كشف مصدر مطلع بوزارة التربية والتعليم لـ"عربي بوست" أن الحكومة المصرية تتجه لتجهيز مراكز الدروس الخصوصية في مصر، وذلك بسبب العجز المسجل في أعداد المعلمين والمدارس الحكومية في مصر.
وأضاف المصدر نفسه أن الميزانية لن تسمح للحكومة بالتوسع في بناء مدارس حكومية جديدة وتعيين مدرسين وتسجيل 800 ألف طالب سنوياً في المدارس الحكومية في مصر، لذلك ستعوضها بمراكز الدروس الخصوصية.
وشهد العام الدراسي الحالي في مصر زيادة مماثلة في أعداد الطلاب الذين عزفوا عن الحضور إلى مدارسهم، وصلت العام الماضي فقط إلى 150 ألف طالب في المراحل الابتدائية والإعدادية.
زيادة المصروفات على الطالب
وقال مصدر لـ"عربي بوست" إنه من بين أبرز الحلول التي تذهب إليها وزارة التربية والتعليم في حال قناعة المجتمع بذلك؛ تقنين مراكز الدروس الخصوصية في مصر.
وأضاف المتحدث أن الوزارة وجب عليها فرض الرقابة على مراكز الدروس الخصوصية في مصر بشكل مباشر، لتوفير جزء ولو قليل من الجانب التربوي الذي تفتقده تلك المراكز، وبما يسهم في التخفيف عن المدارس الحكومية في مصر.
وأشار المتحدث إلى أن النقاش يدور حالياً حول شروط التراخيص، والإمكانية، والكيفية لتمهيد المراكز الخصوصية لحصول الطلاب على الشهادات الدراسية الحكومية دون أن يضطر الطلاب للحضور إلى المدرسة.
وحسب المتحدث فإن وزارة التربية والتعليم تلتزم بتسجيل الطلاب في المدارس الحكومية لتسهيل مهمة التعامل مع مشكلات التسرب من التعليم وزيادة معدلات الأمية.
كما أن الوزارة، حسب المصدر نفسه، تمضي وفق خطة تستهدف تحويل المدارس إلى مناطق آمنة لتعليم الطلاب بمقابل مادي زهيد عقب انتهاء اليوم الدراسي، سواء أكان ذلك تحت مسمى مجموعات التقوية التي تعمل الوزارة على التوسع فيها حالياً، أم من خلال تحويلها إلى مقرات لاستقبال معلمي الدروس الخصوصية.
وقال مصدر "عربي بوست" إن النقاش الحالي يدور حول زيادة مصروفات المدارس الحكومية لتوفير مقومات التعليم الأساسية، لكن ذلك اصطدم بالنص الدستوري الذي يمنح الطلاب حق التعليم المجاني حتى الحصول على شهادة الثانوية العامة.
ومع صعوبة تعديل هذا النص يتم التباحث حول البدائل التي تضمن الحصول على مساهمات مالية من الطالب تساعد على تطوير العملية التعليمية، أو على الأقل تدبير نفقات المعلمين الذين سيكون لديهم دور بارز في إنجاح تجربة التوسع في فصول التقوية.
500 ألف عجز في المعلمين
وقال مصدر "عربي بوست" من داخل وزارة التربية والتعليم المصرية، إن هذه الأخيرة تسعى لتوفير أراضٍ صالحة لبناء مدارس في محافظات مختلفة، على أن تتولى هي مهمة الإنشاء، فيما يتولى القطاع الخاص مهمة الإدارة بحق انتفاع يصل إلى 50 عاماً.
وأضاف المتحدث أن الأزمة لا تتمثل في عدم توفر موازنات المباني بالأساس، لكن العائق الأكبر يرتبط بتوفير ميزانيات لرواتب المعلمين بعد أن وصل العجز إلى ما يقرب من 500 ألف معلم، وبالتالي فإن الوزارة تباطأت في عملية الإنشاء لحين التوصل لتفاهمات مع القطاع الخاص لإدارة هذه المدارس.
وكان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قد عقد اجتماعاً مع عدد من المستثمرين المهتمين بمجال التعليم، موضحاً أن تعزيز دور القطاع الخاص، وزيادة نسبة مشاركته فى قطاع التعليم، من شأنه أن يسهم فى جهود النهوض بهذا القطاع المهم وتلبية احتياجات شريحة كبيرة من المواطنين، من خلال إتاحة فرص تعليمية ذات جودة عالية وبأسعار مناسبة.
من جهتها أعلنت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، الدكتورة هالة السعيد، أن الحكومة تستهدف تعزيز مشاركة القطاع الخاص في الخدمات التعليمية من 25% حالياً إلى 40% على الأقل بحلول عام 2030.
فيما أوضح الدكتور رضا حجازى وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، أن مؤسسات التعليم الخاص تُمثل نسبة 10% من التعليم قبل الجامعي، مضيفاً أن هناك احتياجاً كبيراً لهذه النوعية من التعليم لتلبية متطلبات الأسر.
من جهته قال مصدر آخر مسؤول بوزارة التربية والتعليم لـ"عربي بوست" إن الحكومة تحصي أعداد مراكز الدروس الخصوصية في مصر، التي يصل عددها وفقاً لآخر إحصاء قبل 10 سنوات إلى 12 ألف مركز تعليمي، ومن المتوقع أن يكون هذا الرقم تضاعف الآن.
وأضاف المتحدث أن الدراسات التي تجريها وزارة التربية والتعليم أثبتت أن المراكز التي كانت مقتصرة من قبل على طلاب المرحلة الثانوية أضحت الآن تستقطب طلاب المرحلة الابتدائية والإعدادية.
