الحصول على “الكارت الأصفر” أصبح مهمة مستحيلة.. فوضى المواعيد واكتظاظ مكاتب المفوضية يؤزم أوضاع اللاجئين في مصر 

عربي بوست
تم النشر: 2024/05/19 الساعة 08:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/05/19 الساعة 08:08 بتوقيت غرينتش
نازحون سودانيون يفرون من الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع/ رويترز

تشهد مكاتب استخراج تصاريح الإقامة عبر مكاتب الجوازات المصرية ومفوضية اللاجئين في العاصمة المصرية القاهرة ازدحاماً كثيفاً للمهاجرين واللاجئين في مصر الذين يخشون اتخاذ إجراءات أمنية بحقهم.

وأعطت الحكومة المصرية أجلاً  بنهاية يونيو/تموز 2024 للوافدين والمقيمين واللاجئين لتسجيل بياناتهم بالجهات الرسمية واستخراج "بطاقة التسجيل"، التي تسمح بتقديم الخدمات، وذلك ضمن خطة الدولة لحصر جميع الأجانب المقيمين داخل البلاد.

وحسب ما رصد "عربي بوست"، فإن هذه المكاتب تعرف حالة من الفوضى، كما أن هناك غياباً لأي إجراءات تنظيمية تضمن الاستجابة لاحتياجات اللاجئين الذين فر أغلبهم من الصراعات الدائرة بالسودان واليمن وقطاع غزة.

زحام كثيف ونصابون ينتشرون حول مكاتب المفوضية

تقول إيمان عثمان، اسم مستعار لربة منزل سودانية، إنها فقدت الأمل في الحصول على الإقامة في مصر، وإنها كانت من بين مئات الآلاف الذين دخلوا الأراضي المصرية بطرق غير شرعية شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وقالت المتحدثة: "دخلت مصر بعدما اتخذت الحكومة المصرية قراراً مفاجئاً في مطلع شهر يونيو/حزيران 2023 بإلزام الفئات التي لا تحتاج إلى تأشيرة للدخول إلى البلاد وفقاً لاتفاقية الحريات الأربع باستصدار تأشيرة دخول إلى مصر اعتباراً من يوم 10 من الشهر نفس.

وأضافت أنها تقطن في إحدى المناطق الشعبية لكنها تخشى كل يوم أن يتم ترحيلها هي وأبنائها الأربعة بعدما وصلها إليها ترحيل العشرات ممن جرى ضبطهم دون أوراق ثبوتية.

وقالت المتحدثة لـ"عربي بوست": "أنا بحاجة إلى إصدار "الكارت الأصفر" من مفوضية اللاجئين حتى استخراج الإقامة المصرية، وفي البداية حاولت الوصول إلى المفوضية عبر الأرقام التي أعلنتها لكن دون أي ردود على مدار شهر ونصف تقريباً".

وأشارت المتحدثة إلى أنها اتخذت قراراً بالذهاب إلى أحد مكاتبهم في منطقة الزمالك بالقاهرة، لكنها وجدت زحاماَ كثيفاَ واستمرت في التردد عليها لما يقرب من أسبوع.

وتضيف قائلة لـ"عربي بوست": "في كل مرة كنت أذهب إلى هناك عقب صلاة الفجر، وأجد المئات يفترشون الأرض، وقبل أن يأتي دوري تكون المفوضية قد اكتفت بالعدد المطلوب، خاصة أن هناك أشخاصاً يكون لديهم مواعيد مقابلات.

وعلى مدار أسبوع حاولت فقط أن أسجل اسمي لكي يتم تحديد موعد يتم بعده استخراج الكارت الأصفر؛ لكني وقعت أسيرة لمجموعة من النصابين وعدوني بتسهيل مهمة تحديد موعد اللقاء في مقابل 500 جنيه.

وقال لي أحد الأشخاص وهو سوداني الجنسية إنه يعمل بالمفوضية، وإن بيده تسهيل إجراء اللقاء خلال شهر واحد إذا دفعت مبلغ 2000 جنيه، لكن ظروفي الصعبة وعدم الثقة به جعلتني أكتفي بدفع 500 جنيه فقط.

