مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية التركية، في 31 مارس/آذار 2024، تثار تساؤلات عن طبيعة الخريطة الانتخابية في إسطنبول، التي تعد مركز الصراع الانتخابي، لا سيما أنها الأكثر كثافة سكانية، ويركز حزب العدالة والتنمية الحاكم عليها لاستعادتها بعد أن خسرها في الانتخابات الماضية عام 2019.
تختلف التوازنات في مناطق إسطنبول خلال الانتخابات المحلية 2024، وسط الصراع المحتدم بين مرشح العدالة والتنمية مراد كوروم، ورئيس البلدية الحالي أكرم إمام أوغلو مرشح حزب الشعب الجمهوري لولاية ثانية له.
المنافسة في إسطنبول لا تقتصر على منصب رئيس بلدية إسطنبول الكبري، وإنما تمتد إلى البلديات الصغرى التي تتشكل منها المجالس المحلية البلدية لكل ولاية.
تقع حالياً 24 مقاطعة من أصل 39 في إسطنبول في أيدي حزب العدالة والتنمية، و14 في أيدي حزب الشعب الجمهوري، وواحدة في أيدي حزب الحركة القومية.
المعارضة تضع عينها على معاقل للعدالة والتنمية
يُنظر إلى أوسكودار، والفاتح وأيوب سلطان؛ على أنها معاقل لحزب العدالة والتنمية لسنوات.
من بين المناطق التي يهدف حزب الشعب الجمهوري إلى السيطرة عليها من حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات، بحسب تصريحات رئيس الحزب أوزغور أوزيل؛ أوسكودار، وباهجلي إيفلر، وسانجاك تبه، والفاتح، وسيليفري، وأيوب سلطان، وتوزلا، وبيوغلو، على الرغم من اختلاف درجة صعوبة الفوز بها.
لكنّ مسؤولي حزب العدالة والتنمية، في مقدمتهم علي إحسان يافوز مسؤول ملف الانتخابات في الحزب، يرون أن الحزب الحاكم لا يرى خطراً في أي من هذه المناطق؛ بل يهدف إلى استرداد مناطق أخرى من جبهة المعارضة، مثل إسنيورت، وكوتشوك شكمجه، وكارتال، وساريير.
الخريطة الانتخابية في إسطنبول
بلدية أوسكودار
حصل الحزب الحاكم على 35.86% في الانتخابات الماضية بأوسكودار، فيما حصل حزب الشعب الجمهوري على 32.45%، وحزب الجيد على 9.31%، وحزب الحركة القومية على 5.02%، وحزب اليسار الأخضر على 3.55%، وحزب الرفاه من جديد على 3.55% من أصوات الناخبين.
كان يُنظر إلى حلمي تركمان، رئيس بلدية أوسكودار الحالي عن حزب العدالة والتنمية، والمرشح لرئاسة البلدية، على أنه أحد المرشحين المحتملين لحزب العدالة والتنمية لرئاسة بلدية إسطنبول الكبرى خلال عملية اختيار المرشحين، في ظل الدور البلدي القوي الذي يقدمه في البلدية؛ بدلاً من الاندماج في المناقشات السياسية بالبلاد.
أما مرشحة حزب الشعب الجمهوري في أوسكودار فهي سينام ديديتاش، إحدى مساعدي رئيس بلدية إسطنبول الكبرى الحالي أكرم إمام أوغلو، المرشح لرئاسة البلدية الكبرى عن حزب الشعب الجمهوري، وترأست إحدى شركات البلدية منذ وصول إمام أوغلو إلى رئاستها.
كما يظهر في السياق داخل بلدية أوسكودار، حزب السعادة الذي رشح يلماز بيات الذي شغل منصب رئيس المنطقة لفترتين في الماضي.
بلدية أيوب سلطان
يُشار إلى أن الزعيم السابق لحزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، تقدم في بلدية أيوب سلطان خلال الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية 2023، حين كان مرشحاً أمام الرئيس رجب طيب أردوغان.
في الانتخابات العامة في المنطقة، حصل حزب العدالة والتنمية على 35.56% من الأصوات، وحزب الشعب الجمهوري على 30.01%، وحزب الجيد على 9.67%، وحزب الحركة القومية على 5.51%، وحزب المساواة والديمقراطية الكردي على 4.98%، وحزب العمل التركي على 4.20%، وحزب الرفاه من جديد على 4.06%.
