الرئيس التركي السابق يدعو لعدم “نسيان الغنوشي”: لقد خدم وطنه وشعبه وتؤلمني فكرة اعتقاله

عربي بوست
تم النشر: 2024/03/30 الساعة 14:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/03/30 الساعة 14:30 بتوقيت غرينتش
رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي/رويترز

طالب الرئيس التركي السابق عبد الله غول، في مقال له، الخميس 28 مارس/آذار 2024، بعدم نسيان رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، وهو قابع خلف القضبان في أحد سجون تونس، وقال إنه كسياسي ورئيسٍ سابق لطالما انتقد الاضطهاد السياسي، وإنه يشعر بأن من واجبه لفت الأنظار إلى محنة الغنوشي. إذ كان من المفترض أن ينتهي اعتقاله، في الصيف الجاري، لكن يبدو أن فترة اعتقاله ستُمدَّد الآن، وفق ما قال غول.

عدم نسيان رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي 

غول في مقالته التي نشرها موقع Project Syndicate الأمريكى قال: "تؤلمني هذه الفكرة"، في إشارة إلى استمرار اعتقال الغنوشي في أحد السجون التونسية"، كما يجب أن تؤلم أي مؤمن حقيقي بالديمقراطية. لقد خدم الغنوشي وطنه وشعبه على النحو اللائق. ولا يستحق أن يُنسى خلف القضبان".

undefined
الرئيس التركي السابق عبد الله غول- ويكيبيديا

الرئيس التركي السابق قال كذلك في مقالته: "كنت أول رئيس أجنبي يلقي خطاباً أمام المجلس الوطني التأسيسي التونسي في مارس/آذار عام 2012، وذلك في أعقاب ثورة الياسمين التونسية. وأخبرت المجلس حينها أنني مبتهجٌ ومنبهرٌ بالإجماع الوطني الناشئ بين العلمانيين والمحافظين".

فبعد 25 عاماً من حكم الرجل الواحد، كانت تونس تبعث برسالةٍ واضحةٍ إلى العالم مفادها أن الديمقراطية ليست من أشكال الحوكمة المقصورة على الغرب. ووقف وراء تلك الرسالة رجل حكيم ضرب المثل للجميع بإخلاصه للمبادئ الديمقراطية والتسامح: الغنوشي، وفق ما قال غول في مقالته.

إذ يُعدّ الغنوشي، مؤسس وزعيم حركة النهضة، مثقفاً رفيعاً يؤمن بإمكانية التعايش المشترك بين الأشخاص والجماعات حتى في وجود اختلافات جوهرية. كما أنه مفكر إسلامي شجاع سعى لتقديم تفسير معاصر للفهم الإسلامي، وتميّز تفسيره بالتزامٍ واضح بقيم الحرية والديمقراطية. فضلاً عن أنه لطالما كان مناصراً شجاعاً لحقوق المرأة في المجتمع، والاقتصاد، والمؤسسات الدينية.

وقد جعلته مبادئه زعيماً سياسياً يُحتذى في تونس وحول العالم. لكنها لما تجعل حياته أسهل. إذ وُلِدَ الغنوشي عام 1941، وكان سجيناً سياسياً في الثمانينيات قبل أن يقضي 22 عاماً منفياً في أوروبا. وعندما سقط الرئيس التونسي زين العابدين بن علي عام 2011، عاد الغنوشي إلى وطنه الذي استقبله على الفور كأكثر ساسة تونس شعبية. وفي تلك المرحلة، كان بإمكانه أن يسلك الطريق السهل ويعتمد على الشعبوية كما فعل العديد من معاصريه، ما كان سيضمن لحركة النهضة مكانها كحزب مُهيمن ليتابع أجندته السياسية المفضلة دون تنازلات.

بناء تحالفات سياسية 

اختار المخاطرة وسلك الطريق الذي نادراً ما يختاره أحد في المنطقة. إذ حرص على الوصول إلى تسويات مع الآخرين، وبناء تحالفات واسعة، ومشاركة الحكم مع العلمانيين والديمقراطيين الاجتماعيين وغيرهم من الجماعات. وبدلاً من الترشح للمنصب كما أراد الكثيرون، مهّد الغنوشي الطريق أمام الأجيال الأصغر، وهدَّأ الأصوات الأكثر راديكالية داخل حزبه.

النهضة تونس راشد الغنوشي
زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي/ رويترز

وكلما ظهرت أزمة سياسية أو اجتماعية جديدة، كان الغنوشي يتحدث باستمرار عن دولةٍ "تشهد فصلاً بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتضع سيادة القانون فوق كل شيء، وتضمن حريات الضمير والتعبير والتجمع".

وأدرك الغنوشي أن تكرار أخطاء الماضي، المتمثلة في حكم الحزب المنفرد لن توفر سلاماً أو استقراراً مستداماً للتونسيين. وبفضل النهج الثاقب والشامل الذي رعاه، حصلت اللجنة الرباعية للحوار الوطني التونسي على جائزة نوبل للسلام عام 2015.

حيث توصّلت الدعائم الأساسية للمجتمع التونسي -العلمانيون والليبراليون والإسلاميون واليساريون- إلى تسويةٍ صعبة وواسعة النطاق تخدم التعددية والحرية. وكانت تلك اللحظة استثنائية بالنسبة للشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، والعالم الإسلامي ككل.

نهاية قصة تجربة تونس

لكن نهاية قصة تونس لم تكن جيدةً بقدر بدايتها؛ إذ جرى تعليق وحل البرلمان التونسي المنتخب ديمقراطياً، والذي كان يرأسه الغنوشي، قبل 3 سنوات. كما أُقيلت الحكومة. ثم جرى اعتقال الغنوشي في أبريل/نيسان 2023، والحكم عليه بالسجن لمدة عامٍ في شهر مايو/أيار. ومؤخراً، حكمت محكمة تونسية بالسجن على الغنوشي 3 سنوات أخرى، في ما يبدو أنها محاولة لإطالة فترة سجنه تعسفياً.

حركة النهضة
رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي / صفحة الحركة على فيسبوك

إن الحبس المطول للغنوشي، الذي يبلغ من العمر 82 عاماً، يتناقض مع الرسالة التي بعثتها تونس إلى المنطقة والعالم قبل 12 عاماً. إذ يجب على التونسيين أن يعززوا التحول الديمقراطي الذي بذل الغنوشي الكثير لتحقيقه، وليس العكس. وتحتاج تونس للمزيد من المشاركة، وليس المزيد من محدودية الفكر.

ولا شك أن اضطهاد شخصيةٍ سياسية معتدلة داخل مجتمع إسلامي هو أمر لا يبشر بالخير، وذلك بالنسبة للساسة الآخرين الذين يروّجون لمُثُل التعايش المشترك والتسامح على نحوٍ مشابه.

ليختم الرئيس التركي السابق عبد الله غول مقالته بالقول: "ولهذا آمل على المستوى الشخصي أن ينتهي اعتقال الغنوشي قريباً، إذ ستكون هذه مبادرة قوية من تونس، البلد الذي جسّد تقليدياً روح الحرية والتسامح والإرث الثمين لابن خلدون".

تحميل المزيد