وأشارت إلى أنها "فوجئت بتحديد موعد في مطلع يونيو/حزيران المقبل، وطوال الأشهر الماضية لم أستطع أن أعيش حياتي بشكل طبيعي ولم أتمكن من التقديم للأولاد بالمدرسة، وفات عليهم العام الدراسي، وأخشى ترحيلي في حال لم أتمكن من استخراج الإقامة في التوقيت الذي حددته الحكومة المصرية.

وفي الوقت ذاته، تقول المتحدثة: ليس لدي القدرة على دفع ثمن مخالفة الدخول إلى الأراضي المصرية لتسريع استخراج الإقامة بعيداً عن المفوضية؛ لأنه سيكون علي دفع مبلغ 1000 دولار للفرد الواحد، أي أنني بحاجة لدفع 5000 دولار، وهو مبلغ غير منطقي ولا يمكن دفعه.

وألزم رئيس الوزراء مصطفى مدبولي الأجانب المتقدمين الذين يريدون الحصول على إقامة للسياحة وغير السياحة بدفع رسوم الإقامة أو غرامات التخلف أو تكاليف إصدار بطاقة الإقامة بالدولار أو ما يعادله من العملات الأجنبية.

وتضمن القرار إلزام الأجانب المقيمين بالبلاد بصورة غير شرعية بتوفيق أوضاعهم وتقنين إقامتهم، شريطة وجود مستضيف مصري مقابل إيداع مصروفات إدارية تعادل 1000 دولار بالحساب المخصص بالبنوك المصرية.

تراجع أدوار السفارات لدول تشهد صراعات

ويجد اللاجئون أنفسهم في مأزق ولا يعرفون كيف يتصرفون في ظل تراجع أدوار السفارات المرتبطة بدول تشهد صراعات ليس لديها أساليب الضغط التي تساعد في تسهيل الإجراءات.

وقال منصور عامر، وهو اسم مستعار للاجئ يمني جاء إلى القاهرة قبل عامين تقريباً، إنه يجد صعوبة بالغة في تجديد إقامته بسبب التكدس على مكاتب الجوازات المصرية في العاصمة القاهرة.

وأضاف المتحدث  أنه لم يجد صعوبة في تجديد الإقامة، لكن مع اقتراب موعد التجديد ذهبت إلى أكثر من مكتب وكانت المفاجأة بوجود أعداد هائلة من جنسيات مختلفة تريد تقنين أوضاعها.

وأكد المتحدث لـ"عربي بوست" أنه لا يعلم ماذا سيفعل في حال لم يجدد إقامته، وفي كل يوم يذهب إلى مكاتب الجوازات يكون بحاجة للبقاء ساعات طويلة، وفي النهاية يطلب الموظفون الانصراف لانتهاء مواعيد العمل.

وأشار المتحدث إلى أن الإجازات ساهمت في تكدس أعداد أكبر، والجميع لديه تساؤل واحد ومشروع لماذا لا يكون هناك مكاتب ومقرات عديدة لاستيعاب كل هذه الأعداد طالما أن الدولة المصرية قررت تشديد إجراءاتها لترحيل المخالفين؟

وأكد أن عملية تجديد الإقامة أو استخراجها تبقى من أصعب الإجراءات التي يتضرر منها الأجانب في مصر، وهناك حالة من الروتين الحكومي القاتل الذي يتسبب في كثير من الأحيان بترحيل أفراد دون تقصير منهم.

وحسب المتحدث، فإن أي تأخير في تجديد الإقامة يترتب عليه دفع غرامات مالية يتحملها اللاجئون رغم أنها مسؤولية الجهات التي تؤخر عملها وكأن هناك تعمداً في تأخيرها لإجبارنا على دفع الغرامة.

وأشار إلى أن مفوضية اللاجئين هي الأخرى لا تقوم بعملها على أكمل وجه، وهناك خلل في نظام عملها يؤدي إلى طول فترة الانتظار الخاص بإجراء مقابلة مع موظفي المفوضية، التي قد تتراوح بين 4 إلى 6 أشهر.

وتمتد هذه العملية إلى إصدار رقم مرجعي الذي يمهد للحصول على تصريح إقامة، وتبلغ مدة هذه العملية قرابة عام كامل للحصول على إقامة سارية تمتد صلاحيتها إلى ستة أشهر بحد أقصى.