في الانتخابات المحلية المقبلة، يبدو أن توزيع الأصوات في المناطق المركزية التقليدية في أيوب سلطان كما هو في السنوات الماضية، باستثناء منطقة غوكتورك، التي نمت مؤخراً، وحصل فيها حزب الشعب الجمهوري على أصوات عالية، ما يعد أمراً مهماً.
بلدية الفاتح
في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في تركيا في 14 مايو/أيار 2023، حصل حزب العدالة والتنمية على 42.33% من أصوات منطقة الفاتح، فيما حصل حزب الشعب الجمهوري على 23.91%، والحزب الجيد على 8.68%، وحزب اليسار الأخضر على 7.74%، وحزب الرفاه من جديد على 4.54%، وحزب الحركة القومية على 4.44%، وحزب العمل التركي على 2.94%.
في جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية التي جرت في 28 مايو/أيار 2023، حصل أردوغان على 53.99% من الأصوات في الدائرة، وحصل كليجدار أوغلو على 46.01%.
كان يُنظر إلى رئيس بلدية الفاتح الحالي، ومرشح حزب العدالة والتنمية للانتخابات القادمة محمد إرجون توران، خلال عملية اختيار المرشحين، مثل حلمي تركمان رئيس بلدية أوسكودار، على أنه أحد المرشحين المحتملين لحزب العدالة والتنمية لرئاسة إسطنبول ومثل تركمان، يبرز توران في المقدمة من خلال عمله داخل البلدية.
في المقابل، رشح حزب الشعب الجمهوري لرئاسة بلدية الفاتح ماهر بولات، وهو أحد مساعدي إمام أوغلو، وعمل نائباً لأمين عام بلدية إسطنبول الكبرى.
تفاؤل للمعارضة بالسيطرة على 14 منطقة
يرى أستاذ الاقتصاد والعلوم الإدارية في جامعة كارابوك جان كاكيشيم، أن المعارضة يمكنها الفوز بعدد كبير من البلديات التي يقودها حزب العدالة والتنمية في الوقت الحالي.
أضاف كاكيشيم خلال عرض تلفزيوني على قناة حزب الشعب الجمهوري، أن أكبر أحزاب المعارضة يأمل في السيطرة على مناطق أوسكودار والفاتح وتشاتالجا وسانجاك تبه.
يرى كاكيشيم أن أصوات حزب الشعب الجمهوري التي زادت في الانتخابات الماضية؛ سترفع من نصيب الحزب في نحو 14 بلدية حالية يسيطر عليها حزب العدالة والتنمية، وأن الكثير من التغييرات السياسية ستحدث عقب الانتخابات.
صعوبة المعارضة في ساريير وكارتال
في المقابل، أصبحت بلديتا ساريير وكارتال، الخاضعتان لسيطرة حزب الشعب الجمهوري، منطقتين حساستين لحزب المعارضة الرئيسي في هذه الانتخابات.
تحولت بلدية ساريير من حزب العدالة والتنمية إلى حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات المحلية عام 2009، وشغل شكرو جينتش منصب رئيس البلدية من حينها.
منذ ذلك التاريخ، عزز حزب الشعب الجمهوري أصواته بشكل كبير في المنطقة، في الانتخابات المحلية والعامة.
مع عدم ترشيح حزب الشعب الجمهوري لشكرو جينتش في هذه الانتخابات، واختياره مصطفى أوكتاي أكسو مرشحاً له؛ أعلن جينتش ترشحه لمنصب رئيس البلدية بشكل مستقل، رداً على موقف حزب الشعب الجمهوري.
بذلك، سيحدد عدد الأصوات التي سيحصل عليها جينتش نتائج الانتخابات في هذه البلدية المهمة الواقعة على شاطئ البوسفور.
بحسب الكاتب الصحفي بوراك بوياغلو، المتابع لملف الإدارة المحلية في تركيا، فإن انقسام حزب الشعب الجمهوري في ساريير ساهم في وضع مرشح حزب العدالة التنمية في مقدمة السباق.
أضاف بوياغلو في تصريحات لـ"عربي بوست"، أن مسار استطلاعات الرأي يظهر أن المعارضة قد تتعرض لصدمة كبيرة في منطقة ساريير التي يسيطر عليها منذ عام 2009، وكل ذلك بفضل شكرو جينتش الذي حول البلدية من العدالة والتنمية إلى الشعب الجمهوري، ولكنه قد يحوّلها مرة أخرى إلى الحزب الحاكم.
