نقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن مصادر مطلعة، يوم الثلاثاء 2 أبريل/نيسان 2024 أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أطلق 3 صواريخ واحداً تلو الآخر على قافلة "المطبخ المركزي" بغزة. وأشارت إلى أن سيارات "المطبخ المركزي" بغزة تحركت على طريق وافق عليه جيش الاحتلال الإسرائيلي مسبقاً، وكانت الرحلة بتنسيق معه.
قافلة المطبخ المركزي بغزة
الصحيفة العبرية أضافت أن سيارات المطبخ المركزي كانت تحمل علامات واضحة تشير إلى أنها تابعة للمنظمة، موضحة أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يدرك أن الهجوم على قافلة الإغاثة خطير ومن شأنه أن تكون له آثار على القتال في غزة. ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر دبلوماسية أجنبية قولهم، إن الهجوم على عمال إغاثة يؤكد أن إسرائيل لا تملك استراتيجية بغزة.
ونقلاً عن مصادر أمنية مطلعة لم تسمها، قالت هآرتس الثلاثاء، إن الهجوم الإسرائيلي على عمال الإغاثة جاء "بسبب الاشتباه في أن إرهابياً كان يسافر أيضا في قافلة السيارات، حيث أطلقت طائرة بدون طيار ثلاثة صواريخ واحداً تلو الآخر".
وأوضحت المصادر أن "قافلة مؤلفة من ثلاث سيارات من المطبخ العالمي المركزي (WCK) تحركت لمرافقة شاحنة مساعدات إلى مستودع المواد الغذائية التابع للمنظمة في منطقة دير البلح وسط قطاع غزة". وكانت السيارات تحمل علامات واضحة تشير إلى أنها تابعة للمنظمة، على سطحها وعلى جوانبها، وفق ذات المصدر.
وفق المصادر المطلعة على تفاصيل الحادث، فإن "غرفة العمليات التابعة للوحدة المسؤولة عن تأمين المحور الذي كانت تسير فيه القافلة رصدت على الشاحنة مسلحاً واشتبهت في أنه إرهابي".
ووصلت الشاحنة إلى المستودع برفقة سيارات المنظمة الثلاث، التي تقل سبعة متطوعين، اثنان منهم فلسطينيان مزدوجا الجنسية (من الولايات المتحدة وكندا) والمواطنون الخمسة الآخرون من أستراليا وبريطانيا العظمى وبولندا، بحسب "هآرتس".
وتابعت الصحيفة: "بعد دقائق قليلة، غادرت السيارات الثلاث التابعة لمنظمة الإغاثة المستودع، دون الشاحنة التي يزعم أن المسلح تواجد فيها، وبحسب المصادر الأمنية فإن ذلك الشخص لم يغادر مقر المستودع".
تنسيق مع إسرائيل
في طريق عودتها "تحركت السيارات على طريق تمت الموافقة عليه مسبقاً من قبل الجيش الإسرائيلي، وتم تنسيق رحلتها أيضاً مع الجيش".
وقالت المصادر لهآرتس: "في مرحلة ما، بينما كانت القافلة تسير على الطريق المتفق عليه، أمرت غرفة العمليات التابعة للوحدة المسؤولة عن تأمين طريق المرور مشغلي الطائرات المسيرة بمهاجمة إحدى السيارات بصاروخ".
وأضافت: "شوهد بعض الركاب وهم يخرجون من السيارة بعد سقوط الصاروخ ويتجهون نحو إحدى السيارتين الأخريين. وواصلوا رحلتهم حتى إنهم أبلغوا المسؤولين عنهم بتعرضهم للهجوم، لكن بعد ثوانٍ أصاب صاروخ آخر سيارتهم".
وواصلت المصادر للصحيفة: "اقتربت منهم السيارة الثالثة للقافلة، وبدأ الركاب بنقل الجرحى الذين نجوا من الهجوم الثاني إليها، وذلك لإبعادهم عن أي خطر. ولكن بعد ذلك أطلق صاروخ ثالث أصابهم. وقد قُتل جميع متطوعي المنظمة السبعة في الهجوم".
وأشارت هآرتس إلى أن "الجيش الإسرائيلي يدرك أن هذا حادث خطير قد تكون له آثار بعيدة المدى على استمرار القتال في غزة، نظراً لتآكل الشرعية الدولية في الأسابيع الأخيرة".
وأضافت: "تستعد المؤسسة الأمنية لإرسال ممثلين إلى البلدان التي يحمل المتطوعون القتلى ليقدموا شخصياً لكبار ممثلي الحكومات، هناك نتائج التحقيق الذي يجريه الجيش الإسرائيلي".