أزمة الإقامات المؤقتة

ومؤخراً طالبت السفارة الفلسطينية في القاهرة بتقنين أوضاع الفارين من الحرب على قطاع غزة، وقالت إنها تسعى لاستصدار تصاريح إقامة مؤقتة لعشرات الآلاف الذين وصلوا خلال فترة الحرب.

وقال دياب اللوح، السفير الفلسطيني في القاهرة، إن ما يصل إلى 100 ألف من سكان غزة عبروا الحدود إلى مصر، لا يتوفرون على الوثائق اللازمة لتسجيل أطفالهم في المدارس، أو فتح شركات، أو حسابات مصرفية، أو السفر، أو الحصول على تأمين صحي.

وأضاف أن تصاريح الإقامة لن تكون إلا لأغراض قانونية وإنسانية، لأن الذين وصلوا بعد "طوفان الأقصى" ليس لديهم خطط للاستقرار في مصر، قائلاً: "إحنا بنحكي عن فئة في ظرف استثنائي، طلبنا من الدولة منحهم إقامات مؤقتة قابلة للتجديد لحين انتهاء الأزمة في غزة".

محمد وهو أب لأربعة أطفال قام بالفرار من الجحيم خرج من غزة بعد دفع رسوم عشرين ألف دولار، وذلك بعد أن توسط له أحد الأشخاص المقربين من موظف بشركة "هلا "للسفريات وهي شركة مضمونة بسبب علاقتها بالأجهزة الأمنية.

وقال المتحدث لـ"عربي بوست": تأشيرتي مؤقتة، ولم أتمكن من الحصول على تصريح بالإقامة أو التسجيل في مفوضية اللاجئين على اعتباري لاجئاً، وبالتالي لن أحصل على منح إلحاق الأطفال بالمدارس أو البحث عن عمل.

يعيش الرجل ظروفاً صعبة وقاسية بسبب نفاد مدخراته فضلاً عن تغير المعاملة تجاهه شارحاً لـ"عربي بوست" أنه عندما جاء منذ شهرين وجد كثيرين يتعاطفون معه ويساعدونه ويخففون عن أطفاله، لكن بمرور الوقت قل تعاطفهم وانخفضت المساعدات.

وقال المتحدث: "أنا لا ألوم أحداً بسبب الظروف الاقتصادية القاسية التي يمر بها الجميع، فضلاً عن أن غزة دخلت نفقاً مظلماً لا موعد محدد  للخروج منه، أي أن التضامن معه ومع غيره لن يكون إلى ما لا نهاية".

دعم مالي لا يكفي يوماً واحداً

وقال شاب سوداني، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، إنه نجح في الوصول إلى مفوضية اللاجئين واستخرج البطاقة الصفراء، لكنه صُدم بأن الدعم المقدم وهو 400 جنيه لا يكفي للعيش يوم واحد في مصر.

وأوضح أن المفوضية تقدم للاجئين ورقة متاح فيها مجموعات من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية التي تقدم مساعداتها للاجئين وتطالب التواصل معها، لكن مع الضغط على تلك المنظمات أيضاً تظل الخدمات شحيحة وأغلبها يتعلق بتوفير خدمات تعليمية.

وأشار المتحدث إلى أنه ليس هناك أي مساعدات مالية أخرى تساعد اللاجئين على المعيشة في مصر، والأكثر من ذلك أن تقديم الخدمة يتطلب كثيراً من الإجراءات والأوراق وتستمر لعدة أشهر؛ لكي تتمكن من الحصول عليها.

وأكد أن التساؤلات التي تدور في أذهان اللاجئين هي ماذا تقدم المفوضية لهم بعيداً عن الكارت الأصفر والمساعدة على استخراج تصاريح الإقامة؟ وأين تذهب الأموال التي تقول إنها قدمتها للاجئين؟ ومن المستفيد منها؟

وقال المتحدث: لماذا لا يضع المجتمع الدولي في حسبانه أن الفارين من الحروب والنزاعات تركوا كل ما يملكونه في بلدهم لإنقاذ حياتهم؟ مشيراً إلى أنه كان يعول على انعقاد مؤتمر القضايا الإنسانية للاجئين السودانيين في القاهرة قبل شهرين تقريباً لكن لم يتغير شيء.