التطور الآخر الذي جعل المنافسة صعبة في كارتال، وهي إحدى المناطق التي يسيطر عليها حزب الشعب الجمهوري، هو أن حزب الجيد رشح اسماً معروفاً في المنطقة وهو ألتينوك أوز، الذي شغل منصب رئيس البلدية عن حزب الشعب الجمهوري بين عامي 2009 و2019.
المنافسة في إسنيورت
تُعد إسنيورت واحدة من أهم المناطق التي يهدف حزب العدالة والتنمية لاستعادتها من حزب الشعب الجمهوري.
يعيش في إسنيورت ما يقرب من مليون شخص، وهي المنطقة التي تضم أكبر عدد من السكان ليس فقط في إسطنبول، ولكن أيضاً في تركيا ككل.
تضم إسنيورت كثافة سكانية كردية، وهي المنطقة التي يعتبر فيها حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية الكردي الأقوى في المدينة.
في الانتخابات الماضية 2019، لعب دعم حزب الشعوب الديمقراطي لمرشح حزب الشعب الجمهوري كمال دنيز بوزكورت، دوراً حاسماً في الفوز ببلدية إسنيورت، التي حكمها حزب العدالة والتنمية من عام 2004 إلى عام 2019.
في إسنيورت، توصّل حزب الشعب الجمهوري وحزب الديمقراطية والمساواة الشعبية إلى اتفاق في المرحلة الأخيرة من عملية تسمية المرشحين، التي تم من خلالها الاتفاق على سحب مرشح حزب الشعب الجمهوري، ودعم مرشح الحزب الكردي في إسنيورت، إلى جانب تقاسم مرشحي المجلس البلدي بين الحزبين.
في حال فوز مرشح الديمقراطية والمساواة، في هذه المدينة، فإنها ستعد المرة الأولى لحزب كردي يفوز في بلدية داخل إسطنبول.
في معرض تعليقه على آخر استطلاعات الرأي في إسطنبول، قال الكاتب الصحفي بوراك بوياغلو إن استطلاع شركة "ORC" يظهر أن مرشح العدالة التنمية في مقدمة السباق في هذه المدينة الحيوية، مضيفاً أن دعم حزب الجيد كان له تأثير كذلك في فوز حزب الشعب الجمهوري في إسنيورت في عام 2019.
لذلك، رأى أن عدم تحالف الحزب الجيد والشعب الجمهوري هذه المرة، سيكون له دور حاسم في هذه البلدية، ومن سيقودها خلال السنوات الخمس القادمة.
كوتشوك شكمجه
تعد كوتشوك شكمجه من بين المناطق التي يهدف حزب العدالة والتنمية لاستعادتها من حزب الشعب الجمهوري، ويُعتقد أن السباق في هذه البلدية متقارب بين الحزبين بصورة كبيرة.
انتقلت المنطقة التي حكمها حزب العدالة والتنمية من عام 2004 إلى عام 2019، إلى حزب الشعب الجمهوري في عام 2019، وساهم دعم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي لمرشح حزب الشعب الجمهوري كمال تشيبي في فوزه بهذه البلدية.
حصل حزب الشعوب الديمقراطي الكردي على 13.4% من أصوات البلدية في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 24 يونيو/حزيران 2018، ونسبة 9.92% بعد تغيير اسمه إلى حزب اليسار الأخضر في 14 مايو/أيار 2023.
وقرر حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية عدم تقديم مرشحين في 22 منطقة بإسطنبول، فيما كانت كوتشوك شكمجه من بين الـ19 مقاطعة المتبقية التي رشح فيها الحزب مرشحاً؛ ما قد يشكل موقفاً صعباً بالنسبة لحزب الشعب الجمهوري.
كما يبدو أن موقف ناخبي حزب الجيد في كوتشوك شكمجه، كما هو في إسنيورت، ليشكل رقماً حاسماً وموقفاً حرجاً لكل من حزبي الشعب الجمهوري والديمقراطية والمساواة الشعبية.
في الانتخابات العامة والرئاسية التي شهدتها تركيا 2023، حصل حزب الجيد على 9.44% من الأصوات في منطقة كوتشوك شكمجه.
هل تعود سيليفري وتشاتالجا إلى الشعب الجمهوري؟
تُعد بلديتا سيليفري وتشاتالجا كذلك من بين المناطق التي يتم مراقبتها بعناية في الانتخابات المحلية القادمة من الحكومة التركية والمعارضة.
