لم تجد الطفلة الفلسطينية سَجَى جنيد، التي لم تتجاوز الرابعة من عمرها، سوى الصراخ والبكاء للتعبير عن شدة الألم الناجم عن الحروق التي شوهت وجهها بالكامل جراء غارة للاحتلال الإسرائيلي استهدفت منزل عائلتها في بلدة جباليا شمال قطاع غزة.
ونتيجة لتلك الحروق الشديدة طغت الندوب الغائرة على محيا الطفلة وقتلت ملامح البراءة فيها، ما غيَّر مظهرها بشكل كامل وأخفى ضحكاتها التي كانت تتعالى على وجنتيها.
قصة مأساوية لطفلة غزاوية أصيبت بقصف للاحتلال في جباليا
في أول أيام رمضان، وعندما كانت العائلة تتناول السحور قُبيل الصيام، دوَّى صوت انفجار عنيف هز أرجاء المنطقة في بلدة جباليا، مصحوباً بوميض ناري كبير ناجم عن غارة للاحتلال استهدفت محيط المنزل.
تلك الغارة لم تستهدف البيت بشكل مباشر، لكنها أصابت إحدى الغرف التي كانت سجى نائمة فيها، مما أدى إلى اندلاع الحريق داخل الغرفة على الفور، توجه الأب بلال جنيد نحو غرفة طفلته لإنقاذها من بين ألسنة اللهب التي بدأت تلتهم كل شيء، وسط صرخات أطفاله وزوجته من هول المشهد.
وفور انتشال سجى لم يدرك الأب أنها لا تزال على قيد الحياة، بسبب المشهد المروع الذي رآه نتيجة الحروق الشديدة التي تعرضت لها، وخاصة في منطقة الوجه، غير أن صرختها أعلنت أنها لم تفارق الحياة.
لم يتردد بلال طويلاً، فسرعان ما نقلها رفقة بعض من جيرانه إلى أقرب مستشفى لتقديم العلاج اللازم لها.
حصار داخل المستشفى
لم تقتصر الكارثة التي ألمَّت بالطفلة على الحروق وآلامها، بل واجهت نقصاً في العلاج وحصاراً إسرائيلياً لمستشفى الشفاء بمدينة غزة.
خلال ثلاثة أيام متتالية، لم تتمكن الطفلة ووالدها المرافق لها من الحصول على علاج أو طعام إثر اقتحام جيش الاحتلال الإسرائيلي مستشفى الشفاء ومحاصرته.
ولم يسمح الجيش بتوفير أي رعاية للمرضى، أو طعام لآلاف النازحين والممرضين في المستشفى الذي دمر أجزاء كبيرة منه.
مهمة شاقة
وبعد ثلاثة أيام من الحصار، سمح جيش الاحتلال الإسرائيلي بمغادرة بعض المرضى سيراً على الأقدام نحو جنوب قطاع غزة، عبر "شارع الرشيد" الواصل بين شمال القطاع وجنوبه.
في مهمة شاقة لم يحلم بها في أسوأ كوابيسه، حمل الأب طفلته بين ذراعيه، في وقت كانت فيه بأمسّ الحاجة إلى رعاية طبية عاجلة وحماية جرحها من التلوث.
لم يلتفت الأب إلى المسافات الطويلة التي سيقطعها سيراً وهو يحمل طفلته، بل كان همه الأول الوصول بها إلى أقرب مستشفى في المناطق الجنوبية للقطاع لاستكمال العلاج.
وفور وصوله إلى "مستشفى شهداء الأقصى" بمدينة دير البلح، جاب الرجل بين الأقسام بحثاً عن الأطباء المختصين، سعياً منه لتهدئة بكاء سجى التي اكتوت بنار آلامها وحروقها.
يقول بلال بكلمات حارقة أثناء عرضها على الأطباء داخل المستشفى، لوكالة الأناضول: "تعرضنا للقصف في جباليا شمال القطاع؛ ما أصاب ابنتي بحروق شديدة وهي على سريرها نائمة"، ويضيف: "كنا نقدم لها الرعاية في مستشفى الشفاء، لكن عندما اقتحمه جيش الاحتلال وحاصره من جميع الجهات لم يقدم لنا العلاج والطعام وبعد 3 أيام تمكنا من المغادرة إلى الجنوب".
ولفت إلى أن طفلته لم يتم تقديم العلاج والطعام لها منذ 3 أيام، وهي تعاني من حروق شديدة في الوجه وأجزاء من الجسم، ما يفاقم وضعها الصحي خطورة.
ولليوم الرابع يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي اقتحام "مستشفى الشفاء" الذي كان يضم أكثر من 7 آلاف مريض ونازح؛ وينفذ حملة اعتقالات واسعة في صفوف النازحين داخل المستشفى، ويقصف المنازل المحيطة بالمستشفى، ما خلَّف عشرات القتلى والجرحى.
والأربعاء، أقر رئيس أركان جيش الاحتلال، هرتسي هاليفي، بأن الهجوم على المستشفى يهدف إلى "الضغط" على حركة "حماس" خلال المفاوضات الجارية في قطر للتوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى.
ويشن الاحتلال الإسرائيلي، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حرباً مدمرة على غزة، خلَّفت عشرات آلاف الضحايا المدنيين، معظمهم أطفال ونساء، ودماراً هائلاً ومجاعةً مستمرة أودت بحياة أطفال ونساء، بحسب بيانات فلسطينية وأممية.
ورغم مثولها أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب "إبادة جماعية"، تواصل إسرائيل حربها على القطاع الذي تحاصره منذ 17 عاماً ويسكنه نحو 2.3 مليون فلسطيني يعانون أوضاعاً كارثية.