كشف تقرير لوكالة Associated Press الأمريكية، الإثنين 8 أبريل/نيسان 2024، عن جانب من مآسي أمهات فلسطينيات بقطاع غزة، رُزقوا بأولاد في اليوم الأول من الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولم يعرف أبناؤهم سوى الحرب والدمار بسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع.
ففي صباح يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، انطلقت الصواريخ في سماء غزة بينما كانت أمل الطويل مُسرِعةً في طريقها إلى المستشفى بمخيم النصيرات للاجئين القريب، وكان المخاض قد جاءها بالفعل. وبعد ولادة عسيرة، تمكَّنت أخيراً هي وزوجها، مصطفى، من حمل عليّ، الطفل الذي أمضيا ثلاث سنوات يحاولان الحصول عليه.
وانفجر ماء الرحم لدى رولا صقر في ذلك اليوم حين كانت تحتمي من الغارات الجوية الإسرائيلية في مدينة بيت لاهيا. وظلَّت هي وزوجها، محمد زقوت، يحاولان إنجاب طفل لخمس سنوات، وحتى الانفجارات المروعة في كل مكانٍ حولهما لم تمنعهما من الذهاب إلى المستشفى لإنجاب طفلتهما، ماسة، تلك الليلة.
العالم تغير في غزة
خرجت هاتان الأسرتان من المستشفى لتجدا العالم قد تغيَّر. ففي اليوم الثاني من حياة الطفلين، أعلنت إسرائيل الحرب على حماس، وانقضت مقاتلاتها فوق الحيين اللذين كان من المفترض أن يترعرع فيهما عليّ وماسة. وفي الأشهر الستة منذ ولادة الطفلين، شهد الأزواج تجربة الأبوة الأولى على خلفية صراع وحشي.
وسوَّت الغارات الجوية منزلي الأسرتين بالأرض، ولم يكن لديهما مأوى مناسب وإمكانية للحصول على العلاج الطبي ولوازم الرضيعين. يشعر الطفلان بالجوع، وعلى الرغم من كل الخطط التي أعدّها الأزواج قبل الحرب، فإنَّهم يخشون من أنَّ الحياة التي كانوا يأملون منحها لطفليهم قد انتهت.
فقالت أمل الطويل لوكالة أسوشيتيد برس (Associated Press) الأمريكية، الأربعاء 3 أبريل/نيسان: "كنتُ أحضّره لحياة أخرى، حياة جميلة، لكنَّ الحرب غيَّرت كل هذه الملامح. بالكاد نعيش يوماً بيوم، ولا نعلم ماذا سيحدث. لا يوجد تخطيط".
تقول رولا: "إنَّها ابنتي الوحيدة. جهزتُ كثيراً من الأغراض والملابس لها. واشتريتُ لها خزانة قبل أسبوع من الحرب. وكنتُ أخطط لأعياد ميلادها وكل شيء. فجاءت الحرب ودمّرت كل شيء".
من النصيرات إلى رفح
أمضت أسرة الطويل أول أيام عليّ في الحياة تتنقّل بين منزلها ومنازل أقاربها بحثاً عن الأمان. وظلَّت المباني المجاورة تُستهدَف، وفيما كانت الأسرة ملتجأة بالمنزل يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أصدرت السلطات الإسرائيلية أمر إخلاء يُحذِّر من شن غارة وشيكة وكان أمام السكان 10 دقائق للمغادرة.
وجدت الأسرة ملجأً مؤقتاً بمنزل والدَي أمل في وسط غزة، وهناك كانت يلجأ 15 فرداً من العائلة.
غير بعيد، تكدّست رولا وزوجها وابنتها في منزل أحد الأقارب المؤلف من غرفتي نوم، حيث كان يمكث أكثر من 80 من أفراد عائلتها الممتدة. وقالت إنَّ المكان أصبح مزدحماً للغاية لدرجة أنَّ أقاربها الذكور أقاموا خيمة بالخارج حتى تتمكن النساء والأطفال من النوم براحة أكثر داخل المنزل.
