شهدت تونس، أمس الثلاثاء 14 مايو/أيار 2024 إضراباً وطنياً من طرف المحامين، على خلفية اعتقال المحامية والصحفية التونسية سنية الدهماني، واثنين من الإعلاميين.
ويوم السبت 11 مايو/أيار 2024 اقتحمت عناصر أمن بالزي المدني مقر دار المحامي (هيئة المحامون)، واعتقلوا سنية الدهماني على خلفية تصريحات أدلت بها في برنامج إذاعي تنتقذ فيها أوضاع البلاد.
واقتحمت السلطات الأمنية، الإثنين 13 مايو/أيار 2024، دار المحامي واعتقلت المحامي مهدي زقروبة، بتهمة الاعتداء على موظف عمومي أثناء أداء عمله.
كما تم توقيف الصحفي رهان بسيّس، الذي يتابع على خلفية "الإساءة إلى رئيس الجمهورية عبر البرامج الإذاعية والتدوينات".
كما تم توقيف المحلل السياسي مراد الزغيدي المعروف في تونس، ووجهت له تهمة استعمال أنظمة معلومات لنشر وإشاعة أخبار تتضمن معطيات شخصية ونسبة أمور غير حقيقية بهدف التشهير بالغير وتشويه سمعته".
كل هذه الاعتقالات التي شهدتها تونس في أقل من أسبوع تم تنفيذها بموجب المرسوم 54، الذي سنَّه الرئيس قيس سعيد في 13 أيلول/سبتمبر 2022.
المرسوم 54.. السجن للجميع
مثلت المحامية الدهماني الإثنين 13 مايو/أيار 2024، أمام قاضي التحقيق، على خلفية تعليق لها بإذاعة خاصة، انتقدت فيه الوضع في البلاد، وتمت إحالتها وفق المرسوم عدد 54، ليتخذ قاضي التحقيق قراراً بإيداعها السجن.
ينص المرسوم 54 بالسجن خمس سنوات، وغرامة مالية تصل إلى 16 ألف دولار، بتهمة "نشر أخبار زائفة" أو "الإضرار بالأمن العام والدفاع الوطني" أو "بث الرعب بين السكان".
كما يلزم المرسوم في الفصل السادس منه شركات الاتصالات بتخزين البيانات المتعلقة بهوية المستخدمين وحركة الاتصالات والبيانات الوصفية بشكل منهجي لمدة عامين على الأقل.
كما يسمح الفصل التاسع من المرسوم 54 في تونس للسلطات، بناء على أمر قضائي بمصادرة الأجهزة الشخصية وتتبع الأفراد واعتراض اتصالاتهم لـ "كشف الحقيقة".
وكان الرئيس قيس سعيد قد صرح بعد إصداره للمرسوم بأنه جاء استجابة لمطالب المجتمع المدني لحماية من الجرائم الإلكترونية، لكن منظمات حقوقية اعتبرته أداة لملاحقة الأشخاص المعارضين والحد من حريتهم.
ومنذ 25 يوليو/تموز 2021، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد عن إجراءات استثنائية حل بموجبها البرلمان وإلغاء الدستور والاستحواذ السلطات التشريعية، وأصبح يُشرح من قصر قرطاج بمراسيم رئاسية، دون الحاجة لتصويت البرلمان.
ورغم أن الرئيس أعلن أن المرسوم الهدف منه مكافحة الجرائم الإلكترونية، إلا أنه في الواقع تم تكييفه لمتابعة مجموعة من الصحفيين والسياسيين والنشطاء على خلفية تصريحاتهم أو كتابتهم أو تعبيرهم عن آرائهم، آخرهم الصحفية والمحامية سنية الدهماني.
وكان أول من حوكم بمضامين المرسوم 54 في تونس السياسية والعضوة البارزة في تجمع "جبهة الخلاص الوطني" المعارض شيماء عيسى التي انتقدت رئيس الجمهورية قيس سعيد.
وقالت إن المرسوم 54 في تونس تضمن عبارات فضفاضة وليست دقيقة، خصوصاً في الفصل 24 من المرسوم، الذي ينص على غرامة تصل إلى 50 ألف دينار (حوالي 16 ألف دولار أمريكي) والسَّجن خمس سنوات.
ومن بين ما اعتبرته "هيومن رايتس ووتش" فضفاضاً في المرسوم 54 في تونس عبارات "لإنتاج، أو ترويج، أو نشر… أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة "، أو "التشهير بالغير"، أو "تشويه سمعته"، أو "الاعتداء على حقوق الغير"، أو "الإضرار به مادياً أو معنوياً"، أو "التحريض على الاعتداء عليه".