وأكدت الصحيفة أن "هجوم الليلة الماضية ليس الحالة الأولى التي يستهدف فيها الجيش الإسرائيلي أعضاء المنظمة". وتابعت: "في نهاية الأسبوع الماضي، أطلق قناص من الجيش الإسرائيلي النار على سيارة كانت في طريقها إلى مستودع للمواد الغذائية في منطقة خان يونس (جنوبي قطاع غزة)، وأصابت رصاصة القناص الزجاج الأمامي للسيارة، لكن المتطوع الذي كان يستقلها لم يصَب بأذى".
وختمت "هآرتس" تقريرها بالقول: "فور وقوع الحادث، تقدمت المنظمة بشكوى للجيش الإسرائيلي، وطالبت بوقف إطلاق النار على أفرادها وضمان سلامتهم أثناء توزيع المواد الغذائية في قطاع غزة، والذي يتم بالتنسيق الكامل، إلا أن الجيش الإسرائيلي لم يستجب لطلب المنظمة".
وفي وقت سابق من مساء الثلاثاء، وجه وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بتشكيل فريق محترف للتحقيق في مقتل عمال الإغاثة.
في سياق موازٍ، فقد سبق أن قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الثلاثاء، إن القصف الجوي الإسرائيلي الذي أودى بحياة سبعة أشخاص يعملون في منظمة "وورلد سنترال كيتشن" الخيرية كان غير مقصود و"مأساوياً"، وتعهد الجيش بإجراء تحقيق مستقل.
وعبر جيش الاحتلال الإسرائيلي عن "صادق حزنه" جراء الحادث الذي أثار إدانة واسعة النطاق، وزاد من الضغوط من أجل اتخاذ خطوات لتخفيف وطأة الوضع الإنساني الكارثي في غزة بسبب الحرب المستعرة منذ نحو ستة أشهر.
وأدى الهجوم الدموي على قافلة وورلد سنترال كيتشن إلى مقتل مواطنين من أستراليا وبريطانيا وبولندا، بالإضافة إلى فلسطينيين ومواطن يحمل الجنسيتين الأمريكية والكندية.
وقالت وورلد سنترال كيتشن إنهم كانوا يسافرون في سيارتين مصفحتين عليهما شعار المؤسسة الخيرية ومركبة أخرى.
نتنياهو يتحدث عن قتل أجانب في غزة
قال نتنياهو في بيان مصور: "للأسف وقع في اليوم الماضي حدث مأساوي ألحقت فيه قواتنا أذى عن غير قصد بأشخاص غير مقاتلين في قطاع غزة".
وأضاف "يحدث هذا في الحرب. نحن نجري تحقيقاً دقيقاً ونجري اتصالات مع الحكومات. وسنبذل قصارى جهدنا لمنع تكرار ذلك".
واستدعت بريطانيا السفير الإسرائيلي لديها للتعبير عن "إدانتها القاطعة للقتل المروع" للعاملين في المنظمة، ومن بينهم مواطنون بريطانيون.
وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون في منشور على منصة إكس: "يجب أن تقدم إسرائيل تفسيراً عاجلاً عن كيفية حدوث ذلك وأن تجري تغييرات كبيرة لضمان سلامة موظفي الإغاثة على الأرض".
ودأبت إسرائيل على نفي إعاقة توزيع المساعدات الغذائية التي يحتاجها القطاع بصورة عاجلة، قائلة إن المشكلة ناجمة عن عدم قدرة منظمات الإغاثة الدولية على إيصالها لمن يحتاجون إليها.
وذكرت وورلد سنترال كيتشن أنه على الرغم من تنسيق التحركات مع الجيش الإسرائيلي، تعرضت القافلة للقصف في أثناء مغادرتها مستودعها في دير البلح، بعد تفريغ أكثر من 100 طن من المساعدات الغذائية الإنسانية التي جُلبت إلى غزة عن طريق البحر.
وقالت إيرين جور، الرئيس التنفيذي للمنظمة: "هذا ليس هجوماً على وورلد سنترال كيتشن فحسب، وإنما على المنظمات الإنسانية التي تظهر في أسوأ المواقف حيث يُستخدم الغذاء سلاح حرب". وأضافت: "هذا لا يغتفر".
تحقيق في الحادث
من جانبه، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن واشنطن تحدثت مباشرة مع حليفتها المقربة، إسرائيل، وحثت الحكومة "على إجراء تحقيق سريع وشامل ونزيه لفهم ما حدث بالضبط". وأضاف بلينكن، في حديثه للصحفيين في باريس، أنه يجب حماية العاملين في المجال الإنساني.
