يبذل مجموعة من المعلمين في قطاع غزة جهوداً غير عادية من أجل إحياء التعليم في القطاع، الذي توقف منذ أكثر من 7 أشهر بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، والذي قضى على أغلب المدارس والمؤسسات التعليمية، وحولها إما إلى ثكنات عسكرية، أو خراب، أو في أحسن الأحوال ملجأ لآلاف اللاجئين الفارين من هول الحرب.
فقد ارتكبت إسرائيل، من بين فظائع أخرى، "إبادة جماعية تعليمية" في قطاع غزة، حيث هدمت 103 مدارس وألحقت أضراراً جزئية بـ309 مؤسسات تعليمية أخرى، وفقاً للسلطات في غزة.
على الرغم من الدمار والتهجير الشاملين، يواصل الفلسطينيون جهودهم لدعم حقهم في التعليم من خلال مبادرات مختلفة.
وتشهد دير البلح بوسط غزة، واحدة من هذه البرامج، حيث تم نصب خيمة تعليمية، أطلق عليها اسم "اقرأ" بين آلاف المخيمات الأخرى التي تؤوي النازحين داخلياً.
الخيمة التي أنشأها مركز رواد الأمل للتعليم والتدريب، تعاونت مع المعلمين لإدخال البهجة على قلوب الطلاب الذين لم يتمكنوا من الذهاب إلى المدرسة لأكثر من 200 يوم.
"اهتمام كبير"
كان شاكر درة، صاحب مركز رواد الأمل للتعليم والتدريب في غزة، هو من أطلق المشروع لتعليم الأطفال النازحين وطلب الدعم من المؤسسات التعليمية في جميع أنحاء القطاع.
يقول الدرة إن حوالي 1000 طالب في أحد الملاجئ كانوا يخططون لحضور الفصول الدراسية بين الساعة 8 صباحاً حتى 5/6 مساءً.
"ينتظر الأطفال وأسرهم منذ الصباح للتسجيل، هناك اهتمام كبير، نريد دعمهم لهذه الفكرة وهذا المشروع".
كما أضاف: "رغم القصف والدمار والظروف الصعبة في غزة، سنعمل من أجل الحفاظ على حياتنا وتعليم أطفالنا في غزة".
"لا شيء مستحيل"
في الوقت نفسه، تقول معلمة الكيمياء نهى حلس، والتي فازت بجائزة المعلم العالمية لعام 2021، إنها تدعم المشروع الذي يهدف إلى الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الطلاب.
وأشارت حليس إلى أنهم بدأوا رحلتهم بشعار "لا شيء مستحيل".
كما أضافت: "لا نريد أن يبقى الطلاب الفلسطينيون غير متعلمين. أجمل ما في هذه المبادرة أنها تحتضن طلاباً من كافة أنحاء غزة"، ثم أردفت: "إن نجاح المبادرة واضح من الاهتمام الذي أبداه الطلاب، يبدأ الطلاب في الانتظار والاستعداد في الساعة الخامسة صباحاً".
ابقَ متعلماً ومثقفاً
من جهتها، شددت معلمة اللغة العربية أصيل محمود على وجود فجوة كبيرة في تعلم الطلاب بسبب غيابهم عن الفصول الدراسية لمدة 7 أشهر تقريباً.
كما شددت على تحديات التدريس وسط التوترات الشديدة مع عدم وجود موارد تقريباً، قائلة إن ذلك يحد من قدرتهم على توفير التعليم.
وقالت أصيل إن "الشعب الفلسطيني سيبقى متعلماً ومثقفاً كما كان دائماً"، معربة عن أملها في انتهاء الحرب وعودة الطلاب إلى صفوفهم.
"من الجيد الدراسة، حتى في الخيمة"
أما ياسمين، وهي الطالبة في الخيمة، فعبرت عن إصرارها على تلقي التعليم رغم الهجمات الإسرائيلية والظروف الصعبة في غزة.
