تسارع تل أبيب الزمن في محاولة لمنع صدور مذكرات اعتقال بحق قادة في أعلى السلم السياسي والأمني لدولة الاحتلال، على إثر الجرائم التي ارتكبت وما زالت ترتكب في قطاع غزة منذ بدء الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2024.
صحيفة معاريف الإسرائيلية أكدت أن نتنياهو "خائف ومتوتر بشكل غير عادي" من احتمال صدور مذكرة اعتقال وشيكة، حيث تعتقد مصادر مقربة أن أوامر الاعتقال هي مسألة وقت فقط، وستصدر بشكل رئيسي بحقه، وحق وزير الجيش يوآف غالانت وقائد الجيش أفيف كوخافي.
في أعقاب هذا القلق الكبير، أصدر وزير خارجية الاحتلال إسرائيل كاتس تعليماته إلى جميع السفارات الإسرائيلية في العالم بالاستعداد الفوري لاندلاع ما سماها "موجة شديدة معادية لليهود ومعادية لإسرائيل ومعادية للسامية في العالم"، حسب قوله.
جهود دولية ودور واشنطن
من جانبها، قالت صحيفة "The Times of Israel" الإسرائيلية إن تل أبيب تبذل جهوداً "منسقة" لإحباط خطط المحكمة الجنائية الدولية لإصدار أوامر اعتقال ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وغيره من كبار المسؤولين الإسرائيليين، وأن هذه الجهود يقودها "مجلس الأمن القومي" للاحتلال.
أما موقع "والا" الإخباري فقد أكد أن نتنياهو يقود "ماراثوناً" من المكالمات الهاتفية، في محاولة للضغط على كل من له صلة بهذه المسألة، مع التركيز على الدور المهم للرئيس الأمريكي جو بايدن في ثني المحكمة عن خطوتها المرتقبة.
ومساء الأحد، تحدث الرئيس الأمريكي جو بايدن في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهي المكالمة الأولى منذ 17 أبريل/نيسان، وذلك بعد أن أطلقت إيران صواريخ وطائرات مسيرة باتجاه إسرائيل، بحسب ما أكدت رويترز.
فيما ذكر موقع "Middle East Eye" البريطاني أن الولايات المتحدة تعمل بشكل حثيث على منع إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
إدخال مساعدات أكثر
وبحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، فإن التركيز الرئيسي لادعاءات المحكمة الجنائية الدولية هو أن إسرائيل "قامت بتجويع الفلسطينيين عمداً في غزة"، وعليه فإن تل أبيب ستركز على إظهار اهتمامها بإدخال مساعدات أكثر لقطاع غزة.
حيث قدم المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الدولي، نداف شوشاني، إحاطة نادرة للصحفيين الأجانب حول دعم إسرائيل للرصيف الإنساني المؤقت الذي تنشئه أمريكا قبالة غزة، في إشارة إلى أن تل أبيب تفعل ما في وسعها لإدخال المساعدات لغزة.
وقد أعلن جيش الاحتلال مساهمته في "توفير الدعم الأمني واللوجستي" للمبادرة الأمريكية التي تشمل بناء رصيف عائم مؤقت على شواطئ قطاع غزة.
هذه ما أكدته أيضاً صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، حيث قالت إن الخوف من مذكرات الاعتقال الدولية سيدفع الاحتلال لفتح الباب لأوسع مساعدات تدخل لغزة منذ بداية الحرب.
فيما ادعى العميد دانيال هاغاري في تصريحه لوسائل الإعلام الأجنبية الأحد، أنه "في الأسابيع الأخيرة، زادت كمية المساعدات الإنسانية المنقولة إلى قطاع غزة بشكل ملحوظ. وفي الأيام المقبلة، سوف تستمر كمية المساعدات التي سيتم تسليمها إلى غزة بشكل أكبر. الغذاء والماء والمعدات الطبية ومعدات المأوى وغيرها من المساعدات. يتم تسليم مساعدات إلى قطاع غزة أكثر من أي وقت مضى"، كما قال.
كما أعلنت منظمة "المطبخ العالمي المركزي" الخيرية الدولية، مساء الأحد، أنها استأنفت عملياتها بقطاع غزة رغم "الحزن" على مقتل 7 من موظفيها مؤخراً في هجوم إسرائيلي.
وقالت المنظمة الدولية، في بيان، لقد "قررنا استئناف عملياتنا في غزة رغم حزننا على مقتل 7 من أصدقائنا وزملائنا بهجوم إسرائيلي في الأول من أبريل/نيسان".