وتقدر مفوضية اللاجئين وشركاؤها أن ما يصل إلى 2.3 مليون شخص سيعبرون إلى البلدان المجاورة بحلول نهاية عام 2024، بسبب الحروب والصراعات، وأن مكاتبها في مصر تستقبل يومياً ما يتراوح بين 2000 إلى 3000 لاجئ من الذين يسعون للحصول على المساعدة.

وتشير إحصاءات حكومية مصرية لوجود حوالي 9 ملايين مهاجر ولاجئ يعيشون في مصر من نحو 133 دولة، بنسبة 50.4% ذكوراً، و 49.6% إناثاً، وبمتوسط عمري يصل إلى 35 سنة، يمثلون 8.7% من حجم سكان مصر.

ويُقيم 56% من هؤلاء اللاجئين في 5 محافظات: القاهرة، والجيزة، والإسكندرية، والدقهلية، ودمياط، كما أن هناك 60% من المهاجرين يعيشون في مصر منذ حوالي 10 سنوات، و6% يعيشون باندماج داخل المجتمع المصري منذ نحو 15 عاماً أو أكثر، بالإضافة إلى أن هناك 37% منهم يعملون في وظائف ثابتة وشركات مستقرة.

المطالب تتزايد

حقوقي مصري مهتم بأوضاع اللاجئين قال لـ"عربي بوست" إن بقاء أعداد كبيرة من اللاجئين دون تقنين أوضاعهم يشكل خطورة أمنية وإنسانية أيضاً، لأن هؤلاء الأشخاص لا يتمكنون من التعامل بشكل طبيعي داخل البلاد.

وقال المتحدث إن هؤلاء ليست لديهم القدرة على استلام أو تحويل أي أموال، وعلى الصعيد الأمني في حال تعرض لأي اعتداء، فإنه لن يتمكن من الحصول على حقه بالقانون.

وتطالب الأقسام المصرية تأشيرة دخول للاعتراف بوجوده، لكن دون أن يكون لديه الحق في الإبلاغ عن الشخص الذي اعتدى عليه ويستوجب ذلك أن تكون إقامته سارية.

وأكد لـ"عربي بوست" أن كثيراً من اللاجئين لا يستطيعون امتلاك خطوط الهاتف، وفي حال انتهت الإقامة يتم سحب الخط تلقائياً، ولا يكون بإمكانهم التعامل بشكل قانوني من خلال استئجار أو شراء أي عقارات، وهي مشكلات يتم التغلب عليها من خلال إجراءات غير شرعية.

وأضاف المتحدث أن اللاجئ أو المهاجر يبقى مهدداً بشكل مستمر، مشيراً إلى أن التأشيرات الأمنية التي دخل بها اللاجئون الفلسطينيون إلى مصر بعد حرب غزة أيضاً لا تمكنهم من ممارسة حياتهم الطبيعية ويتطلب الأمر الحصول على وثيقة سفر من الجوازات.

وشدد على أن المئات من اللاجئين يتم احتجازهم لمخالفتهم شروط الإقامة، والأكثر من ذلك أن بعض عمليات الترحيل تتم لبعض السودانيين تحديداً رغم أن الحرب ما زالت مشتعلة في بلدهم.

هذا الأمر يجعل المطالب تتزايد بعد الإعادة القسرية المنصوص عليها صراحة في أحكام القانون الدولي، لافتاً إلى أن المشكلة تتمثل أيضاً في أن بعض المخالفين لا يتم تقييمهم كلاجئين، وهو ما يرفع الحماية القانونية عنهم.

ولفت إلى أن مصر لا يمكن أن تتحمل الأزمة بمفردها، ولابد أن يكون هناك تدخلات سريعة وحاسمة من الدول المانحة للمساعدات إلى الإسراع بالوفاء بالتزاماتها والتركيز على النفقات المقدمة إلى الدول المجاورة للبلدان التي تشهد صراعات لتكون بغرض المساعدات الإنسانية في المقام الأول.

تحميل المزيد