فرضت حرب الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة حرمان عشرات الآلاف من طلبة الثانوية العامة في غزة من تأدية اختبار هذه السنة، وبات مصيرهم معلقاً مع تبقي أقل من شهر على موعد الاختبارات النهائية المقرر أن تبدأ في الأول من يونيو/حزيران 2024.
وبات مصير إكمال المسيرة التعليمية في القطاع صعباً بل مستحيلاً، فوفقاً لإحصائيات وزارة التربية والتعليم فقد تسببت الحرب باستشهاد 6 آلاف طالب وطالبة، وإصابة نحو 10 آلاف آخرين، واعتقال ما يزيد عن 100 آخرين، في حين تجاوز عدد الشهداء من الهيئة التدريبية 266 معلماً ومعلمة وأصيب نحو 973 آخرين.
أما على صعيد المرافق والبنية التحتية التعليمية، فتشير الوزارة إلى تعرض نحو 286 مدرسة حكومية للاستهداف المباشر ما أدى لتدميرها بشكل كلي، ونحو 65 مدرسة أخرى تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين _ الأونروا، ما أدى إلى تعرض 111 منها لأضرار بالغة، و40 للتدمير بالكامل، فيما تحولت 133 مدرسة لإيواء النازحين.
من جهته، أكد المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، صادق الخضور، أن وزارة التربية والتعليم ستعمل على استدراك امتحانات الثانوية العامة لطلبة قطاع غزة حال انتهاء الحرب، من خلال برنامج وخطة عمل تقوم الوزارة بإعدادها لتهيئة الطلبة وإعادة تأهيلهم بحيث يتمكنون من العودة إلى مقاعد الدراسة.
وأضاف المتحدث لـ"عربي بوست" أن نظام الثانوية العامة في فلسطين يتكون من ثلاث دورات في شهر يونيو، وأغسطس، وديسمبر، وبإمكان الطلبة اختيار الدورة التي يرغبون في تقديم اختباراتهم بها، إلا أن طلبة القطاع سيكونون مستثنين من هذا النظام، حيث سيتم تخيير الطلبة ممن لديه الجاهزية للالتحاق بهذه الدورات الثلاث.
ومن لم يستطع وهم في تقديرنا يمثلون الغالبية العظمى من الطلبة، سنعقد لهم دورة خاصة، ونحن مطمئنون بأن العام الدراسي لن يضيع على الطلبة في غزة، وهم في قلب أولوياتنا كوزارة التربية والتعليم لإنقاذ العام الدراسي.
أما طلبة غزة الذين سافروا لمصر خلال الحرب فنعمل بالتنسيق مع السفارة على تقديم اختباراتهم داخل مقر البعثة الفلسطينية بالقاهرة وعددهم نحو 800 طالب وطالبة، علاوة على 200 آخرين من الطلبة سافروا من غزة لدول العالم، نعمل على إنهاء كافة إجراءاتهم.
"عربي بوست" تحدث مع عدد من الطلبة والطالبات في مرحلة الثانوية، بالإضافة لآراء أولياء أمور طلبة آخرين لمعرفة مصيرهم في هذا العام، وإلى أي مدى يمكن أن تنجح خطة الوزارة لاستدراك هذا العام.
ظروف صعبة يعيشها الطلبة
من جانبه، قال طالب الثانوية العامة عبد المنعم أبو شيحة، وهو من سكان حي الرمال بغزة: "أتمنى أن تكون خطة الوزارة بشأن طلبة غزة مراعية لظروفهم، فنحن وعائلتي في نزوح منذ 8 أشهر، وها نحن ننزح للمرة الرابعة، لذلك نتمنى أن تكون هنالك مراعاة لهذه الظروف".
وأضاف المتحدث في حديث لـ"عربي بوست" كنت أحلم بأن أصبح مهندساِ، إلا أن الحرب كانت هادمة لكل أحلامي، ما أتمناه الآن أن تتوقف هذه الحرب، حتى أستطيع التخطيط والتفكير بمستقبلي.
تجدر الإشارة إلى أن عدد طلبة الثانوية العامة في قطاع غزة الذين كان مقرراً أن يجتازوا الاختبارات النهائية للعام الدراسي 2023-2024، يقدر بنحو 39 ألف طالب وطالبة يتوزعون في تخصصات العلمي والأدبي والشرعي والصناعي والتجاري والفندقي.