وقال عن الموظفين السبعة في المنظمة غير الحكومية: "هؤلاء الناس أبطال، يصطدمون بالنار وليس بعيداً عنها.. يجب ألا يكون لدينا موقف يجد فيه أشخاص، يحاولون ببساطة مساعدة إخوانهم من البشر، أنفسهم عرضة لخطر داهم".
في سياق متصل، طالبت بريطانيا وأستراليا وبولندا، وهي دول صديقة بصفة عامة لإسرائيل، باتخاذ إجراءات لحماية موظفي الإغاثة؛ مما يسلط الضوء على العزلة الدبلوماسية المتزايدة لنتنياهو بشأن الوضع في غزة.
وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه يجري مراجعة دقيقة على أعلى المستويات للوقوف على ملابسات هذا الحادث "المأساوي"، وتعهد بأن تجري "هيئة مستقلة ومهنية تتمتع بالخبرة اللازمة" تحقيقاً في الواقعة.
وتتعرض إسرائيل لضغوط دولية متزايدة للتخفيف من حدة الجوع الشديد في قطاع غزة الذي دمرته شهور من الحرب بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل. وتعرض جزء كبير من قطاع غزة المكتظ بالسكان لدمار مهلك ونزوح معظم سكانه البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.
عرقلة توزيع المساعدات في غزة
في حين اتهمت الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى إسرائيل بعرقلة توزيع المساعدات من خلال وضع عقبات بيروقراطية والتقاعس عن توفير الأمن لقوافل الغذاء، وهو ما أبرزته كارثة وقعت في 29 فبراير/شباط 2024، وأودت بحياة نحو 100 شخص كانوا ينتظرون تسلُّم المساعدات.
وقالت حماس إن المشكلة الرئيسية في توزيع المساعدات هي استهداف إسرائيل لموظفي الإغاثة. وبعد الواقعة الأحدث أصدرت بياناً قالت فيه إن الهجوم يستهدف ترويع العاملين في الوكالات الإنسانية الدولية ومنعهم من الاضطلاع بمهامهم.
وأمرت محكمة العدل الدولية قبل أيام إسرائيل باتخاذ جميع الإجراءات الضرورية والفعالة لضمان وصول الإمدادات الغذائية الأساسية للفلسطينيين في القطاع ودرء تفشي المجاعة.
ورداً على ذلك، اتهم مسؤولون إسرائيليون الأمم المتحدة وهيئات دولية أخرى "بالفشل" فيما يتعلق بمشاكل إيصال المساعدات إلى الجياع في غزة، قائلين إنها تفتقر إلى القدرة اللوجستية لأداء وظائفها.
وقال خوسيه أندريس الطاهي الذي أسس ورلد سنترال كيتشن إنه يشعر بحزن شديد، وعبّر عن مواساته لعائلات وأصدقاء الذين لقوا حتفهم في الهجوم.
بدأ أندريس عمل وورلد سنترال كيتشن في 2010 بإرسال طهاة وطعام إلى هايتي؛ بعد زلزال مدمر. وقال على وسائل التواصل الاجتماعي: "على الحكومة الإسرائيلية أن توقف هذا القتل العشوائي. عليها التوقف عن تقييد وصول المساعدات الإنسانية، والكف عن قتل المدنيين وموظفي الإغاثة والتوقف عن استخدام الغذاء سلاحاً".
وقالت وورلد سنترال كيتشن إنها ستعلق عملياتها في المنطقة فوراً وستتخذ قرارات قريباً بشأن مستقبل عملها. وتقدم المنظمة مساعدات غذائية ووجبات جاهزة للمحتاجين. وقالت الشهر الماضي إنها قدمت أكثر من 42 مليون وجبة في غزة على مدى 175 يوماً.
وأظهر مقطع مصور حصلت عليه رويترز فتحة كبيرة في سقف سيارة دفع رباعي تابعة لمنظمة وورلد سنترال كيتشن وأجزاءها الداخلية محترقة وممزقة، إضافة إلى مسعفين ينقلون الجثث إلى مستشفى ويعرضون جوازات سفر ثلاثة من القتلى.
ولا تزال الأوضاع في غزة شديدة الخطورة مع استمرار القتال في عدد من المناطق اليوم الثلاثاء، ومقتل 71 شخصاً في الغارات الإسرائيلية خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، وفقاً للسلطات الصحية في غزة.