بالإضافة إلى "الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني"، أو "بثّ الرعب" أو "الحث على خطاب الكراهية". تُضاعَف عقوبة السجن إذا اعتُبرت أنها تستهدف "موظفاً عمومياً" أو "شبهه".
ومن أبرز من تمت متابعتهم بفصول المرسوم 54 في تونس:
- الصحفي في "إذاعة صبرة إف إم" ياسين رمضاني.
- صحفية منية العرفاوي، التي انتقدت وزير الشؤون الدينية.
- المحامي والسياسي غازي الشواشي الذي انتقد وزيرة العدل.
- المحامي والسياسي العياشي الهمامي التي انتقدت وزيرة العدل.
- برهان بسيس الصحفي بـ"قناة حنبعل" والعامل في راديو ابتسامة إف إم برهان بسيس.
- الصحفي نزار بهلول بسبب نشره لمقال رأي ينتقد فيه رئيسة الحكومة.
- الطالب أحمد بهاء الدين حمادة بسبب نشره معلومات حول احتجاجات بأحد الأحياء الشعبية.
- العضو السابق لهيئة الانتخابات سامي بن سلامة بسبب نقده لمجلس هيئة الانتخابات.
- الناشط بالمجتمع المدني حمزة العبيدي بسبب تدوينة يدعو فيها إلى الثورة.
وتطول لائحة المتابعين بفصول المرسوم 54، منهم من حكم عليه بالسجن النافذ، ومنهم من أطلق سراحه بعد الحكم عليه بعقوبة موقوفة التنفيذ، ومنهم من ما زال متابعاً.
وكل من تمت متابعته بفصول المرسوم 54 في تونس جاءت بعد شكاوى قدمتها هيئات حكومية، فليلى جفال، وزير العدل وحدها تقدمت بـ5 شكاوى على الأقل.
كما تقدم وزير الشؤون الدينية إبراهيم الشايبي بثلاث شكاوى، وتوفيف شرف الدين، وزير الداخلية السابق بشكايتين، والهيئة العامة للسجون باثنتين، ونقابة الشرطة باثنتين، بالإضافة إلى شكايات قصر قرطاج، والتي كانت أغلبها الإساءة لشخص رئيس الجمهوية.
إضراب المحامين بعد اعتقال سنية الدهماني
وبالتزامن مع الاعتقالات التي عرفتها هيئة المحامين في تونس في الأسبوع الأخير، وقرار المتابعة بمضامين المرسوم 54 في تونس، قررت هيئة المحامين في تونس تنظيم إضراب عن العمل، على خلفية اعتقال محاميين اثنين.
علق رئيس فرع المحامين، العروسي زقيعلى، اعتقال المحامين، بالقول إنه "اختطاف وتعدٍّ صارخ، خاصة في ظل الاعتداء المادي واللفظي العنيف الذي سلّط على عدد من المحامين، الذين كانوا هناك لحظة الاقتحام".
وأضاف المتحدث أن "الهدف من الإضراب الذي تمت الاستجابة له بنسبة 100% يأتي كرد على الاعتداء الذي حصل على دار المحامي، واختطاف المحامية سنية الدهماني".
من جهته، قال المحامي والسياسي سمير بن عمر لـ"عربي بوست"، إن "حادثة اقتحام دار المحامي سابقة خطيرة لم نشهد لها مثيلاً في تاريخ تونس، وهي اعتداء سافر على المحاماة التونسية".
واعتبر بن عمر أن "ما حدث تصعيد خطير من السلطة ضد المحاماة، وكل الأصوات الحرة في البلاد، فالدولة باتت تقمع بشكل كبير حرية التعبير".
أما المحامي مختار الجماعي فقال في تصريح لـ"عربي بوست" إن "اقتحام دار المحامي سابقة على غاية من الخطورة وخرق واضح لجميع الإجراءات".
وأضاف المحامي مختار الجماعي أن "قوات الأمن ضربت عرض الحائط بالإجراءات القانونية وهياكل المحاماة ولن تسكت عن هذا مطلقاً".
وأوضح الجماعي: "ستكون هناك تتبعات جزائية ضد كل من تورط في حادثة الاقتحام والاعتداء الصارخ على دار المحامي والمحامين".
وقال: "قطاع المحاماة مستهدف وذلك منذ لحظة الانقلاب في 25 يوليو/تموز 2021، شأنه شأن المؤسسة التشريعية أي البرلمان وبقية الهيئات الدستورية والقضاء".
واستحضر المحامي حادثة اختطاف وزير العدل السابق والمحامي نور الدين البحيري منذ أكثر من سنة، وكذلك حادثة اختطاف المحامي سيف الدين مخلوف من أمام مقر المحكمة العسكرية، مؤكداً أن استباحة المحاماة كانت من حينها.