كشفت وثيقة سرية نشرت تفاصيلها وسائل إعلام إسبانية، الإثنين 29 أبريل/نيسان 2024، عن استراتيجية جديدة وضعها حلف شمال الأطلسي تهم منطقة الساحل وشمال أفريقيا والشرق الأوسط، وقالت إنه يضع عليها اللمسات الأخيرة ولقيت ترحيباً من دولتين عربيتين.
يأتي ذلك بعد أن أعلن "الناتو" على موقعه الرسمي في شهر مارس/آذار الماضي، أن مجموعة الخبراء المستقلة المعنية لدعم تفكير الحلف في جواره الجنوبي قدمت تقريرها النهائي إلى الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ.
حيث تعاونت المجموعة مع مجلس "الناتو" وأطلعت الممثلين الدائمين على النتائج الرئيسية التي توصلوا إليها، ويقترح التقرير توصيات ملموسة لتشكيل نهج حلف شمال الأطلسي تجاه الجنوب، وخاصة مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والساحل.
خطوة "غير مسبوقة" من حلف شمال الأطلسي
صحيفة "Elpais" الإسبانية قالت في تقرير لها إن حلف "الناتو" وفي خطوة "غير مسبوقة"، يضع اللمسات الأخيرة على استراتيجيته لمنطقة الساحل وشمال أفريقيا والشرق الأوسط.
كما أوضحت أنه ضمن خارطة الطريق الجديدة هذه، يدرس حلف شمال الأطلسي فتح بعثات تدريبية واستشارية لدى بعض شركائه في تلك المناطق، بناء على طلباتهم.
وتم استلهام فكرة البعثات التدريبية والاستشارية من التجربة التي تم تطبيقها في العراق منذ سنوات، وقالت مصادر دبلوماسية للصحيفة الإسبانية إن الأردن وموريتانيا "يتقبلان" الفكرة.
هذه الخطوة تأتي في ظل جو من عدم الاستقرار في جميع أنحاء الجوار الجنوبي، وفي ظل استمرار توسع النفوذ الروسي والضغط الصيني في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل.
كما أن حلف شمال الأطلسي، الذي يُنظر إليه في معظم تلك البلدان على أنه منظمة تتحرك بمعايير مزدوجة وتسعى فقط إلى تحقيق مصالح دول الشمال، يدرس زيادة الحوار السياسي والدبلوماسي، والترويج لسردية جديدة.
يأتي التوجه الجديد أيضاً في ظل أوضاع مضطربة في منطقة الشرق الأوسط بسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، والذي يهدد باندلاع صراع إقليمي يشمل المنطقة بأسرها.
فيما تعيش معظم منطقة الساحل في أفريقيا على وقع تهديدات من قِبَل الجماعات المتشددة وسيطرة المجالس العسكرية في بعض البلدان التي فضلت التقارب أكثر مع روسيا على حساب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وأشارت صحيفة "El Pais" إلى أن مهمات المساعدة العسكرية الغربية في منطقة الساحل كانت النتائج مشكوكاً فيها للغاية، وكان الكرملين يحتل تلك المساحة من سوريا إلى منطقة الساحل، مستفيداً من التوترات والأخطاء والتهديدات.
ما الذي دفع الحلف لهذا التغيير؟
وفق التصور الجديد الذي قدمه خبراء "الناتو"، فإن أمن الحلف يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأمن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة الساحل، حيث تسود تحديات اقتصادية وسياسية وديموغرافية هائلة.
وتتفاقم هذه المشكلة بسبب أزمة المناخ وانعدام الأمن الغذائي، حسبما تشير مصادر التحالف المشاركة في النقاش حول الاستراتيجية الجديدة. ويؤدي عدم الاستقرار إلى نزوح السكان الضعفاء وضغوط الهجرة التي تعبر المنطقة.
لمواجهة هذه التحديات، يبحث الناتو عن "مناهج جديدة"، كما يقول مصدر في الحلف لـ"Elpais"، ويعتقد أن المساهمة في استقرار الشركاء في المنطقة ستساهم أيضاً في أمنهم.
بحسب الوثيقة السرية التي اطلعت عليها الصحيفة الإسبانية، فإن الاستراتيجية الجديدة التي قدمتها مجموعة مؤلفة من 11 خبيراً مستقلاً، أوصوا بإنشاء هذه المهام التدريبية والتعليمية والممارسات الجيدة وبرامج الإصلاح العسكري القطاع.
هذه المهام المستوحاة من التجربة العراقية، تعمل مع العسكريين والمدنيين في برامجهم التدريبية وتقدم المشورة للمؤسسات العراقية بشأن السياسات والاستراتيجية وتأسيس القوات وتطويرها وإدارة الموارد والسلام والأمن.
توصيات الخبراء بشأن الشرق الأوسط
وتقترح الوثيقة، التي لا تزال سرية، تعيين مبعوث خاص لحلف شمال الأطلسي إلى المنطقة الجنوبية، وإنشاء تمثيل سياسي في الاتحاد الأفريقي لاستكمال مكتب الاتصال العسكري الموجود بالفعل، وتعزيز التعاون في مجال الأمن البحري ضد القرصنة.
بالإضافة إلى ذلك، توصي بدراسة إنشاء مركز للتعامل مع التلاعب والتدخلات الخارجية ومركز آخر للمناخ والأمن في شمال أفريقيا، حيث يمكن تبادل الخبراء.
أمام بخصوص الأزمة في الشرق الأوسط، فيوصي الخبراء بأن يدعم حلف شمال الأطلسي أيضاً التزامه تجاه حل الدولتين وأن يدعم جهود السلام لتنفيذ هذا الحل.
وأضاف الخبراء أنه في إطار حل طويل الأمد، يمكن دعوة السلطة الفلسطينية للمشاركة بصفة مراقب في أنشطة الحوار المتوسطي، وهو منتدى للتعاون بين التحالف وسبع دول متوسطية.
حسب الصحيفة الإسبانية، فإن حلف شمال الأطلسي يؤجل منذ فترة طويلة النقاش حول استراتيجيته في الجهة الجنوبية، وسط عدم اهتمام بعض شركائه الذين يتطلعون فقط نحو روسيا والصين.
بينما تحاول دول أخرى منذ سنوات لفت الانتباه إلى المنطقة، مثل إيطاليا والبرتغال وإسبانيا، التي انضمت إلى حلف الأطلسي منذ عام 1982، والتي تعتبر منطقة شمال أفريقيا والساحل استراتيجية بالنسبة لها.
تجدر الإشارة إلى أن المجموعة التي قدمت هذا التصور الجديد للتعامل مع دول الجنوب، والتي تأسست في أكتوبر/تشرين الأول 2023، تألفت من أحد عشر خبيراً.
وشاركت المجموعة في إعداد تقريرها مع كبار الموظفين المدنيين والعسكريين في الحلفاء، وشركاء الناتو في الجوار الجنوبي، بالإضافة إلى خبراء من الأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني.
وقدم وزراء خارجية الحلفاء تعليقاتهم على التقرير النهائي للمجموعة خلال اجتماعهم بداية شهر أبريل/نيسان الجاري، وبعد ذلك سيقدم الأمين العام مقترحات ملموسة إلى الحلفاء.
والهدف من ذلك هو الاتفاق على مجموعة من الإجراءات لتعزيز نهج الناتو تجاه جواره الجنوبي في الوقت المناسب قبل انعقاد قمة رؤساء الناتو في واشنطن في يوليو/تموز المقبل.