تعرَّض عدد من البرلمانيين في الأشهر الأخيرة في المغرب لمتابعات قضائية، والبعض الآخر تم اعتقاله بسبب الاشتباه في تورطهم في قضايا لها علاقة بالفساد المالي وتبديد أموال عمومية واستغلال النفوذ، إلى جانب الاتجار في المخدرات.
وتشمل لائحة البرلمانيين المتابَعين في المغرب، حسب ما نشره موقع بديل نحو 30 عضواً بمجلس النواب الحالي، تم إصدار أحكام قضائية في حقهم، أو متابعين قضائياً أو في طور التحقيق.
وتضم اللائحة 27 عضوا في البرلمان الحالي تم إصدار أحكام قضائية في حقهم، أو متابعون قضائيا أو في طور التحقيق، 6 أعضاء من من حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقود الحكومة.
أما في حزب الأصالة والمعاصرة فقد تمت 5 برلمانيين، وفي الاتحاد الدستوري تمت متابعة 4 برلمانيين، والحركة الشعبية 3 برلمانيين، والاستقلال 3 برلمانيين، والاتحاد الاشتراكي ثلاث برلمانيين، والتقدم والاشتراكية برلمانيين اثنين، الحركة الديمقراطية الاجتماعية 1
هذه الأرقام تجعل الولاية البرلمانية الحالية واحدة من أكثر الولايات التي تمكّن خلالها برلمانيون "فاسدون" أو متهمون أو متابعون قضائياً، من الوصول إلى هذه المؤسسة التشريعية.
توقيف العديد من البرلمانيين، رغم وضعهم الاعتباري، يعطي إشارات على أن السلطات المغربية تسعى "لاجتثاث" الفساد، خصوصاً في المؤسسة التشريعية والمجالس المنتخبة، ووضع حد لمجموعة من السلوكيات التي تسيء للعمل البرلماني والسياسي في المملكة.
وكان ملف ما يعرف بـ"إسكوبار الصحراء" الأكثر جدلاً بعد أن أطاح بأسماء سياسية وازنة في البلاد، وعلى رأسهم البرلماني ورئيس نادي الوداد الرياضي سعيد الناصري، ورئيس جهة الشرق عبد النبي البعيوي، وهما القياديان في حزب الأصالة والمعاصرة المشارك في الحكومة.
حملة تطهير واسعة
اعتقال عدد من البرلمانيين ومتابعة بعضهم في حالة اعتقال والبعض الآخر في حالة إطلاق سراح أثار التساؤلات في المغرب، هل الموضوع له علاقة بحملة تطهير داخل المؤسسة التشريعية في البلاد، أم هي حملة قصيرة المدى متعلقة بالأشخاص دون انتمائهم السياسي.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، محمد شقير قال إن "الأمر يتعلق بحملة تطهير واسعة في المملكة، إذ بدأت مؤشراتها منذ إرساء مجالس مراقبة وتعيين رؤساء لها يتمتعون بحرفية وسُمعة عاليتين لمحاربة الفساد على رأس المجلس الأعلى للحسابات ومجلس المنافسة".
وتابع شقير في تصريح لـ"عربي بوست"، أن من مؤشرات حملة التطهير هذه، "ما قامت به وزارة الداخلية من خلال عزل مجموعة من المنتخبين بما في ذلك تقديم بعضهم للمحاكمة، إلى جانب منسوب الفساد الذي زاد؛ بدليل التقارير الوطنية والدولية التي أكدت هذا الاستشراء".
كل هذا الوضع في المملكة "دفع إلى ضرورة اتخاذ حملة واسعة لتنقية المشهد السياسي، ويبدو أن الخطاب الملكي الذي أكد على الجدية، كان إشارة حاسمة لانطلاق هذه العملية التطهيرية"، يردف أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط.
