بعد مرور ثلاثة أيام على نشر صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية خبر التواجد المنتظم للطائرات العسكرية الروسية في مطار مدينة جربة التونسية، لم يصدر أي تعليق من السلطات التونسية لتأكيد أو نفي ذلك، بينما تكفلت سفارة روسيا في ليبيا بالتعليق، واعتبرت ما أوردته الصحيفة مجرد "كذب وتزييف".
الصحيفة الإيطالية نشرت خبراً يوم 19 مايو/أيار 2024، تحت عنوان "الطائرات العسكرية الروسية في تونس، الولايات المتحدة تحذر: موسكو تنتشر"، وأشارت "لاريبوبليكا" إلى أن هناك تواجداً منتظماً للطائرات العسكرية الروسية في جربة، بينما شكك البعض في صحة الخبر، فما حقيقة ذلك؟
ما الذي قالته الصحيفة الإيطالية؟
أولاً يجب الإشارة إلى أن خبر تواجد قوات روسية أو تابعة لموسكو، في إشارة إلى قوات فاغنر، بدأ كإشاعة تم تداولها في البلاد منذ أسابيع على مواقع التواصل الاجتماعي، وحذر البعض من احتمال تورط القوات الروسية في موجة تدفق المهاجرين على تونس من دول أفريقيا جنوب الصحراء.
الصحيفة الإيطالية أشارت إلى أن رحلات عسكرية روسية شوهدت وهي تهبط في مطار مدينة جربة، واعتبرت أن ذلك قد يكون "دليلاً على تغير المواقف من جانب تونس" على حد تعبيرها، دون أن تقدم أي أدلة أخرى على ما أوردته.
وبحسب "لاريبوبليكا"؛ فإنه يمكن للرئيس قيس سعيد، رغم جهود رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، أن يقرر الانفتاح على روسيا أو إثارة هذه الفرضية من أجل الضغط على الغرب.
ومن الممكن أن يناقش رئيس الجمهورية عضوية تونس في تحالف الجنوب العالمي الجديد الذي تسعى روسيا والصين إلى إنشائه من أجل زعزعة استقرار النظام العالمي الحالي.
وتقول الصحيفة إنه بالنسبة لإيطاليا، يمثل هذا الوضع مشكلة مباشرة، لأن تونس هي الدولة الواقعة في شمال أفريقيا الأقرب إلى سواحلنا، وهي نقطة انطلاق القوارب إلى صقلية.
وتلتزم رئيسة الوزراء ميلوني شخصياً بتجنب هذا الانجراف، حيث زارت البلاد أربع مرات وأبرمت اتفاقيات مع الرئيس قيس سعيد، في إطار "خطة ماتي".
وعملت روما أيضاً مع صندوق النقد الدولي لتأمين قرض بقيمة 1.9 مليار دولار على مدى 48 شهراً من خلال تسهيل الصندوق الممدد، وهي مبادرة لا تزال محظورة بسبب مقاومة سعيد للإصلاحات المطلوبة، مثل شرط إنهاء الدعم للسلع مثل الوقود.
قلق في روما وواشنطن
وأوضحت صحيفة "لاريبوبليكا" أنها طلبت من الخارجية الأمريكية بياناً بشأن موقفها بخصوص الرحلات الجوية الروسية إلى مطار مدينة جربة التونسية ومدى اطلاعها عليها.
وذكرت أن الخارجية الأمريكية ردت قائلة: "ما زلنا نشعر بالقلق بشأن أنشطة مجموعة فاغنر وتلك التي تدعمها روسيا في القارة الأفريقية، والتي تؤجج الصراعات وتشجع الهجرة غير النظامية، بما في ذلك إلى تونس".
وأعربت الخارجية الأمريكية من جديد عن قلقها من أنشطة فاغنر السابقة التي استؤنفت بعد وفاة مؤسسها يفغيني بريغوجين.
ووفق الصحيفة الإيطالية، فإن لهذا "الاختراق الروسي" تداعيات على السياسة الداخلية الإيطالية قبل الانتخابات الأوروبية، حيث كانت ميلوني حازمة جداً في دفاعها عن أوكرانيا، في حين أن حليفها سالفيني منفتح على بوتين.
وأكد الكاتب أن كلا الطرفين اتخذ موقفاً متشدداً بشأن الهجرة، لكن الوضع سيصبح صعباً بالنسبة لكليهما معاً إذا ما استمر الكرملين في التحريض على تدفق الهجرة غير النظامية باتجاه إيطاليا وأوروبا.
قررت صحيفة " La Repubblica" الإيطالية تخويف القارئ عديم الخبرة بفكرة وجود طائرات مقاتلة روسية في مطار جزيرة #جربة في #تونس.
— Russian Embassy in Libya (@LibyaRussian) May 20, 2024
لا يسع المرء إلا أن يحسدهم على مثل هذا الخيال.
لكن كردة فعل علينا أن نقول: أن هذا كذب وتزيف. وعدم احترام كامل للقارئ سواءاً كان في #إيطاليا أوخارجها. pic.twitter.com/Q9ooj0eU9l
حقيقة تواجد قوات روسية في مطار مدينة جربة
من جهتها، شككت مجلة "Jeune Afrique" الفرنسية فيما أوردته الصحيفة الإيطالية، وقالت، الثلاثاء 21 مايو/أيار 2024، إنه بمجرد ظهور المقال، اشتعلت بعض الخيالات، وأصبحت الطائرات الروسية التي هبطت في ار مدينة جربة، في بعض النسخ طائرات تابعة لمجموعة فاغنر.
