل مصري سيبدأون دخول ليبيا بدءًا من أكتوبر/ تشرين الأول من نفس العام. وأوضح العابد آنذاك أن بلاده وقعت مع مصر عقودًا بقيمة 19 مليار دينار ليبي (4.24 مليارات دولار).

زيارة مدبولي إلى ليبيا تبعها، في يناير / كانون الثاني 2022، توقيع ليبيا عقودًا مع ائتلاف شركات مصرية لتنفيذ مشروعي صيانة وتوسعة طريقي "أوباري – غات" (غرب)، و"اجدابيا – جالو" (شرق).

ووقع العقود مع الشركات المصرية رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة، خلال فعالية للإعلان عن استكمال مشروع الطريق الدائري الثالث بطرابلس. وقال الدبيبة خلال مراسم توقيع العقود: "نحن هنا للإعمار والبناء والحياة (..) لنبدأ المشروع (استكمال الطريق الدائري الثالث بطرابلس)".وأضاف: "استدعينا نخبة الشركات المصرية لتنفيذ مجموعة من مشروعات الكهرباء والصرف الصحي والطرق في جنوب وغرب وشرق البلاد".

علامات:
تحميل المزيد