قالت صحيفة "The Guardian" البريطانية إنه منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، في فبراير/شباط 2022، حققت أكبر شركات النفط في العالم مسجلة في البورصة، وهي بريتيش بتروليوم، وشل، وشيفرون، وإكسون موبيل، وتوتال إنيرجيز، أرباحاً بقيمة 281 مليار دولار.
الصحيفة أشارت في تقرير لها، نشرته الإثنين 19 فبراير/شباط 2024، إلى أن هذا الارتفاع في أرباح أكبر شركات النفط في العالم، الذي يعزى إلى الزيادة الكبيرة في أسعار الطاقة وفواتير تدفئة المنازل، أثار مخاوف إزاء التركيز على مكاسب المساهمين على حساب رفاهية المستهلك والاستدامة البيئية.
أرباح أكبر شركات النفط في العالم
فقد حققت شركتا بريتيش بتروليوم وشل ومقرهما المملكة المتحدة أرباحاً كبيرة، بلغ مجموعها 94.2 مليار دولار منذ بدء الحرب، وهو ما يكفي لتغطية جميع فواتير الكهرباء المنزلية في بريطانيا لمدة 17 شهراً متتالياً.
إذ كانت شركة شل، التي حققت أرباحاً بقيمة 58.9 مليار دولار منذ الربع الثاني من عام 2022، أعلنت عزمها إلغاء 330 وظيفة في وحدة الحلول منخفضة الكربون للتركيز على مشاريع النفط عالية الربح.
بينما حققت شركة بريتيش بتروليوم، التي قلّصت أيضاً أهدافها المناخية، أرباحاً بقيمة 35 مليار دولار خلال الحرب. وحققت الشركات الأوروبية والأمريكية الكبرى، شيفرون، وإكسون موبيل، وتوتال إنيرجيز، مجتمعةً، أرباحاً تزيد على 187 مليار دولار.
فيما انتقدت شركة غلوبال ويتنس صناعة الوقود، قائلة إن أكبر شركات النفط في العالم هي المستفيد الرئيسي من الحرب التي دمرت حياة ملايين الناس.
حسب الصحيفة البريطانية، من المتوقع أن تكافئ الشركات الخمس الكبرى المستثمرين بمدفوعات قياسية تزيد عن 100 مليار دولار عن عام 2023، حين تُنشر أرقام السنة المالية بأكملها في الأسابيع المقبلة، رغم الغضب الشعبي والانتقادات المتزايدة لآلة الربح من الوقود الأحفوري.
إذ قال معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي (IEEFA) إن أكبر شركات النفط في العالم على الأرجح ستدفع للمساهمين المزيد هذا العام رغم ضعف أسعار سوق السلع الأساسية الذي سيؤدي إلى انخفاض الأرباح.
أثرت شركات النفط الكبرى المساهمين بتوزيعات الأرباح وإعادة شراء الأسهم بقيمة 104 مليارات دولار عام 2022، وفقاً للمعهد.
دعوات لمنع استغلال الأزمات
بينما سلطت إيزابيلا ويبر، الخبيرة الاقتصادية في جامعة ماساتشوستس في أمهرست، الضوء على ارتفاع أرباح الشركات في قطاعات الأغذية والشحن والنفط والغاز. وطالبت بضوابط أسعار لمنع الشركات من استغلال الأزمات لزيادة هوامش الربح وأرباح المساهمين على حساب المستهلكين.
كما قالت لأعضاء البرلمان الأوروبي مطلع هذا الشهر: "أزمة الطاقة كانت أسوأ الأوقات التي مرّت على أغلب الأوروبيين، ولكنها كانت أفضل الأوقات لفائدة أكبر شركات النفط في العالم".
أضافت ويبر: "تحقيق أرباح قياسية في القطاعات الأساسية في أوقات الأزمات يعني أن المصالح العامة ومصالح الشركات غير متوافقة. وعلينا وضع قواعد جديدة لاقتصاديات الأزمات".
الحرب على أوكرانيا وارتفاع الأسعار
لسنوات ساد العالم رخاء نادر في تاريخ البشر، بفضل وفرة المواد الخام المستخرجة من أراضي الدول النامية والتكنولوجيا الغربية المصنعة بأيد آسيوية، ولا سيما صينية، خالقة أكبر طبقة وسطى في تاريخ البشرية.
لكن تسببت حرب أوكرانيا في رفع مستويات التضخم في كثير من بلاد العالم إلى أعلى درجاتها منذ عقود، ما أدى إلى ارتفاع أسعار جميع السلع.
يقول ديفيد سميث، المحرر الاقتصادي في صحيفة The Sunday Times البريطانية في تقرير سابق: "ارتفعت تكاليف الطاقة المنزلية بـ88% خلال الأشهر الـ12 الأولى من الحرب على أوكرانيا، وما لا يقل عن نصف معدل التضخم الحالي في المملكة المتحدة البالغ حوالي 11% يُعزى إلى تكاليف الطاقة المرتفعة والزيادات المرتبطة بها في أسعار الغذاء والسلع الأخرى".
كما أنه لطالما كانت منطقة البحر الأسود توصف بسلة غذاء العالم خاصة بعد التطور في الزراعة التجارية إثر انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث كانت روسيا وأوكرانيا مصدرين رئيسيين للحبوب. وفي عام 2021 يُقدَّر أن أوكرانيا أمدت 400 مليون شخص حول العالم بالغذاء.
لكنها عجزت في الشهور الأولى من الحرب على تصدير الحبوب عن طريق مسارات الشحن الرئيسية الخاصة بها عبر البحر الأسود. فاقم هذا الأمر من المجاعة التي بدأت فعلياً تصيب إثيوبيا وكينيا والصومال، وهي بلاد تحصل عادة على 90% من قمحها من أوكرانيا وروسيا.
بينما ساعد ارتفاع أسعار الطاقة منذ الغزو في تمويل آلة الحرب الروسية، لكن الإيرادات سوف تنخفض، لأن الاتحاد الأوروبي فرض حداً أقصى على سعر برميل النفط الروسي يبلغ 60 دولاراً للبرميل.
في المجمل، تعني العقوبات أن اقتصاد البلاد يُتوقع أن ينكمش بنسبة 4.5% هذا العام. يفك الاقتصاد الروسي الارتباط بينه وبين الغرب، ما يعني عكس مسار 3 عقود زمنية من الاندماج الاقتصادي الذي أعقب انهيار الشيوعية.
في الوقت ذاته عانت أوروبا من أزمة طاقة غير مسبوقة جراء الحرب بعد توقف إمدادات الغاز الروسي الرخيص، الأمر الذي عرض القارة الثرية للبرد بشكل لم يعرفه سكانها منذ عقود، لكن في المقابل ارتفعت أرباح أكبر شركات النفط في العالم.