في قلب الدار البيضاء بالمغرب، وبالضبط بسوق بنجدية، القريب من سوق درب عمر، حيث يوجد كل ما يمكن أن يوضع على مائدة رمضان في المغرب، يمكن للزائر أن يكتشف فرق الأسعار بين السنة الماضية والسنة الحالية.
في سوق بنجدية لا يختلف الكثيرون، ممن تحدثوا لـ"عربي بوست"، عن كون الأسعار ارتفعت، وبالرغم من انخفاضها بشكل طفيف في الأيام القليلة الماضية، إلا أنها تبقى مرتفعة على العموم مقارنة بالسنوات الماضية.
الأسعار تضاعفت
تقول نزهة مواطنة بيضاوية لـ"عربي بوست"، أصبحت "القفة اليوم مكلفة، قبل سنوات كانت 100 درهم تملأ القفة بالخضر، اليوم لن تكفيك حتى 500 درهم"، أما اللحوم أو الأسماك "أصبحت حكراً على الوجبات المناسباتية، وقد عوضناها بالدجاج أو الديك الرومي".
ووسط ارتفاع أسعار السلع الرمضانية في المغرب، تقول نزهة: "إننا نواجه تحدياً في الحفاظ على بعض الأكلات التي ورثناها عن جدودنا كـ"سلو" و"البريوات" التي اعتدنا على تقديمها في رمضان، لكن اليوم نفضل استبدال مكوناتها الغالية أو حتى الاستغناء عنها".
فمثلاً، حسب المتحدثة أصبح الكثير من المغاربة يُعوضون اللوز بالفول السوداني في مجموعة من المعسلات الرمضانية كالبريوات، وذلك بسبب ارتفاع أسعار اللوز الذي أصبح بـ100 درهم للكيلوغرام، في حين أن ثمنه لم يكُن يتجاوز 60 درهماً.
اللحوم والأسماك لم تخرج عما ألفه المغاربة من ارتفاع للأسعار، حيث إن كيلوغراماً من اللحوم الحمراء تجاوز ثمنه 90 درهماً، فيما الأسماك تضاعفت أسعارها، وحتى السردين الذي يستهلكه المغاربة بشكل كبير بلغ ثمنه 20 درهماً كرقم متوسط.
وغير بعيد عن بائعي اللحوم والأسماك، توجد محلات الفواكه الجافة والمعسلات، وهي المواد التي تصنع منها العديد من الحلويات والمأكولات الرمضانية المغربية، رصدت "عربي بوست" ارتفاعاً وصل إلى الضعف في بعض المنتجات كاللوز والسمسم والتين المجفف.
وفي حديثه لـ"عربي بوست" أوضح صاحب المحل أن هذه المواد تضاعف سعرها بسبب الجفاف والرسوم الجمركية، فالجفاف يجعلها غير متوفرة بشكل كافٍ في السوق، وهو الأمر الذي يضطر معه التاجر إلى الاستيراد من الخارج، وهنا تضاف الفواتير الجمركية إلى الأسعار العادية.
بالإضافة إلى ما سلف، أرجأ صاحب المحل ارتفاع أسعار هذه المنتجات إلى "قلتها في بعض الأحيان، وارتفاع الطلب الكبير عليها بمناسبة الشهر الفضيل، على اعتبار ما تمثله بعض المواد في صنع أكلات لها قدسية في المائدة المغربية".
أما بالنسبة لأكلة "سلو" التي دأب المغاربة على تحضيرها في شهر رمضان، فأصبح عدد كبير منهم يُعد كمية قليلة جداً تكفي من بداخل البيت، أما في الماضي فكانت تُحضر الوجبة وتُوزع على العائلة والأقارب والجيران.
أسباب ارتفاع الأسعار خلال شهر رمضان
ومن المعروف أن أسعار السلع والخضر والفواكه واللحوم ترتفع قبل شهر رمضان، وذلك ما رصده "عربي بوست" خلال زيارته لسوق بنجدية، الذي يُعتبر أحد أبرز الأسواق وسط العاصمة الاقتصادية للمغرب.
إسماعيل أحد المواطنين الذي التقاهم "عربي بوست" داخل سوق بنجدية يرى أن سبب ارتفاع الأسعار هو تصدير الخضراوات والفواكه إلى خارج المغرب، وهو السبب عينه الذي جعل أسعارها تنخفض نوعاً ما عندما قامت موريتانيا برفع الرسوم على المواد الفلاحية والغذائية المغربية.
ولم يفُت إسماعيل الإشارة إلى عامل الجفاف الذي تسبب في ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية، حيث أوضح أن المسألة مرتبطة بحالة الجفاف التي يعرفها المغرب للسنة السادسة على التوالي، وهو ما سيكون له تأثير على حجم الإنتاج الزراعي في المملكة المغربية.
محمد، بائع الخضراوات لم يخفِ انفعالاته عند الحديث عن إقبال المغاربة على معروضاته التي تنبأ بارتفاع أسعارها باستمرار خلال رمضان، خاصة الطماطم والخضر الموسمية، مؤكداً أنهم كتجار "يعانون مثلهم مثل المستهلكين".
