على بعد أكثر من 10 آلاف كيلومتر من العاصمة البريطانية لندن ووسط أدغال القارة الافريقية، اختارت حكومة المملكة المتحدة فندقاً يُطلق عليه أصحابه اسم "الأمل"، لإيواء اللاجئين والمهاجرين الذين يتم ترحيلهم من بريطانيا ليقيموا فيه على أمل الحصول على حق اللجوء في إحدى الدول الأوروبية أو إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية.
مساء الإثنين 22 أبريل/نيسان 2024، وافق البرلمان البريطاني على القانون المثير للجدل الذي يسمح ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا من بريطانيا، حيث ستتم مراجعة طلبات اللجوء، بعد أكثر من سنتين على طرحه للنقاش.
فيما أكد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، أنه سيتم تنفيذ خطط ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا "مهما حدث"، وقال سوناك: "لقد طفح الكيل، كفى المزيد من المراوغة، وكفى المزيد من التأخير، لا استثناءات أو تحفظات، هذه الرحلات ستتجه إلى رواندا مهما حدث".
مصادقة مجلس العموم البريطاني على القانون أعادت مجدداً إلى الواجهة المكان الذي سيخصص لإيواء اللاجئين والمهاجرين في رواندا، ويتعلق الأمر بنزل أو فندق الأمل "Hope Hostel" قرب العاصمة الرواندية كيغالي، والذي له رمزية خاصة في البلاد.
طرد أيتام حرب الإبادة الجماعية
"ليس فندق 5 نجوم، لكنه ليس مكب نفايات أيضاً"، هكذا وصف تقرير لشبكة "CNN" الأمريكية "نزل الأمل" في كيغالي، وقال إن المنشأة تم تجديدها ومكونة من 50 غرفة في حي كاجوجو في العاصمة كيغالي، ويحتوي على أسرة جديدة والكثير من الكاميرات الأمنية الجديدة، استعداداً لمهمته الجديدة.
فبعد استضافته لما يقرب من ثلاثة عقود الطلاب الناجين من حرب الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، سيكون "نزل الأمل" الموطن الأول للمهاجرين واللاجئين المرحلين من المملكة المتحدة، بعد أن وافق مجلس العموم البريطاني على الخطة التي أقرتها الحكومة.
يقول المقيمون السابقون في نزل في رواندا، والذين أُجبروا على المغادرة بموجب الصفقة المثيرة للجدل مع بريطانيا، إنهم أصبحوا بلا مأوى ومعدمين بينما ظلت غرف النزل غير مستخدمة، وفق ما نقلته عنهم صحيفة "The Guardian" البريطانية.
الصحيفة البريطانية أشارت إلى أن جميع الرجال هم ناجون من الإبادة الجماعية في رواندا، وعاشوا في فندق الأمل في كيغالي لمدة تصل إلى ثماني سنوات.
لكن طُلب منهم الإخلاء بعد يومين من توقيع، بريتي باتيل، وزيرة الداخلية البريطانية السابقة، على اتفاقية بقيمة 120 مليون جنيه إسترليني لإرسال اللاجئين الذين يصلون إلى المملكة المتحدة على متن قوارب صغيرة إلى الدولة الواقعة في شرق افريقيا.
كان بعض المقيمين السابقين في الفندق لا يزالون طلاباً ويقولون إنهم فقدوا عائلاتهم في الإبادة الجماعية وليس لديهم مكان يذهبون إليه.
قال أحد المقيمين السابقين منذ ثماني سنوات: "لا نعرف ماذا نفعل. ويقول المسؤولون الحكوميون علناً إنهم سيساعدوننا، لكن لم تصلنا أي مساعدة إضافية، نحن قلقون للغاية ونعاني.. يؤلمني أن أرى أن الفندق لا يزال فارغاَ بينما نحن في الشارع بلا مأوى".
طرد تعسفي وإخلاء "قاسٍ"
فيما قالت امرأة كانت تعيش في الملجأ منذ ثماني سنوات لصحيفة "The Independent" البريطانية: "بالكاد أعرف أي منزل آخر، لقد تم إخباري بالرحيل منذ بضعة أيام فقط. لم أقرر إلى أين سأذهب".
كما ذكرت الصحيفة أن من بين الأيتام امرأة ولدت قبل أسابيع من مقتل والديها في الصراع الذي شهد ذبح ما يصل إلى 800 ألف من التوتسي. وانتقدت أحزاب المعارضة خطة طرد الأيتام المستضعفين الذين هم الآن في أواخر العشرينات من عمرهم.
إذ قال أليستر كارمايكل، عضو البرلمان عن حزب الديمقراطيين الأحرار والمتحدث باسم الشؤون الداخلية للحزب، إن خطوات الإخلاء كانت "قاسية وقاسية".
كما أضاف: "كان الاقتراح صادماً بما فيه الكفاية، لكن إخلاء الروانديين الآن أمر مروع، بدلاً من فتح طرق آمنة وقانونية لطالبي اللجوء، عادت بريطانيا إلى الأساليب القاسية القاسية".
لكن عمليات الإخلاء المبلغ عنها تم وصفها من قبل الحكومة الرواندية بأنها "أخبار كاذبة".
حيث غردت المتحدثة باسم الحكومة يولاند ماكولو: "لقد انتهت الإبادة الجماعية ضد التوتسي قبل 28 عاماً. لقد كان هذا الفندق فارغاً تقريباً خلال السنوات الخمس الماضية، وقد تم إخراج المستأجرين القلائل المتبقين ويتم تسهيل انتقالهم إلى حياة جديدة".