وهذه هي مناطق إسطنبول البعيدة عن المركز، وتعتمد الزراعة في المدينة إلى حد كبير على هذه المناطق.
من بين هاتين المنطقتين، انتقلت سيليفري من حزب الشعب الجمهوري إلى حزب الحركة القومية عام 2019، وتشاتالجا من حزب الشعب الجمهوري إلى حزب العدالة والتنمية.
وسيليفري هي المنطقة الوحيدة في إسطنبول التي يسيطر عليها حزب الحركة القومية كجزء من تحالف الشعب.
بالنسبة لحزب الشعب الجمهوري، تعد هاتان المنطقتان من بين الأماكن المستهدفة التي يسعى الحزب للسيطرة عليها؛ خاصة أن حزب الشعب الجمهوري كان المتصدر في المنطقتين خلال الانتخابات العامة 2023.
وتصدر كليجدار أوغلو السباق الانتخابي في البلديتين بحصوله على أصوات أكثر بـ10% عن منافسه رجب طيب أردوغان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
في المقابل، رشح تحالف الشعب المكوّن من حزب العدالة والتنمية والحركة القومية رئيسي البلديتين الحاليين لهاتين المنطقتين.
كيف زادت المنافسة في سانجاكتيبي؟
سانجاكتيبي هي إحدى المناطق التي من المتوقع أن تحدث فيها منافسة جدية على أساس المنطقة، والسبب الأهم لذلك، أن حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية، الذي يتمتع بإمكانية تصويت كبيرة في المنطقة، لم يقم بتسمية مرشح هناك بالاتفاق مع حزب الشعب الجمهوري.
بالنظر إلى الانتخابات الماضية، يبدو أن حزب العدالة والتنمية قوي في المنطقة، وفي الانتخابات العامة الأخيرة حصل تحالف الشعب على 47.81% من الأصوات، وحصل تحالف الأمة آنذاك على 30.11% من الأصوات.
حصل تحالف العمل والحرية على 17.5% من الأصوات، وحصل حزب اليسار الأخضر على 13.87%، فيما حصل حزب العمل التركي على 3.62%.
كيف يمكن للأحزاب الصغيرة التأثير على المناطق؟
ستلعب أصوات الأحزاب السياسية الصغيرة في إسطنبول بالانتخابات المحلية القادمة دوراً حاسماً على رئاسة البلدية الكبرى، وكذلك انتخابات المجلس البلدي للمدينة.
من المحتمل أن تؤثر هذه الأحزاب على التوازنات في بعض الدوائر التي تعتبر على حد السكين، وعلى وجه الخصوص، فإن الأصوات التي سيحصل عليها حزب الرفاه من جديد من الأحياء التي يتركز فيها الناخبون المحافظون ستكون حاسمة.
طالب حزب الرفاه من جديد ببعض المناطق من حزب العدالة والتنمية خلال محادثات التعاون بينهم، ما قبل تسمية المرشحين، ومن بين هذه المناطق ذُكرت أسماء بلديات أرناؤوط كوي وسلطان غازي وسلطان بيلي.
كما لا تقف غير بعيد أحزاب "السعادة" و"الديمقراطية والتقدم" و"المستقبل" و"النصر"، وهي الأحزاب التي قد تشكل النسبة الذهبية التي تسعى إليها الأحزاب الكبرى للسيطرة على رئاسة البلدية الكبرى، ومناطقها الـ39.
في الوقت ذاته، قدّم حزب العمل التركي مرشحين في كل من بشيكتاش، وأدالار، وكاديكوي، وباكيركوي، فيما لم يقدم مرشحين في بقية المناطق.
في بلدية كاديكوي، يقوم عمدة تونجلي السابق فاتح ماتش أوغلو بحملته الانتخابية كمرشح للحزب الشيوعي التركي، وكانت هذه المناطق الأربع معروفة منذ سنوات بأنها معاقل لحزب الشعب الجمهوري.
يذكر أن حزب العدالة والتنمية تمكن من الفوز بـ24 بلدية صغرى في إسطنبول، مقابل 14 لحزب الشعب الجمهوري، و1 للحركة القومية.
إلا أن مجموع الأصوات لاختيار رئيس البلدية في إسطنبول، كان لصالح حزب الشعب الجمهوري بـ48.8%، مقابل 48.6% للعدالة والتنمية.