تقول ياسمين: "نحن نحاول تعويض العام الدراسي المفقود هنا. سوف نستمر في الدراسة، مضيفة: "نحن سعداء للغاية لأنهم فتحوا هذه الخيمة".
وأوضحت ياسمين قائلة: "لقد قمنا بمراجعة اللغة الإنجليزية وغيرها من المواضيع، أنا سعيدة جداً لأنهم جاؤوا وقدموا لنا التعليم".
تحدثت ياسمين أيضاً عن حلمها بأن تصبح طبيبة أطفال، وقالت بهذا الخصوص: "نحن سعداء بتلقي التعليم ولو في خيمة، ونحن مصممون على الاستمرار".
إبادة تعليمية في غزة
يأتي هذا الوضع، بعد أيام من تحذير خبراء أمميين من "إبادة تعليمية متعمدة" في غزة، عقب تدمير أكثر من 80% من مدارس القطاع الذي يتعرض لحرب إسرائيلية مدمرة منذ أكثر من نصف عام.
وقال 19 خبيراً ومقرراً أممياً مستقلاً، في بيان مشترك، إنه "مع تضرر أو تدمير أكثر من 80% من مدارس غزة، قد يكون التساؤل معقولاً عما إذا كان هناك جهد متعمد لتدمير نظام التعليم الفلسطيني بشكل شامل، وهو عمل يعرف باسم الإبادة التعليمية".
كما أوضح الخبراء أن "الهجمات القاسية المستمرة على البنية التحتية التعليمية في غزة لها تأثير مدمر طويل الأمد على حقوق السكان الأساسية في التعلم والتعبير عن أنفسهم بحرية، ما يحرم جيلاً آخر من الفلسطينيين من مستقبلهم"، وفق ما ذكره موقع "أخبار الأمم المتحدة".
ويشير مصطلح "الإبادة التعليمية" إلى المحو الممنهج للتعليم من خلال اعتقال أو احتجاز أو قتل المعلمين والطلاب والموظفين، وتدمير البنية التحتية التعليمية، وفق الموقع.
وذكر البيان حينها أنه "بعد 6 أشهر من الهجوم العسكري على غزة، قتل أكثر من 5.479 طالباً و261 معلماً و95 أستاذاً جامعياً، وأصيب أكثر من 7.819 طالباً و756 معلماً، مع تزايد الأعداد كل يوم. كما لا يحصل ما لا يقل عن 625 ألف طالب على التعليم".
وأشار إلى "تدمير أو تضرر 195 موقعاً تراثياً، بما في ذلك الأرشيف المركزي لغزة الذي يحتوي على 150 عاماً من التاريخ، إضافة إلى 227 مسجداً و3 كنائس".
كما تضررت أو دمرت 13 مكتبة عامة، وهدم الجيش الإسرائيلي جامعة "الإسراء" في 17 يناير/كانون الثاني الماضي، وهي آخر جامعة متبقية في غزة، وفق البيان.
وأكد الخبراء أن "مدارس الأمم المتحدة التي تؤوي المدنيين النازحين قسراً تتعرض للقصف، بما في ذلك في المناطق التي حددها الجيش الإسرائيلي على أنها آمنة".
ثم شددوا على أن تلك الهجمات "ليست حوادث معزولة، وإنما تمثل نمطاً ممنهجاً من العنف يهدف إلى تفكيك أسس المجتمع الفلسطيني".
وقال الخبراء إنه "عند تدمير المدارس، يتم تدمير الآمال والأحلام كذلك". وأضافوا: "نحن مدينون لأطفال غزة بدعم حقهم في التعليم وتمهيد الطريق لمستقبل أكثر سلاماً وعدلاً".
وخلفت الحرب الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، معظمهم أطفال ونساء، ودماراً هائلاً، ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين، حسب بيانات فلسطينية وأممية.
وتواصل إسرائيل حربها رغم صدور قرار من مجلس الأمن بوقف القتال فوراً، ورغم طلب محكمة العدل الدولية منها اتخاذ تدابير فورية لمنع وقوع "إبادة جماعية"، وتحسين الوضع الإنساني بغزة.