يثير مشروع قانون ينظم إنشاء الجمعيات وتمويلها في تونس مخاوف كبيرة في البلد المتعثر اقتصادياً، حيث تدعم الكثير من هذه المنظمات أنشطة مهمة على غرار الصناعات التقليدية والتدريب المهني ومساعدة النساء المعنفات، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية، الإثنين 4 مارس/آذار 2024.
إذ يفترض أن يحل المقترح الجديد مكان قانون 88 الذي أقر في سبتمبر/أيلول 2011 وسمح بإنشاء حوالى 25 ألف منظمة وجمعية شكلت حلقة مهمة في مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد إثر سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
فيما ينص مشروع قانون إنشاء الجمعيات وتمويلها في تونس الذي يناقشه البرلمان على أن تمنح وزارة الشؤون الخارجية التراخيص للمنظمات الأجنبية وتراقب تمويلاتها.
تقدم بمشروع القانون 10 نواب من الداعمين للرئيس قيس سعيّد الذي هاجم في مناسبات عدة نشاط بعض الجمعيات "المشبوهة"، واعتبرها امتداداً "لأطراف خارجية" في تونس خصوصاً فيما يتعلق بالتمويل. وأثار النص حفيظة منظمات حقوقية تونسية ودولية على حد سواء.
حيث نددت "منظمة العفو الدولية" بـ"التراجع المتزايد للحقوق" في تونس منذ قرّر سعيّد في صيف 2021 احتكار السلطات في البلاد وتغيير الدستور وحلّ البرلمان السابق.
مخاوف من قانون إنشاء الجمعيات وتمويلها في تونس
تشكل جمعية "شانتي" التي تنشط في مجال الحرف والصناعات التقليدية، واحدة من المنظمات التي تعبر عن مخاوف من بعض فصول مشروع قانون إنشاء الجمعيات وتمويلها في تونس.
يقول مهدي البكوش مدير "شانتي" التي تعتمد غالبية موازنتها على تمويلات خارجية: "نحن حذرون بشأن ما سيحدث"، لا سيما مع إدراج القانون الجديد لمسألة التراخيص المسبقة التي يجب طلبها من السلطات للحصول على أموال من الخارج.
بالإضافة إلى متجر الصناعات التقليدية حيث تباع منتجات 60 حرفياً (من السجاد والفخار والأثاث)، توظف جمعية "شانتي" نحو "22 عاملاً بدوام كامل"، و"ندعم حوالى 100 مشروع" في جميع أنحاء البلاد وفي قطاعات مختلفة منها السياحة والزراعة.
يوضح البكوش لوكالة الأنباء الفرنسية: "من المهم الحفاظ على مكسب الحريات التي حققتها الجمعيات ومواصلة التطوير للحصول على التمويل الوطني أو الدولي"، مؤكداً أنه منفتح على تنظيم القطاع ولكن في إطار "حوار متواصل" مع السلطات.
كما يرى أن تطوير قطاع الجمعيات "يوفر آلاف فرص العمل، ويؤثر أكثر من ذلك في آلاف الأشخاص بشكل مباشر" في حياتهم اليومية.
تعمل زهرة الزيمومي (38 عاماً) وهي أمّ لطفلتين، في نسج السجاد بمنطقة نفطة (جنوب) وتبيعها في تونس العاصمة، ما يتيح لها "الحصول على راتب شهري منتظم" تستخدمه "لدفع إيجار منزلها وضمان حياة كريمة".
فيما يعتبر رئيس "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" باسم الطريفي أن "تونس قد تفقد مجتمعها المدني وكل العمل الذي قامت به" إذا تم تعديل قانون 88 بشكل جذري.
يؤكد لوكالة الأنباء الفرنسية "بحسب دراسة قمنا بها، فإننا من خلال الحد من الموارد المالية للمجتمع المدني، قد نخسر حوالي 30 ألف فرصة عمل بشكل مباشر" و100 ألف فرصة عمل غير مباشرة. لكن تونس دخلت في ركود اقتصادي نهاية 2023، ونسبة البطالة تتجاوز 16% وحتى 40% بين الشباب.
"نقاش مع المجتمع المدني"
الموازنة العامة للدولة التونسية مثقلة بالديون (80% من الناتج المحلي الإجمالي)، وتوجه أساساً لدفع رواتب موظفي القطاع الحكومي والعام، ولا تملك التمويلات الكافية لدعم الجمعيات.
حيث يكشف الطريفي أن "النية تتجه اليوم من خلال قانون إنشاء الجمعيات وتمويلها في تونس، إلى التضييق على المجتمع المدني وعلى تمويله ونشاطه، وحصر نشاطه في مواضيع معينة تكون مقترحة من قبل السلطة السياسية".
يشاركه هذه المخاوف والتوجس، مقرّر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي، كليمان نياليتسوسي فول الذي زار تونس في الفترة الأخيرة.
حيث دعا المسؤول الأممي إلى اعتبار "مرسوم 2011 من مكتسبات الثورة التي يجب الحفاظ عليها"، مؤكداً في تصريحات لوكالة فرانس برس من تونس أن نظام "التراخيص المسبقة الجديد (لإنشاء الجمعيات) يعطي صلاحيات مفرطة للسلطة التي يمكنها، وفق أجندتها، رفض الترخيص لإنشاء جمعية".
كما أن قانون تشكيل الجمعيات الحالي، والذي يقوم على أساس إخطار السلطات، يتيح للسلطات مراقبة "أجندة المنظمة وما إذا كان هناك خطر أمني داهم" من خلال نشاطها، بحسب المسؤول.
كان لانتشار المنظمات والجمعيات دور لافت في تونس إثر ثورة 2011، وخصوصاً خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي ومختلف المراحل السياسية العصيبة التي مرت بها البلاد.
بينما دعا مقرّر الأمم المتحدة إلى "أن تفتح السلطات نقاشاً مع المجتمع المدني"، مشيراً إلى "مشكلة عدم التشاور" بشأن مراجعة المرسوم 88.