كشفت مصادر مسؤولة لـ"عربي بوست"، عن تلقي موظفي السلطة في غزة "المستنكفين"، رسائل من الحكومة في رام الله بشأن الاستعداد للعودة إلى العمل في القطاع، وشروعها بحصر عددهم، وذلك تجهزاً لسيناريو إدارتها القطاع لمرحلة ما بعد الحرب.
أكدت المصادر من السلطة الفلسطينية في رام الله، التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها، أن لدى السلطة الفلسطينية نحو 30 ألف موظف مستنكف عن العمل منذ الانقسام الفلسطيني عام 2007، وأنه جاء في رسالة إليهم بأن العمل سيكون من مكاتب مؤقتة، ولكن بعد التوصل إلى اتفاق هدنة تتوقف على أثره الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
حصر عدد موظفي السلطة في غزة
وأشارت إلى أن الكثير من موظفي السلطة في غزة أُحيلوا للتقاعد، لذلك يتم حصر عدد من يصلحون للخدمة، لا سيما ممن تبقى من الأمن في السلطة الفلسطينية في غزة، ليقدر عددهم حالياً بين 4-5 آلاف غير متقاعدين.
لكنها لفتت إلى أن عدد من يصلحون منهم للخدمة هو 3 آلاف، ما يمثل تحدياً، لأي ترتيبات أمنية بما يتعلق بتأمين المساعدات، وغيرها من المهام، مشددة على أن العدد غير كفيل للقيام بأي مهمة في القطاع.
يأتي ذلك على الرغم من عدم التوصل بعد إلى صيغة اتفاق بشأن الوحدة الوطنية، لا سيما أن هذا الملف كان سبباً لخلافات سابقاً، متعلق بموظفي السلطة في غزة وموظفي حكومة حماس منذ استلام الأخيرة إدارة القطاع.
حاول "عربي بوست" أخذ تعليق من حركة حماس بهذا الخصوص لبيان موقفها منه، لكنه لم يتلقَّ رداً حتى الآن.
مصدر آخر من السلطة الفلسطينية، علّق على محاولة حصر عدد موظفي السلطة في غزة، بأنها "تأتي استباقاً لخطوات إقليمية ودولية أخرى معينة، بموضوع إعطاء أدوار لجهات دولية أو غيرها لاستلام مهمة إدارة غزة، لكنها وجدت نفسها تصطدم بواقع أعداد الموظفين المستنكفين وجاهزيتهم للعودة إلى العمل".
وأشار إلى أن مسؤولين في السلطة لا يريدون أن تكون هناك صيغة دولية ما بإدارة القطاع بعيداً عن السلطة الفلسطينية، لذلك يحاولون إجراء خطوات استباقية لقطع الطريق أمام فرص تحقيق ذلك.
مصدر حكومي من داخل قطاع غزة، أكد لـ"عربي بوست" اطلاعهم على تواصل رام الله مع عدد من موظفي السلطة في غزة، الذين أبدوا استعدادهم للعودة إلى العمل، معتبرين أن ذلك قد يمثل حلاً لشريحة كبيرة منهم، توقفوا عن عملهم منذ عام 2007، لا سيما المعروف منهم باسم "تفريغات 2005″، وهم الذين عُيّنوا بين عامي 2005-2007، قبل "الحسم العسكري"، واستلام حماس الحكم في القطاع، بحكومة فلسطينية محلية.
وكان رئيس الحكومة الفلسطينية المستقيل محمد أشتية، أعلن في 1 فبراير/شباط 2021، اعتزام حكومته بدء معالجة قضايا "تفريغات 2005″، واستيعابهم بالتدريج، وحل مشكلة مستحقاتهم، إلا أنه لم يتم تنفيذ القرار حتى اليوم.
ويعمل بعض موظفي السلطة في غزة، في بعض الدوائر، لا سيما المتعلقة بالمعابر مع الاحتلال الإسرائيلي وتراخيص التنقل وغيرها، إلا أن غالبيتهم يعدون "مستنكفين عن العمل" بقرار من السلطة، وذلك بهدف الضغط على حكومة حماس بهذا الملف منذ نحو 17 عاماً.
"عودة العمل فور وقف إطلاق النار"
الحديث عن عودة موظفي السلطة في غزة للعمل بشكل رسمي، كان على لسان وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، السبت 2 فبراير/شباط 2024، على هامش منتدى أنطاليا الدبلوماسي، المنعقد في ولاية أنطاليا، جنوب غربي تركيا، حيث قال إن عددهم 30 ألف موظف، سيباشرون تقديم الخدمات فور وقف إطلاق النار.
وشدد على أن السلطة الفلسطينية ترى بنفسها "الإدارة الشرعية الوحيدة التي ستعمل في قطاع غزة من الآن فصاعداً"، وأنها "ترفض أي محاولة للإتيان ببديل للإرادة الفلسطينية"، وفق تعبيره.
جاءت تصريحاته في معرض تعليقه على رفض رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن تكون السلطة الفلسطينية موجودة في غزة.
أما عن الموقف الرسمي لحركة حماس، فإنها أكدت في بيان رسمي لها، أن إدارة قطاع غزة شأن وطني فلسطيني، وأنها لن تسمح للاحتلال الإسرائيلي وداعميه بالتدخل، أو فرض الوصاية على الفلسطينيين في غزة.
شددت كذلك على أنه لا اتفاق ولا تبادل للأسرى إلا بوقف شامل للعدوان على قطاع غزة، وأنها مستعدة للتعاون والشراكة مع الجهات والمؤسسات الحكومية المختصة، في إطار تعزيز صمود الفلسطينيين وحماية الجبهة الداخلية من مخططات الاحتلال الإسرائيلي.
يشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي وواشنطن، يرفضان أن يكون لحماس أي دور مستقبلي في إدارة قطاع غزة، ففي حين تحاول تل أبيب تسليم القطاع إلى حكم مدني من العشائر في القطاع، تريد إدارة بايدن أن يكون للسلطة دور في إدارة غزة ولكن بعد "إصلاحها"، مؤكدة أن السلطة الفلسطينية بوضعها الحالي حكم قطاع غزة بعد حركة حماس.
وسبق أن كشفت تقارير أمريكية، عن أن لدى الولايات المتحدة خطة بدأت تنفيذها لتجهيز السلطة الفلسطينية حتى تكون قادرة على السيطرة في غزة، تتضمن تشكيل حكومة جديدة، وتدريب قواتها الأمنية، وتحسين مكانة السلطة بين الفلسطينيين، الأمر الذي أكده لاحقا أشتية بنفسه.
يذكر أنه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشن الاحتلال الإسرائيلي عدواناً مدمراً على قطاع غزة، خلّف أكثر من 30 ألف شهيد غالبيتهم من الأطفال والنساء، وفق بيانات فلسطينية وأممية، الأمر الذي أدى إلى مثول الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية، بتهم ارتكاب "إبادة جماعية".