"نزل الأمل" جاهز لاستقبال اللاجئين
أصبح "نزل الأمل" جاهزاً منذ فترة لاستقبال المهاجرين غير المرغوب فيهم في بريطانيا، والآن، بعد أن وافق برلمان المملكة المتحدة على التشريع، تريد الحكومة الرواندية ملء الغرف والقاعات الفارغة للنزل في غضون أسابيع.
تراجعت رواندا إلى حد كبير وشاهدت الجدل القانوني في بريطانيا حول الخطة المثيرة للجدل لترحيل طالبي اللجوء إلى هذه الدولة الواقعة في شرق أفريقيا.
وقد وضعت محاكم المملكة المتحدة سجل حقوق الإنسان في كيغالي في دائرة الضوء من خلال المطالبة بمزيد من الحماية لأولئك الذين يتم إرسالهم إلى هنا.
يقول تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "BBC" نُشر الثلاثاء 23 أبريل/نيسان 2024، بينما كانت الحكومة البريطانية تُقنع مجلس العموم للموافقة على خطتها، استعدت رواندا بدقة لوصولهم منذ يونيو/حزيران 2022، بعد شهرين من الاتفاق على الصفقة.
خلال جولة الهيئة البريطانية في "نزل الأمل" قالت إنه تم تصميم غرف النوم بعناية، وتم تأثيثها بتفاصيل مثل سجادات الصلاة ولوازم الاستحمام.
بينما يقوم البستانيون بتقليم سياج الأراضي الخضراء المورقة التي تضم ملعباً لكرة القدم وملعباً لكرة السلة، فيما ينشغل الطهاة وعمال النظافة بأداء سريالي لواجباتهم.
هناك أيضاً خيمة بها صفوف من الكراسي في انتظار معالجة طلبات المهاجرين للحصول على اللجوء في رواندا. عند وصولهم، سيتشارك مهاجران في كل غرفة، مع وجود حمامات مشتركة ومناطق لغسل الملابس في كل طابق.
"بي بي سي" نقلت عن مدير النزل، إسماعيل باكينا، أن النزل جاهز لبدء العمليات في أي لحظة، وأوضح قائلاً: "حتى لو وصلوا الآن، اليوم وليس غداً، فإننا قادرون على إيوائهم.. نحن نحافظ على جاهزيتنا بنسبة 100%".
من خلال نوافذ النزل يمكن رؤية التلال المتموجة في أحياء كيغالي الأنيقة، "إنها مدينة جميلة وشوارعها منظمة وآمنة من الجريمة" يقول تقرير "بي بي سي"، ويضيف: "رواندا تعمل" هو شعار البلاد.
تكلفة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا
بعد تأجيل لأسابيع، أقر البرلمان البريطاني مشروع قانون مثير للجدل يتيح للحكومة أن ترحلّ إلى رواندا طالبي لجوء وصلوا إلى المملكة المتحدة بطريقة غير نظامية، وينتظر أن يدخل المشروع حيّز التنفيذ بمجرد أن يصادق عليه الملك.
تم تمرير هذا التشريع، بعد سعي حثيث من رئيس الوزراء ريشي سوناك وحزب المحافظين الحاكم، لإجبار القضاة على اعتبار رواندا الواقعة في شرق أفريقيا دولة ثالثة آمنة، ما سمح بتمرير نص تشريع يمنح الوزراء صلاحية التغاضي عن أجزاء من القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان البريطاني.
مع العلم أن الحكومة البريطانية لجأت لإقرار هذا التشريع ردّاً على حكم أصدرته المحكمة العليا العام الماضي واعتبرت فيه أنّ ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا مخالف للقانون الدولي.
فيما تعهد سوناك، بالبدء في إرسال طالبي لجوء إلى رواندا في غضون عشرة أسابيع، على أن تنظّم رحلات بشكل دوري لترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا خلال الصيف وبعده، "إلى أن تتوقف القوارب" التي تصل إلى المملكة المتحدة وعلى متنها طالبو لجوء.
كما أعلن رئيس الوزراء البريطاني أنّ الحكومة جهّزت مطاراً وحجزت طائرات تجارية مستأجرة للرحلة الأولى.
حسب تقديرات مكتب الوطني لمراجعة الحسابات بأنّ ترحيل أول 300 مهاجر سيكلّف المملكة المتحدة 540 مليون جنيه استرليني (665 مليون دولار) أي ما يعادل حوالي مليوني جنيه إسترليني لكل شخص.
فيما أثار ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا الكثير من ردود الفعل الرافضة له، فعدا عن الأصوات التي ارتفعت داخل بريطانيا وأدت إلى تأجيل تمرير مشروع القانون لأسابيع، أثارت مصادقة البرلمان البريطاني على مشروع قانون ترحيل اللاجئين العديد من ردود الفعل.
فقد تعالت أصوات مطالبة بالتراجع عنه، منها الأمم المتحدة ومجلس أوربا، اللذان دعوا بريطانيا، إلى إعادة النظر في ترحيل المهاجرين غير النظاميين إلى رواندا. وحذرت المنظمة الأممية من أنه يهدد سيادة القانون ويشكّل سابقة عالمية محفوفة بالمخاطر، خاصة على حقوق الإنسان وحماية اللاجئين.
كما يثير هذا القانون المخاوف من أن يفتح الباب أمام تبني قوانين مماثلة في العديد من الدول الأوروبية التي لا تنشد فقط الحد من الهجرة غير النظامية، بل تعتمد أحزاب عدة وخاصة منها اليمينية والمحافظة على ملف الهجرة كورقة انتخابية.