تناوب مسؤولون أمريكيون وأوروبيون خلال "مؤتمر ميونخ للأمن"، الذي عقد في الفترة من 16 إلى 18 فبراير/شباط 2024، على التحذير من الخطر الذي تمثله روسيا، وحاولوا الترويج لرسوخ التضامن بين الولايات المتحدة وأوروبا عبر الأطلسي، وذلك على الرغم من أن نواب الحزب الجمهوري الأمريكي أوقفوا في الأيام الماضية تمرير مشروع قانون تقدمت به إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن، لإرسال مساعدات بقرابة 60 مليار دولار إلى أوكرانيا.
تتخوف معظم الدول الأوروبية من انحسار تأييد الرئيس الأمريكي الحالي بايدن في استطلاعات الرأي، وتزايدت خشيتهم من انتصار ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، وما قد يعقب ذلك من العودة إلى تهديداته للعلاقة بين الولايات المتحدة وأوروبا، بعد أن شهدوا قدراً كبيراً من الازدهار والأمن تحت الغطاء الأمني للجيش الأمريكي خلال عهد بايدن.
حاول الأمريكيون تهدئة المخاوف الأوروبية خلال مؤتمر ميونخ، وقال المسؤولون الأوروبيون إنهم يهتمون أكثر من أي وقت مضى، بالبيانات التفصيلية لاستطلاعات الرأي في الولايات المتحدة، للتحري عن النتائج المحتملة لانتخابات مجلسي النواب والشيوخ، ومحاولة استشراف توجهات الكونغرس.
التأهب لتداعيات وصول ترامب للحكم
في السياق، قالت هانا نيومان، العضو الألماني بالبرلمان الأوروبي، إنه ليس هناك شك في أن الحاضرين في ميونخ يفضلون فوز بايدن بالانتخابات الأمريكية المقبلة، لكن معظمهم يدرك أن التغيُّر القائم في توجهات الرأي العام الأمريكي حيال أوروبا لا تقتصر أسبابه على دعاية ترامب، ومن المحتمل أن يستمر حتى لو لم ينتصر الرئيس السابق في الانتخابات المقبلة.
يعمل بعض المسؤولين والدبلوماسيين الأوروبيين على التأهب لتداعيات وصول ترامب إلى الحكم، بالترويج لأهمية النظام العالمي القائم، والحديث في الوقت نفسه عن ضرورة الاستعداد لاحتمال انهيار هذا النظام.
وقال دبلوماسيون من كبرى دول الاتحاد الأوروبي إن سفاراتهم خصصت أوقاتاً إضافية للتحقق من المجريات والمستجدات السياسية في الولايات المتحدة، ومتابعة التصريحات والتنازلات التي تطالب بها قاعدة الناخبين الجمهوريين التي يحتمل أن توصل ترامب إلى الحكم لولاية ثانية.
"ضمور الأمن الأوروبي"
وزار الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، الولايات المتحدة مؤخراً، وألقى خطاباً في "مؤسسة التراث" ذات الصلات القريبة من ترامب، وزار منشأة تابعة لشركة "لوكهيد مارتن" الأمريكية للصناعات العسكرية في ولاية ألاباما، لتسليط الضوء على حجم ما يشتريه الحلفاء الأوروبيون من شركات تصنيع الأسلحة الأمريكية.
كما سافر وزير خارجية إستونيا، مارغوس تساهكنا، إلى ولاية أركنساس للترويج لمشتريات بلاده من الأسلحة الأمريكية، والحديث عما تبذله أوروبا من جهود لتعزيز قدرات الدفاع عن نفسها، وإبراز الأسباب التي تدعو الولايات المتحدة إلى البقاء في حلف الناتو مع أوروبا.
ومع ذلك، قال السيناتور الجمهوري جيه دي فانس، في مشاركة له بمؤتمر ميونخ يوم الأحد 18 فبراير/شباط، إن "مشكلة أوروبا هي أنها لا تفعل اللازم لتوفير قوة الردع الكافية مفردها"، و"أحسب أن [الاعتماد على] الغطاء الأمني الأمريكي فتح الباب أمام ضمور الأمن الأوروبي".
وعلى الرغم من المخاوف الأوروبية من سياسات موسكو، قال فانس: "لا أعتقد أن [الرئيس الروسي] فلاديمير بوتين يشكل تهديداً وجودياً لأوروبا"، و"أنا منفتح على العمل مع بوتين، وكونه رجلاً سيئاً لا يعني بالضرورة أننا لا نستطيع التشارك في الخطوط الدبلوماسية الأساسية".
"استعِدوا للمسار الأسوأ"
من جهة أخرى، قال ترامب في مؤتمر انتخابي هذا الشهر، إنه "سيشجع" روسيا على فعل ما تريده تجاه أعضاء الناتو الذين لا ينفقون بالقدر الكافي على القدرات الدفاعية.
بدوره، قال مسؤول أمني أوروبي، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته: "حين يقول الزعيم السابق وربما الزعيم المقبل للعالم [الغربي] الحر إنه سيجلس بلا حراك ويترك روسيا تهاجم حلفاء بلاده في الناتو، فعلينا أن نعيد النظر في مدى الالتزام المتوقع من الولايات المتحدة بتدعيم أمن أوروبا وأوكرانيا"، لذا "علينا أن نأمل الخير ولكن يجب أن نستعد كذلك للمسار الأسوأ"، أي تخلي الولايات المتحدة عن دعم أوكرانيا والسماح لبوتين بزعزعة استقرار أوروبا.
وناقش المسؤولون الأوروبيون بعد أيام من تصريحات ترامب العملَ على بناء القدرات اللازمة لإقامة درع نووية لحلف الناتو على مستوى القارة الأوروبية، على أن تقام هذا الدرع بالتنسيق مع الضمانات الأمنية الأمريكية، وتوفر كذلك بديلاً موثوقاً به إذا سحبت الولايات المتحدة ضمانات الحماية الأمنية.
ومع ذلك، لم تتفق فرنسا وألمانيا على من سيتحمل تكلفة الدرع النووية المأمولة، ولا تثق أوروبا الشرقية، بالقدر الكافي بعزم أوروبا الغربية على مواجهة التهديدات الروسية. ولا يُعرف ما إذا كانت أوروبا قادرة بالفعل على بناء درع نووية فوق القارة، وحتى لو فعلت ذلك، فمن المستبعد أن تكون كافية لحمايتها من ترسانة روسيا إذا نشبت حرب نووية.