يعيش المسلمون الأمريكيون أجواء شهر رمضان بحزن طاغٍ، بسبب القتل والدمار المستمر منذ أشهر في قطاع غزة، إذ أُلغيت احتفالات الشهر الكريم في بعض المناطق، فيما تعيد عائلاتٌ النظر في تجمعات العشاء التقليدية، فلا أحد في مزاج للاحتفال.
صحيفة The Washington Post الأمريكية قالت في تقرير، السبت 16 مارس/آذار 2024، إنه في أحد ضواحي مدينة أورانج كاونتي بكاليفورنيا، يوفر مسجدٌ الأموال التي كان ينفقها عادةً على وجبات رمضان لجمع 50 ألف دولار لصالح سكان غزة الذين يعانون من الجوع.
تقرير الصحيفة أشار إلى أنه في مدينة هيوستن التابعة لولاية تكساس، يناقش بعض المسلمين ما إذا كانوا سيزينون منازلهم بالزخارف المعتادة، فيما تعيد العائلات في الشمال الشرقي النظر في تجمعات العشاء التقليدية.
وبينما تدور رحى الحرب التي قُتل فيها أكثر من 31 ألف شخص على بعد آلاف الأميال، فإنها حاضرة بقوة في المساجد الأمريكية خلال شهر رمضان، حيث ينتظر الأعضاء الأخبار من أفراد الأسرة المحاصرين، ويتصفحون صور الدمار على وسائل التواصل الاجتماعي.
إذ قالت سارة فرسخ، وهي فلسطينية أمريكية وُلِدَت في غزة وتعيش مع أسرتها في مقاطعة أورانج كاونتي: "رمضان هذا العام ليس مثل السابق، في بيتي فلسطين في أذهاننا باستمرار، ومن الصعب أن نحتفل بأي شيء، ما يحدث في فلسطين والضفة الغربية وقطاع غزة كابوس كامل".
وبدلاً من ملء الطاولة بالأطباق الفلسطينية العزيزة مثل المسخن والكنافة تقضي فرسخ عطلات نهاية الأسبوع في الاحتجاجات، وتعمل بنشاط محموم لإيصال عماتها وأعمامها وأبناء عمومتها، المحاصرين في غزة، إلى بر الأمان.
وقالت: "نشعر بتوتر وقلق مستمرين، ولا نعيش حياتنا كالمعتاد؛ فعقولنا في مكان آخر".
مزيج من المشاعر
ومع دخول الصراع شهره الخامس، يقول المسلمون الأمريكيون إنهم يشعرون بمزيج من المشاعر، إذ يشعرون بالحزن من العنف المستمر الذي حول الكثير من غزة إلى أنقاض وخلق كارثةً إنسانيةً، وكذلك بالغضب من القادة الأمريكيين، الذين زوّدوا إسرائيل بالمساعدات العسكرية طوال الحرب.
وفي الوقت نفسه، شعر الكثيرون بالارتياح إزاء مظاهر التضامن الهائلة في الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في جميع أنحاء البلاد، رغم أنهم ما زالوا يشعرون بالقلق من أعمال الإسلاموفوبيا والتمييز، التي ارتفعت بعد عملية طوفان الأقصى.
"الامتنان"
وفي المركز الإسلامي في يوربا ليندا، على بعد حوالي 40 ميلاً (64.3 كيلومتر) جنوب شرق لوس أنجلوس، يقول أئمة المساجد إنَّ الحرب دفعتهم إلى اختيار "الامتنان" موضوعاً لرمضان.
وقالت فيروز مصطفى، مديرة البرامج في المركز: "إنَّ الناس في غزة يُظهِرون لنا القدرة على الصمود، لقد انتُزِعَت منهم جميع عوامل الأمان في حياتهم، وكل ما لديهم الآن هو إيمانهم، وهذا يُظهر لنا قوة الإيمان، ولهذا نحن ممتنون لهم".
وفي إحدى الليالي الأخيرة، احتشد مئات المصلين في مسجد المركز لأداء صلاة العشاء، التي يُخصَّص جزء منها دائماً لأهل غزة. وقال أحمد صبح، المدير الديني للمركز، إنَّ الحالة المزاجية تبدو كئيبة مقارنةً بالسنوات الأخرى، ولا يقتصر الأمر على الشعور بثقل عاطفي مُجرد.
وأوضح صبح، وهو من الضفة الغربية: "نحن نرى ما يحدث، نشاهد كل يوم مقاطع فيديو لأشخاص يموتون، وآباء يحملون جثث أطفالهم، وأطفال يبكون بجوار جثث أمهاتهم، ورُضع يموتون في الحاضنات، نحن نرى كل ذلك".
إلغاء مهرجان السحور السنوي
وفي ضواحي ديترويت، أكبر مدن ولاية ميشيغان، موطن أحد أكبر التجمعات السكانية العربية والمسلمة في البلاد، لا يبدو رمضان هذا العام مثل الأعوام الماضية، فقد أُلغِي مهرجان السحور السنوي في ديربورن، الذي يجذب عادةً ما يصل إلى 15 ألف شخص من جميع أنحاء القارة في ليالي نهاية الأسبوع. وقال مؤسس الحدث، حسن الشامي، إنه لم يكن من الملائم نشر أجواء من البهجة هذا العام.
وأضاف: "لا أريد أن أحمل على عاتقي مسؤولية استضافة مثل هذا المهرجان الممتع، بينما الكثير من الناس يتضورون جوعاً ويموتون في غزة".
وبالمثل، ألغت المدينة احتفالها بليالي رمضان، احتراماً للعديد من السكان الذين يرثون الدماء المُراقَة في غزة، حسبما قال عمدة ديربورن عبد الله حمود.
وقال حمود، وهو ابن مسلم لمهاجرين لبنانيين: "كان خيار إلغاء ليالي رمضان قراراً مجتمعياً يسمح لنا بإعادة تركيز اهتمامنا على أحبائنا هنا وفي الخارج".
وعلَّق هاني سالم، فلسطيني يعيش في الولايات المتحدة منذ أربعة عقود، قائلاً: "لا نشعر بالفرح، فحتى عندما نأكل نفكر في الأشخاص الذين يموتون بسبب نقص الطعام، وكل يوم نسمع قصةً مماثلة".