علم "عربي بوست" من مصادر إيرانية مطلعة، أن هناك محاولات من جانب الولايات المتحدة للوساطة بين إيران وإسرائيل، من أجل خفض احتمالات تصاعد الصراع بين الجانبين، خاصةً بعد أن علمت إدارة جو بايدن -من خلال تقارير استخباراتية أمريكية- أن طهران تسعى للرد على الهجوم الإسرائيلي على السفارة الإيرانية بالعاصمة السورية دمشق في بداية الشهر الجاري.
وقال مسؤول إيراني رفيع المستوى مطلع على ما يحدث لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته نظراً لحساسية الموضوع، "تلقت طهران من واشنطن رسالة تطلب منها الموافقة على الوساطة لحل الأزمة الحالية".
واشنطن تتوسط لوقف رد طهران مقابل عدم الاستهداف الإسرائيلي
وفيما يتعلق بمحتوى الرسالة الأمريكية إلى إيران، يقول دبلوماسي إيراني رفيع المستوى لـ"عربي بوست"، "الرسالة الأمريكية وصلت إلى طهران عبر الوسيط العماني، وتطلب فيها واشنطن من طهران عدم القيام بأي رد انتقامي على هجوم السفارة، مقابل ضمانها إقناع نتنياهو بعدم استهداف أي قادة إيرانيين في سوريا بعد الآن".
وبحسب المصدر ذاته، فإن واشنطن أخبرت طهران بأنها قادرة على التفاوض مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من أجل ضمان عدم استهداف إسرائيل لأي شخصيات إيرانية في سوريا، مقابل ألا تقوم طهران بأي رد علني ومباشر ضد تل أبيب انتقاماً لهجوم دمشق.
وقال الدبلوماسي الإيراني لـ"عربي بوست": "تسلمت الخارجية الإيرانية الرسالة الأمريكية وسلمتها إلى مكتب المرشد الأعلى، لبحثها ومناقشة عرض الوساطة الأمريكية".
شرط وقف إطلاق النار في غزة
عندما تسلّم مكتب المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي الرسالةَ الأمريكية، دارت مناقشات بين خامنئي وكبار المسؤولين في الحرس الثوري والدوائر السياسية المقربة منه، حول كيفية الرد الإيراني على العرض الأمريكي.
وقال المسؤول الإيراني البارز، والذي كان حاضراً في هذه الاجتماعات لـ"عربي بوست": "خامنئي طلب أن تقوم وزارة الخارجية بالرد على العرض الأمريكي، لكن بالشروط الإيرانية".
وأضاف: "طلب خامنئي أن تقوم واشنطن بضمان عدم استهداف القادة الإيرانيين في سوريا، وعدم استهداف قادة حزب الله في لبنان، بالإضافة إلى وقف إطلاق النار في غزة".
وبحسب المصدر، فإن المطالب الإيرانية تتضمن أيضاً عدم استهداف الولايات المتحدة ولا إسرائيل لأي من حلفاء إيران في المنطقة، وعدم تدخل واشنطن لحماية إسرائيل.
وبحسب المتحدث فإن لدى خامنئي نية إيجابية في قبول العرض الأمريكي، حال وافقت إدارة جو بايدن على المطالب الإيرانية، فيقول: "إدارة بايدن لديها النية للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، وتهدئة التوترات في المنطقة".
رفض الحرس الثوري للعرض الأمريكي
بالرغم من أن المرشد الأعلى الإيراني وافق من حيث المبدأ على الوساطة الأمريكية بين طهران وإسرائيل، بشرط أن تتعهد الإدارة الأمريكية بتنفيذ إسرائيل للمطالب الإيرانية المذكورة سابقاً، فإن قادة الحرس الثوري الإيراني قلقون من العرض الأمريكي.
يقول مصدر مطلع في الحرس الثوري الإيراني، لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته، "قادة الحرس الثوري قلقون من أن يكون هدف الأمريكان هو تعطيل الرد الإيراني لحماية إسرائيل، وتوريط إيران أكثر وأكثر"، على حد تعبيره.
وأضاف المتحدث قائلاً "قادة الحرس الثوري يرون أهمية تنفيذ الرد الإيراني، لأنهم يعتقدون أن إسرائيل تمادت في وقاحتها ضد إيران، كما أنهم يخشون من فكرة أن تتمادى إسرائيل أكثر وأكثر"، بحسب وصفه.