جاء بيان المنظمة بعد ساعات قليلة من اتصال هاتفي بين نتنياهو وبايدن، حيث قالت صحيفة معاريف إن بايدن طالب نتيناهو خلال المكالمة بضرورة التعاون مع المنظمات الإنسانية في غزة.
ومطلع أبريل/نيسان الجاري، استهدف الجيش الإسرائيلي قافلة "المطبخ العالمي" بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، ما أسفر عن مقتل 7 أشخاص يحملون جنسيات أستراليا وبولندا وبريطانيا والولايات المتحدة وكندا وفلسطين.
بعد ذلك أعلنت المنظمة تعليق عملياتها لنقل المساعدات الإنسانية في غزة، معربة عن شعورها "بالصدمة" لمقتل 7 من أعضاء فريقها في غارة للجيش الإسرائيلي على غزة.
وجراء الحرب وقيود إسرائيلية، بات سكان غزة ولا سيما محافظتي غزة والشمال على شفا مجاعة، في ظل شح شديد في إمدادات الغذاء والماء والدواء والوقود، مع نزوح نحو مليوني فلسطيني من سكان القطاع الذي تحاصره إسرائيل منذ 17 عاماً ويسكنه نحو 2.3 مليون فلسطيني في أوضاع كارثية.
مرونة مفاجئة بالمفاوضات
إلى ذلك، أثيرت تساؤلات حول المرونة الكبيرة التي أبدتها تل أبيب في الاقتراح الأخير، على الرغم من موقف نتنياهو المتعنت منذ أشهر والذي منع إبرام اتفاق لأكثر من مرة خلال الأشهر الأخيرة، بحسب ما أكدت وسائل إعلام إسرائيلية آنذاك.
صحيفة "معاريف" الإسرائيلية قالت إن خوف نتنياهو من قرارات محكمة الجنايات الدولية هو السبب في ذلك.
وكذلك موقع واللا العبري أكد الأحد ما ذهبت إليه صحيفة معاريف السبت من أنه ليس من المستبعد أن تكون المرونة التي تبديها تل أبيب في قضية صفقة التبادل "إجراء وقائياً" يستبق قرارات محكمة الجنايات الدولية.
يأتي هذا على الرغم من أن المفترح الجديد دفع وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، لتهديد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بحل الحكومة.
حيث وجَّه سموتريتش، وهو رئيس حزب "الصهوينية الدينية"، حديثه لنتنياهو قائلاً: "الموافقة على الصفقة المصرية هي استسلام مذل، وتمنح النصر للنازيين على حساب مئات جنود الجيش الإسرائيلي الأبطال الذين سقطوا في المعركة"، حسب قوله.
وقد سبق أن هدد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أيضاً بالانسحاب من الحكومة إن تم إقرار المقترح المصري الأخير.
وفي وقت متأخر ليل الأحد، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عمن وصفته بمسؤول رفيع في حركة حماس تأكيده أن لا عقبات كبيرة تقف في وجه المقترح الأخير حول اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة.
يأتي ذلك بعدما أعلنت حركة حماس تسلمها المقترح الأخير للاتفاق، والذي تمت صياغته في تل أبيب بحضور وفد أمني مصري، الجمعة.
وشمل الاقتراح الجديد بحسب ما نقل موقع "واللا" الإخباري الإسرائيلي عن مسؤول في تل أبيب مطالب حماس، حيث إنها المرة الأولى التي تعرب فيها تل أبيب عن استعداد ضمني لمناقشة إنهاء الحرب في غزة في المراحل المقبلة من المفاوضات.
وتضمن الاقتراح الجديد الاستجابة لمطالب حماس الأساسية، مثل الاستعداد لإعادة النازحين الفلسطينيين إلى منازلهم بالكامل، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من الممر الذي يعبر القطاع، والاستعداد للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، وذلك في إطار تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاقية.
وتقدر تل أبيب وجود 133 أسيراً إسرائيلياً في غزة، فيما أعلنت "حماس" مقتل 70 منهم في غارات عشوائية شنتها إسرائيل، التي تحتجز في سجونها ما لا يقل عن 9 آلاف و500 فلسطيني.
ومنذ أشهر، تقود مصر وقطر والولايات المتحدة مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وحماس، وسط اتهامات متبادلة بين الحركة وتل أبيب بالمسؤولية عن تعثرها.
وخلفت الحرب الإسرائيلية المدمرة على غزة خلفت أكثر من 112 ألف قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة ودماراً هائلاً، حسب بيانات فلسطينية وأممية.
وتواصل إسرائيل هذه الحرب رغم صدور قرار من مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار فوراً، وكذلك رغم مثولها للمرة الأولى أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب "إبادة جماعية".