كما أشارت المجلة إلى أن هناك معلومات تم تداولها في البلاد منذ عدة أسابيع على شكل شائعات، وعلى وجه الخصوص، منذ نهاية مارس/آذار، عندما تم إغلاق رأس الجدير، أهم نقطة عبور حدودية بين ليبيا وتونس.
لكن المعلومات المتداولة في تونس تشير بوضوح إلى وجود أفراد، وليس طائرات، وقالت إن هناك "شائعات وشكوكاً، ولكن القليل من الحقائق المثبتة، في نهاية المطاف".
وقالت إن من يعرف مطار مدينة جربة يعرف أنه لو حدثت تحركات غير عادية في الموقع المفتوح تماماً، لما هرب منها سكان شمال الجزيرة.
لكن بالنسبة للناشط السياسي والنائب السابق في البرلمان التونسي، مجدي الكرباعي، فإن الخبر الذي نشرته الصحيفة الإيطالية "صحيح"، حسب ما صرح به لقناة "فرانس 24".
وبرّر ذلك من خلال إشارته إلى أن صحيفة "لاريبوبليكا" هي ثالث أكبر جريدة في إيطاليا، والخبر نقلته أيضاً وكالة "Nova" للأخبار، التي أوردت أيضاً تصريحاً من مسؤول إيطالي وصف هذا التواجد الروسي بـ"الخطير".
ونقلت المجلة الفرنسية عن الباحث والمتخصص في الشؤون الليبية جلال حرشاوي أن "الطائرات الروسية تقوم بالتزود بالوقود في مطار مدينة جربة منذ أشهر، لكن لم يتم نشر أي جيش روسي على الأراضي التونسية".
كما أن نشر هذه المعلومات "أمر مثير للدهشة" لأنه يتزامن مع بدء التدريبات العسكرية متعددة الدول "مناورات الأسد الأفريقي" في المغرب والتي تجري تحت قيادة القيادة الأمريكية في أفريقيا وتعرف مشاركة الجيش التونسي.
فيما كانت جورجيا ميلوني أثارت مسألة الوجود الروسي المحتمل في تونس خلال زيارتها الرسمية للبيت الأبيض في الأول من مارس/آذار الماضي.
وفي مواجهة جو بايدن، تقول "JeuneAfrique"، حاولت الزعيمة الإيطالية إقناع مضيفها بأنه إذا لم يظهر صندوق النقد الدولي نفسه أكثر استيعاباً لتونس ولم يقرر منحها الاعتمادات المطلوبة، فإنه يخاطر بالوقوع تحت النفوذ الروسي.
ومنذ ذلك الحين، تحاول أجهزة المخابرات الإيطالية الحصول على تأكيد بشأن عمليات القدوم والذهاب المفترضة للطائرات الروسية في جربة، لكن يبدو أنها تجد صعوبة في الحصول عليها.
تقارب تونس وموسكو
بينما تعتبر تونس حليفاً تقليدياً للغرب، وخاصة فرنسا التي ظلت على الدوام الشريك الاقتصادي الأول للبلد المغاربي قبل أن تفقده لصالح الجارة الشمالية إيطاليا بدءاً من عام 2022، في ظل فتور في العلاقات بين تونس وباريس.
بينما بدأت مرحلة جديدة في العلاقات بين تونس وموسكو، حيث أعرب وزير الخارجية التونسي نبيل عمار خلال زيارته إلى موسكو في سبتمبر/أيلول 2023، عن استعداد بلاده لتطوير العلاقات مع روسيا في كافة المجالات.
من جانبه، صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن تونس في مقدمة الدول التي تتعاون معها روسيا في أفريقيا؛ حيث بلغ مستوى التبادل التجاري مع تونس خلال 6 أشهر من عام 2023 نحو 1.2 مليار دولار.
وهو ما أكده أيضاً الرئيس التونسي قيس سعيّد، خلال لقائه وزير الشؤون الخارجية لروسيا الاتحادية، سيرغي لافروف، شهر ديسمبر/كانون الأول 2023، وعبر عن حرص تونس على مواصلة تعزيز علاقات الصداقة والتعاون القائمة بين البلدين.
خلال نفس الزيارة التي قام بها لافروف إلى تونس، تم الاتفاق على الزيادة في صادرات القمح الروسي نحو تونس، وهو ما تم فعلا بعد شحن موسكو 26 ألف طن من القمح إلى تونس في شهر فبراير/شباط 2024.
وفي شهر مارس/آذار 2024، وقعت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على مذكرة تعاون مع اللجنة الانتخابية المركزية لروسيا الاتحادية في المجال الانتخابي.
وأشارت وكالة الأنباء التونسية الرسمية إلى أن التوقيع يتعلق بإرساء تعاون في مجال استخدام الوسائل الحديثة في المسارات الانتخابية وتبادل الخبرات والتجارب وتنظيم الدورات التكوينية لفائدة الهياكل المكلفة بالجانب العملياتي والميداني لمختلف مراحل العمليات الانتخابية.