أما الطالبة آلاء جندية والتي نزحت من مدينة غزة نحو مخيم النصيرات وسط القطاع فتجلس على أبواب إحدى مدارس النزوح وتقول بحسرة: "اجتهدت طيلة الأعوام الماضية بانتظار قدوم هذا العام، كنت أحلم بتحصيل دراسي يمكنني من دراسة الطب البشري، إلا أن هذا الحلم بدأ يتلاشى شيئاً فشيئاً".
وتضيف في حديث لـ"عربي بوست": "حتى لو توقفت هذه الحرب، فلن أستطيع الالتحاق باختبارات الثانوية العامة، فمدرستي قد دمرها الاحتلال، وفقدت كل كتبي التي جمعتها من صديقاتي، لذلك على الوزارة أن تضع أوضاع الطلبة النفسية بعين الاعتبار، حتى نتمكن من أخذ حقنا بالتعليم والمضي بمسار أحلامنا الذي رسمناه قبل هذه الحرب".
الأضرار النفسية تثير قلق الطلبة
أما والدة آلاء السيدة أم عدي جندية فتقول لـ"عربي بوست": "إنني أنظر لعيون ابنتي آلاء، ولا أجد ما يمكنني أن أفعله لها، هي تمر بمرحلة نفسية ليست سهلة، ومشاعري كأم تجاه ابنتي هو أن تتمكن من تجاوز هذه المرحلة الصعبة؛ لأنها خائفة على مستقبلها التعليمي من أن يضيع أو يتلاشى".
وتضيف ما تمر به ابنتي آلاء، ليس سهلاً، فهي كانت من أكثر المتفوقات في مدرستها، وكان تحصيلها الدراسي لا يقل عن 95%، وكان طموحها أن تدرس الطب البشري، لذلك هي قلقة جداً على ضياع الثانوية العامة.
أما طالب الثانوية محمد حسنات، المتحدث باسم طلبة فلسطين سابقاً، فأشار إلى أن المشكلة ليست في تحديد موعد لتقديم اختبارات الثانوية العامة، بل إن ما فرضته الحرب من تدمير جزء كبير من المرافق التعليمية وخسارة النخبة من أعضاء الهيئة التدريسية، ستجعل تقديم امتحانات الثانوية هذا العام صعبة ومعقدة.
وأضاف في حديثه لـ"عربي بوست" ناهيك عن الأضرار النفسية التي تسببت بها هذه الحرب، والتي ستؤثر على تحصيل الطلبة، وبالتالي خفض سقف أحلامهم وطموحهم، فعلى صعيدي الشخصي كنت أحلم بدراسة تخصص الطب البشري لخدمة أهلي وأحبابي في غزة، إلا أن الاحتلال صعب عليّ هذا الحلم، نظراً لتدميره الممنهج لمنظومة التعليم الجامعي أيضاً.
من جانبه يشير عماد ثابت، وهو ولي أمر الطالب أنس، إلى أن قدرة ابني أنس على تجاوز ضياع عامه الدراسي ليس سهلاً، لأن ما مر به أنس خلال الأشهر الثمانية من الحرب أثر على قدراته في التفكير واتخاذ القرارات، نظراً لأنه فقد كثيراً من أبناء عمومته وأصيب إخوانه ودمر منزلنا، لذلك أتمنى أن تجد الوزارة حلولاً لمراعاة الظروف النفسية التي يمر بها الطلبة لتجاوز ما مروا به وشاهدوه خلال الحرب.
وفي سياق متصل، قال تقرير للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن إسرائيل دمرت نحو 80 % من مدارس قطاع غزة ما بين هدم كلي وجزئي، وحتى المدارس التابعة للأمم المتحدة تحولت لمراكز إيواء ولا تزال تتعرض لهجمات إسرائيلية مكثفة.
فضلًا عن ذلك فقد سلب الاحتلال حياة آلاف الطلبة، وتعرض عشرات آلاف آخرين لإصابات بالغة، كما سلب الاحتلال نحو 625 ألف طالب وطالبة حقهم في التعليم، ودمر أيضاً منظومة التعليم الجامعي بعد أن قصف ودمر بشكل كلي 6 جامعات في غزة.