يقول محمد إن ارتفاع أسعار الخضر والفواكه "سببه التجار الكبار والمضاربون (الشناقة) في السوق، وهم الوسطاء بين الفلاح (البائع الأول) وبينه، وقد يصل عددهم إلى خمسة تجار وكلهم يقتطعون أرباحهم وعمولاتهم، لتصل إلى الزبون مرتفعة الثمن.
وفي هذا السياق، يوضح المحلل الاقتصادي محمد جدري أن "مجموعة من المنتجات الاستهلاكية يرتفع ثمنها بشكل غير مقبول خلال شهر رمضان في المغرب، لأن سلاسل التوريد في المغرب تعرف ممارسات غير أخلاقية من طرف بعض الوسطاء والمضاربين، والمحتكرين الذين يغتنون من أزمات المغاربة".
ويضيف جدري في حديثه لـ"عربي بوست" أنه "لا يعقل أن يبيع الفلاح الطماطم والبطاطس بدرهمين للكيلو غرام الواحد، في حين أن المستهلك النهائي يشتري هذا المنتج بأكثر من 8 دراهم، فقط لأن البعض يستغل ممارسات الريع المتواجدة في أسواق الجملة، وضعف مراقبة الأسعار.
ومن أجل القضاء على هذه الممارسات، يقول جدري إنه "يتوجب على الحكومة المغربية تحسين عمل سلاسل التوريد، وإصلاح حقيقي لمنظومة عمل أسواق الجملة التي ينخرها الريع، والعمل على تجميع الفلاحين في تعاونيات تسويقية فلاحية للحد من دور الوسطاء والمضاربين.
وأضاف جدري، على الحكومة المغربية "توفير الموارد البشرية والمالية واللوجستية لأعوان المراقبة وتحفيزهم مادياً للتقليل من فرص رشوتهم، وأخيراً التسريع بإخراج النصوص التطبيقية لقانون مجلس المنافسة من أجل معاقبة المحتكرين".
ارتفاع الأسعار والتضخم
حسب ما أفادت به المندوبية السامية للتخطيط في المغرب (هيئة حكومية)، بأن معدل التضخم الأساسي بالمملكة المغربية، ارتفع بـ2.9% في يناير/كانون الثاني الماضي، على أساس سنوي بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وهي المحرك الرئيسي للتضخم في المملكة.
وحول هذا المعطى، يقول جدري إن التضخم الذي يعرفه المغرب يؤثر على العادات الاستهلاكية للأسر، خصوصاً ذوي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة، التي تأثرت بشكل كبير خلال الأزمة الاقتصادية، والكثير منها استنزفت مدخراتها، وأصبحت تلجأ للاقتراض من أجل سد حاجياتها.
كما رصدت المندوبية في نشرتها الشهرية، ارتفاعاً على مستوى أسعار السمك وفواكه البحر بـ4.7% والفواكه بـ0.6% والقهوة والشاي والكاكاو بـ0.4% واللحوم بـ0.3%، وهي المواد التي تعرف إقبالاً كبيراً خلال الشهر الفضيل.
وأوضح المحلل الاقتصادي أن الأزمة الاقتصادية "أثرت على جيوب المغاربة وغيرت العادات الغذائية، فبسبب ارتفاع الأسعار، أصبح من كان يشتري كيلوغراماً من اللحم، يشتري الآن ربع كيلو فقط، ومن كان يقتني 10 كيلوغرامات من البطاطس، يكتفي اليوم بكيلوغرام واحد، وهو ما أثر على المائدة الرمضانية.
هل تُفلح التطمينات الحكومية؟
وسط هذا الغلاء، وتخوف المغاربة من تكلفة المائدة الرمضانية، قامت الحكومة المغربية بطمأنة الشعب المغربي بشأن أسعار المواد الغذائية خلال شهر رمضان، حيث أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، مصطفى بايتاس، أن "التضخم بشكل عام يسير نحو الانخفاض".
وخلال الندوة الصحفية التي تلت الاجتماع الأسبوعي لمجلس الحكومة المغربية، الخميس المنصرم، قال بايتاس: "إن تنفيذ قانون المالية لسنة 2022، أظهر الإمكانيات المالية الكبيرة التي رصدت الحكومة من أجل مواجهة الغلاء، والتي وصلت في شقها المرتبط بالدعم 40 مليار درهم".
وهي التصريحات التي تلقاها الشعب المغربي بحذر شديد، حيث صرح المستجوبون في السوق لـ"عربي بوست" بأن "ما تصرح به الحكومة شيء وما نشاهده في الواقع شيء آخر"، مؤكدين أن المغاربة "تعودوا على ارتفاع الأسعار خلال شهر رمضان.
وهو الأمر الذي أكده الخبير الاقتصادي حيث قال: "من المتوقع أن ترتفع الأسعار على الأقل خلال الأسبوعين الأولين من شهر رمضان، وهو ما من شأنه أن يؤثر بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطن المغربي الذي يعاني بشكل عام من الموجة التضخمية".