اعتقال برلمانيين في المغرب
وَقعُ هذه العملية كان إيجابياً وسط الرأي العام المغربي، خصوصاً أن هذه القضايا، خصوصاً التي صدرت فيها أحكام القضاء، تقدم مؤشرات يتمنى الكثير من الحقوقيين والمدافعين عن المال العام أن تتواصل وتتعمق أكثر.
يقول المستشار السياسي والاستراتيجي، هشام معتضد إن "الاعتقالات الواسعة في صفوف المنتخبين تعطي إشارات إيجابية ومشجعة جداً على بداية تحوّل طال انتظاره من طرف القوى الحيّة والشعب المغربي".
وأضاف معتضد في حديثه لـ"عربي بوست"، أن الرأي العام المغربي طالب وما زال بإجراءات حازمة تجاه الفساد الذي ينخر جسم المنتخبين البرلمانيين ويعبث باللعبة السياسية على المستوى التشريعي والمحلي والجهوي".
ونبَّه المستشار السياسي والاستراتيجي إلى أن "محاربة مثل هؤلاء لا يجب أن تكون ظرفية، أو عملية لتصفية حسابات سياسية، بل يجب على الدولة انتهاج مقاربة صارمة للتصدي لهم وحماية مؤسسات الدولة لضمان استمرار مصداقيتها".
الجزء الظاهر من الفساد
ويسجل أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، محمد شقير، أن " هذه المتابعات القضائية عكست النظرة السياسية التي كانت لدى مكونات الرأي حول فساد النخب السياسية بالمغرب".
وأوضح شقير في إفادته لـ"عربي بوست"، أن "هناك اقتناعاً بأن هذه الملاحظات والمتابعات لا تشكل سوى الجزء الظاهر من هذا الفساد السياسي الذي يوجد في مختلف دواليب الدولة بما فيها المؤسسات المنتخبة".
وأضاف المصدر ذاته أنه "تسود قناعة بأن أغلب رؤساء الجماعات والجهات ونواب الأمة لا يترشحون إلا للدفاع عن مصالحهم الشخصية والفئوية، وظهر ذلك من خلال التحول الكبير الذي يطرأ على حياة وثروة هؤلاء بعد انتخابهم لرئاسة المجالس أو ولوجهم إلى قبة البرلمان كنواب للأمة".
مدونة لتأطير السلوك
في خضم هذا الواقع، يمضي البرلمان في الاشتغال على مدونة "السلوك والأخلاقيات، إذ يتوقع أن تكون جاهزة لكي يخرجها في الأسابيع المقبلة، تفعيلاً لتوجيهات الملك محمد السادس، بإقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها، في رسالته الموجهة إلى البرلمان في تخليد الذكرى الـ60 لتأسيس البرلمان المغربي".
ويسعى البرلمان لإخراج هذه المدونة الجديدة للأخلاقيات البرلمانية، بما يساهم في الارتقاء بتخليق الحياة البرلمانية، خصوصاً أن الأمر جاء متزامناً مع كل القضايا، سواء المعروضة على التحقيق أو القضاء، تتعلق بممثلي الأمة.
وأورد المستشار السياسي والاستراتيجي، هشام معتضد أن "قانون الأخلاقيات والسلوك المنتظر وضعه، يعتبر آلية سياسية مهمة، وخطوة قانونية ضرورية لتأطير الفضاء الأخلاقي والسلوكي للمؤسسة التشريعية".
ولكن هذا الأمر "لا يعني بالضرورة، وبكيفية مباشرة، كسب معركة الفساد الأخلاقي وضبط السلوك التشريعي ليستجيب لتطلعات الشعب المغربي والدولة؛ لأن القانون وإن صُودق عليه يبقى حبراً على ورق في غياب رغبة حقيقية في تفعليه"، يستطرد المستشار السياسي والاستراتيجي.
أوضح نفس المصدر أن "المُشرّع المغربي هو من يبعث الروح في القانون وليس العكس؛ ما يعني أن نجاعة القانون رهينة بمدى استعداد المُشرّع المغربي لتبنيه فعلياً، وتنفيذه سياسياً وقانونياً على مستوى الواقع".