وبحسب المصادر الإيرانية التي تحدثت لـ"عربي بوست"، في هذا التقرير، فقد أبلغ قادة الحرس الثوري الإيراني، المرشد الأعلى علي خامنئي بضرورة تنفيذ ضربة إيرانية انتقامية، حتى إن وافق على العرض الأمريكي.
فيقول المصدر بالحرس الثوري: "قادة الحرس الثوري يفكرون في أنه حتى إن وافقت واشنطن على المطالب الإيرانية، وأهمها وقف إطلاق النار في غزة، فلا بد أن يكون هناك رد إيراني حتى وإن كان محدوداً".
ضرورة استعادة قوة الردع الإيرانية
تتعرض القيادة العليا في طهران لضغوطات كبيرة من حلفائها وقاعدتها الجماهيرية، بسبب التمسك بسياسة "الصبر الاستراتيجي" في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية حتى الآن.
وفي هذا الصدد، يقول المسؤول الإيراني المطلع لـ"عربي بوست"، "هناك تقارير وخطابات تم رفعها إلى مكتب المرشد الأعلى، تطالبه بضرورة توجيه ضربة إيرانية ضد إسرائيل، وكبار المسؤولين في طهران، والمؤيدون للقيادة العليا يرون أن صبر طهران على إسرائيل أدى إلى استغلال الأخيرة لهذا الصبر بشكل مهين للجمهورية الإسلامية"، على حد وصفه.
وأضاف المتحدث: "إسرائيل تستغل هذا الصبر، وتستغل الضغوط الداخلية في إيران لتعزيز قدرتها على مهاجمتنا، وتوجية ضربة قوية لقوة الردع الإيرانية".
كما أشار المصدر ذاته إلى أن هدف إسرائيل من الهجمات على القادة العسكريين الإيرانيين في سوريا هو تدمير الحلقات الأقوى في محور المقاومة الذي تقوده إيران في المنطقة.
وأضاف لـ"عربي بوست": "ليس أمام إيران سوى الرد، فعدم الرد واللجوء إلى سياسة الصبر الاستراتيجي سيفتح الباب أمام إسرائيل لمواصلة ضغطها على إيران".
مكسب لإيران وغزة.. ولكن
وفيما يتعلق بالعرض الأمريكي، يقول المسؤول الإيراني المطلع لـ"عربي بوست": "إذا نجح الأمريكان في تنفيذ المطالب الإيرانية فسيكون الأمر جيداً بالنسبة لنا ولغزة، ولكن هذا لا يمنع توجيه ضربة محدودة ضد الأهداف الإسرائيلية من أجل حفظ ماء الوجه لطهران، ومنع غضب القاعدة الجماهيرية المؤيدة للنظام".
وعلى ما يبدو أن القيادة الإيرانية قلقة للغاية، سواء وافقت على العرض الأمريكي بشروطها، أو اتجهت إلى تنفيذ انتقامها من الهجوم الإسرائيلي على سفارتها في دمشق، والذي أدى إلى مقتل القائد البارز في فيلق القدس محمد رضا زاهدي وآخرين.
وفي حديثه لـ"عربي بوست"، يقول خبير السياسات الخارجية حميد علي رضا، المقرب من دوائر صنع القرار في إيران: "إيران بين نارين، الوضع صعب وما يحدث هو حرب بقاء، فهجوم إسرائيل على السفارة الإيرانية بمثابة إعلان حرب مباشر ضد طهران، ورسالة تهديد إسرائيلية قوية، مفادها أنه لا يوجد قائد إيراني آمن، أو ليس موجوداً على قائمة الاغتيالات الإسرائيلية".
وأضاف المتحدث: "وفي حالة ردت إيران أو لم ترد على تطاول إسرائيل، فإن الأراضي الإيرانية مهددة، وهذا عكس ما تهدف إليه الاستراتيجية الإيرانية، والتي تم تأسيسها وتنفيذها خلال السنوات الطويلة الماضية، وهي: تجنب أي صراع يمكن أن يؤدي إلى استهداف الأراضي الإيرانية وتهديد الجمهورية الإسلامية".