مع تقدُّم القوات البرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي بوسط غزة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، اتجهت كلتا الأسرتين الصغيرتين إلى أقصى جنوبي غزة، مدينة رفح، التي تستضيف الآن مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين.
مخيمات بدون طعام
فرضت إسرائيل قيوداً شديدة على إيصال المساعدات الغذائية والمياه والأدوية والمستلزمات الأخرى إلى داخل غزة خلال الحرب.
كان عليّ، الذي جرى تشخيصه بالتهاب المعدة والأمعاء قبل نزوح أسرته إلى رفح، يعاني من القيء والإسهال المزمنين، وهي علامات على سوء التغذية الذي تقول منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، إنه الآن ينتشر لدى طفل من بين كل ستة أطفال صغار في غزة. وهو يعاني من نقصان في الوزن، إذ يبلغ وزنه 5 كغم فقط.
قالت أمل: "لا أستطيع حتى تغذية نفسي حتى أرضع طفلي بصورة مناسبة. الولد يفقد وزناً أكثر مما يكتسب".
وأضافت: "كان والده يعمل كل يوم ليوفر له الحليب والحفاضات وكثيراً من الأغراض الأخرى التي يحتاجها… لكن لا يوجد شيء يمكننا تحمل تكلفته لتوفيره له".
وبسبب الحاجة للمساعدة، قررت أسرة الطويل العودة إلى منزل والدي أمل بوسط غزة في فبراير/شباط الماضي.
وغير بعيد عن المكان الذي عاش فيه آل الطويل في رفح، وجدت ماسة وأسرتها مكاناً في مخيم الشابورة للاجئين. وقالت رولا إنَّهم كانوا يعيشون بخيمة صغيرة صنعها الزوجان من خلال حياكة أكياس الدقيق بعضها ببعض.
مرضت ماسة، فشحبت بشرتها واصفرّت، وبدا أنَّها تعاني من حمّى دائمة، مع تكوّن العرق على جبهتها الصغيرة. حاولت رولا إرضاعها، لكنّها لم تتمكّن من إنتاج الحليب، لأنَّها هي أيضاً تعاني من سوء التغذية.
وقالت: "حتى حين أتحمل الألم وأحاول أن أرضع ابنتي، فإنَّ ما ينزل لها هو الدم وليس الحليب".
باعت رولا اليائسة المساعدات التي حصلت عليها الأسرة من الأمم المتحدة لتشتري الحليب الصناعي لماسة. وقررت في النهاية العودة إلى وسط غزة؛ سعياً للحصول على العلاج الطبي لابنتها، وتركت زوجها وراءها ليعتني بخيمتهم.
العودة إلى وسط غزة
جرّبت كلتا الوالدتين حظها في مستشفى الأقصى بمجرد الوصول إلى وسط غزة. كانت رولا محظوظة، إذ أخبرها الأطباء بأنَّ ماسة كانت مصابة بفيروس ومنحوا الطفلة علاجاً.
لكنَّهم أخبروا أمل بأنَّ عليّ بحاجة للخضوع لجراحة فتق ليست لديهم القدرة لإجرائها. فكما هو الحال بالنسبة لمعظم المستشفيات في غزة، لا يجري مستشفى الأقصى إلا الجراحات المُنقِذة للحياة.
فبعد ستة أشهر من الحرب، دُمِّر القطاع الصحي في غزة. فلا تزال 10 مستشفيات فقط من مستشفيات غزة الـ36 تعمل بشكل جزئي. وأُغلِقَت بقية المستشفيات أو بالكاد تعمل بسبب نفاد الوقود والأدوية، وإمَّا تعرَّضت للاقتحام من جانب القوات الإسرائيلية أو تضررت من جراء القتال.