ضغط أمريكي أدى لاتفاق فض الاشتباك بين الاحتلال وسوريا في 1973.. وثائق سرية تكشف تفاصيل المفاوضات 

عربي بوست
تم النشر: 2024/03/01 الساعة 20:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/03/01 الساعة 20:16 بتوقيت غرينتش
تأسست وحدة شالداغ في أعقاب هزيمة جيش الاحتلال الإسرائيلي في حرب أكتوبر 1973 / ويكيبيديا

نشر أرشيف الدولة الإسرائيلي، الجمعة 1 مارس/آذار 2024، عشرات الوثائق السرية للمفاوضات التي جرت بين إسرائيل وسوريا قبل 50 عاماً، بوساطة وزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنري كيسنجر.

وتم نشر 40 وثيقة ونص اجتماع حكومي سري من أرشيف دولة الاحتلال بمناسبة الذكرى الـ50 لاتفاقية فك الاشتباك بين سوريا وإسرائيل وتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار الرسمي على الجبهة الشمالية بعد حرب 1973. 

وجاء في إحدى هذه البرقيات:  "أشعر بالقلق على إسرائيل بصفتي يهودياً أكثر من قلقي بصفتي وزيراً لخارجية الولايات المتحدة. فأمريكا بلد كبير ويمكنه احتمال الكثير، أما دولة إسرائيل فهي في خطر، ويمكن لأي خطأ أن يكلفها وجودها. ولن أتعمد فعل أي شيء يهدد مصالح إسرائيل. وإذا كان هناك اختلاف في الرأي بيننا، فليس السبب هو أنني أصنع معروفاً للعرب أو الروس، بل لأنني أؤمن بصدقٍ بأن رأيي هو الأفضل لصالح إسرائيل. ولن أسمح لنفسي مطلقاً بأن تذكرني كتب التاريخ كشخصٍ جلب الخراب أو الدمار على إسرائيل، لا سمح الله. فماذا سيكون هدفي وشعوري طيلة ما تبقى من حياتي لو فعلت ذلك؟ وكيف سأتعايش مع نفسي؟".

كانت هذه هي كلمات وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر في أبريل/نيسان من عام 1974، وذلك خلال محادثته مع السفير الإسرائيلي في واشنطن سيمشا دينيتز. وورد نص المحادثة في برقية شديدة السرية بعث بها دينيتز إلى مردخاي غازيت، المدير العام لمكتب رئيسة الوزراء غولدا مائير.

محادثات صعبة 

فبنهاية حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، انطلقت المحادثات مع المصريين بعد أيام من نهاية الحرب رسمياً، قبل تنفيذ عملية تبادل الأسرى على الجبهة الجنوبية خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني. وكان كيسنجر حريصاً على أخذ زمام المبادرة في المرحلة التالية من المحادثات، أي فك الاشتباك. حيث كان يسعى لاستغلال الوضع من أجل تعزيز علاقات دبلوماسية أوسع، وزحزحة السوفييت عن مكانتهم باعتبارهم الداعم الرئيسي للدول العربية. وفي اتفاق فك الاشتباك الذي جرى توقيعه مع مصر في يناير/كانون الثاني من عام 1974، وافقت إسرائيل للمرة الأولى على الانسحاب من الأراضي التي استولت عليها عام 1967.

لكن المفاوضات مع سوريا كانت أكثر صعوبة بكثير. إذ كان الرئيس حافظ الأسد يريد أن تنسحب إسرائيل من الأراضي التي استولت عليها خلال الحرب، لكنه يرفض تسليمها قائمةً بالأسرى الموجودين لديه أو السماح للصليب الأحمر بزيارتهم (وهو الشرط الذي وضعته إسرائيل لبدء المفاوضات).

وبعد ضغوط على سوريا من الولايات المتحدة والدول العربية -خاصةً السعودية ومصر- وافق الأسد في النهاية على السماح لكيسنجر بتقديم قائمة تضم أسماء الأسرى. وأدى استلام قائمة بأسماء الـ65 أسيراً إلى إثارة ارتياح كبير في إسرائيل. وفي الأول من مارس/آذار عام 1974، قبل 50 عاماً بالضبط، زار ممثلو الصليب الأحمر الأسرى الإسرائيليين للمرة الأولى.

وصفت وثيقة أخرى تم الكشف عنها، لقاءً بين كيسنجر وفريق المفاوضات الذي ضم غولدا، ورئيس الأركان دافيد إلعازر، وآخرين. حيث قال كيسنجر إنه لم يبرر الاتفاق مع سوريا على أسس عسكرية، لأن محتوى الاتفاق في حد ذاته ليس مهماً. لكن مجرد توقيع اتفاق مع دولة عربية متشددة هو المهم في رأيه، لأنه سيشجع الدول العربية المعتدلة مثل مصر وسيبعد السوفييت عن المشهد.

بينما أخبرته غولدا بأنه ليس هناك أساس للمطالب السورية بالانسحاب من الأراضي الواقعة خارج خط السادس من أكتوبر/تشرين الأول، وذلك لأن إسرائيل لم تخسر أي أراضٍ هناك، عكس ما حدث على الجبهة المصرية.

لكن كيسنجر قال إنه لن يقدم تلك الرؤية إلى السوريين، واقترح تأجيل بداية المحادثات لعشرة أيام أخرى وإرسال مبعوث إسرائيلي إلى واشنطن للقاء المبعوث السوري.

كيسنجر
وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر – Getty Images

وأوضح كيسنجر موقف السادات في محادثةٍ أخرى جرت يوم الأول من مارس/آذار، بعد عودته من زيارة للقاهرة. حيث ذكر أنه في حال اندلاع الحرب، مع إصرار إسرائيل على الانسحاب إلى الخط البنفسجي فقط، فسوف يكون السادات مضطراً إلى دعم سوريا. بينما سيؤدي الانسحاب لبضعة كيلومترات فقط -حتى مدينة القنيطرة مثلاً- إلى حل تلك المشكلة. وأكّد كيسنجر أن السادات مستعد للمساعدة في إقناع الأسد بقبول مقترح مشابه لاتفاق فك الاشتباك مع مصر.

وجرى توقيع اتفاق فك الاشتباك مع السوريين بالفعل في جنيف يوم الـ31 من مايو/أيار. وعاد الأسرى الجرحى إلى إسرائيل في اليوم التالي لدخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. ثم قدّم إسحاق رابين حكومته في الثالث من يونيو/حزيران. وبعد ثلاثة أيام فقط، عاد بقية الأسرى ليستقبلهم رابين مع غولدا في مطار اللد (بن غوريون حالياً).

تحميل المزيد