وأشار المصدر المسؤول أن الأمر لا يقتصر فقط على طلاب المدارس الحكومية ممن ليست لديهم إتاحات أو معلمين، لكن أيضاً طلاب المدارس الخاصة أضحوا يلجأون إليها نظراً للوضع الاقتصادي الصعب الذي يعاني منه الجميع.
تعيين 150 ألف مدرس.. المهمة المستحيلة
وأضاف المصدر نفسه أنه كان من المأمول الالتزام بتعيين 150 ألف معلم خلال 5 سنوات، وهو الرقم الذي يُمكن تحقيقه خلال 8 سنوات، في ظل التباطؤ في معدل التعيين السنوي، وبالتالي فإنه من المتوقع أن يتزايد العجز من 400 ألف معلم الآن إلى 650 ألف معلم خلال السنوات الثلاث المقبلة.
المصدر نفسه قال إن الوزارة رصدت هذا العام عزوفاً من الطلاب عن المدارس الحكومية في المرحلة الإعدادية، تحديداً في الصفين الثاني والثالث الثانوي، وهناك مؤشرات على أنه كلما زاد عجز المعلمين اتجه الطلاب على نحو أكبر إلى مراكز الدروس الخصوصية.
وحسب المتحدث، فإن هذه المعطيات تؤكد على ضرورة تقنين مراكز الدروس الخصوصية في مصر، ودفعها نحو لعب دور تربوي قد لا تكون المدرسة قادرة على الالتزام به، لكن تبقى الأزمة في سبل الرقابة، التي تتطلب تغييراً جذرياً على مستوى أقسام المتابعة في الإدارات والمديريات التعليمية.
ويوضح المصدر ذاته لـ"عربي بوست" أن هيئة الأبنية التعليمية التي تتولى عملية إنشاء المدارس أضحت تركز بالأساس على عمليات الصيانة التي تحتاجها المدارس، وتحديداً الصيانة الشاملة، لتساعد على أن تبقى هناك جودة في البنايات الموجودة بدلاً من التوسع في إنشاء بنايات جديدة قد لا تكون قادرة على استيعاب الطلاب لعدم وجود المعلمين.
وبحسب تقرير صدر العام الماضي عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء؛ فإن إجمالي عدد المعلمين في مصر للتعليم قبل الجامعى "عام، وفني، وأزهر" بلغ نحو 1.1 مليون معلم خلال العام الدراسى 2022/2023.
فيما بلغ عدد معلمي التعليم العام (المدارس الحكومية) بلغ عددهم في العام الدراسى الماضى 830.4 ألف قاموا بالتدريس لعدد 23 مليون و244 ألف تلميذ.
وبحسب تقرير صادر عن محافظة القاهرة بالتنسيق مع مديرية التربية والتعليم، فإن المحافظة بحاجة إلى 8319 فصلاً إضافياً خلال العام الدراسي الحالي لتحقيق الكثافة الطلابية المثالية.
ووفقاً للزيادة السكانية السنوية المتوقعة تحتاج العاصمة سنوياً إلى أكثر من 2300 فصل لاستيعاب أعداد الطلاب، إذ تتراوح أعدادهم في كل فصل من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية ما بين 59 و44 تلميذاً.
فيما يشير الواقع إلى أن عدداً من المدارس الحكومية في المناطق ذات الكثافات المرتفعة تصل فيها أعداد الطلاب لأكثر من 120 طالباً في الفصل الواحد.
مراكز الدروس الخصوصية في مصر.. تهديد للأسر
ومؤخراً أكد وزير التربية والتعليم المصري رضا حجازي، أن تكلفة إنشاء وتأسيس الفصل كانت تقدر بنحو 500 ألف جنيه منذ 4 سنوات، بينما تتعدى التكلفة الآن 800 ألف جنيه.
وبحسب قيادي حزبي على صلة بملف التعليم، فإن توجهات الحكومة المصرية بمثابة خطر كارثي يداهم التعليم ويقضي على مجانيته التي منحها الدستور بأحقية للمواطنين الذين يدفعون أموال الضرائب.
واعتبر المتحدث أن اللجوء إلى القطاع الخاص بأشكاله المختلفة، بما فيها مراكز الدروس الخصوصية، لإدارة المدارس الحكومية، يفاقم مشكلات التعليم ولا يحلها، لأنه في تلك الحالة لن يتمكن من تعليم أبنائه إلا من لديه القدرة المالية في دولة يقع أكثر من نصف سكانها تحت خط الفقر.
وأوضح أن الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص في إدارة المدارس ثبت فشلها في كثير من المرات السابقة، ويمكن القول بأنها حققت نتائج شبه إيجابية في التعليم الفني الذي يشترط أن يتم تدريب الطلاب في المصانع والشركات الخاصة.
لكن بالنسبة للتعليم العام، حسب المتحدث، فإن المستثمر سيكون هدفه الرئيسي جني الأرباح، ولن تتمكن الحكومة من فرض رقابتها القوية عليها لأنها بالأساس تحتاج إلى رجال الأعمال والمستثمرين، وليست لديها القدرة على تعيين مئات الآلاف من المعلمين لسد العجز.
ولفت المتحدث إلى أن الاتجاه إلى القطاع الخاص من شأنه أن يزيد أعباءً إضافية على أولياء الأمور، دون وجود خطط تضمن الارتقاء بمستوى التعليم، لأن الواقع يشير إلى أن مستوى التعليم في كثير من المدارس الخاصة لا يختلف كثيراً عن مستوى التعليم الحكومي المجاني.
كما أن الحكومة، حسب المتحدث، من المفترض أنها سترحل قريباً، وتجاوزت صلاحيتها حينما يبحث رئيس الوزراء مسائل مستقبلية هي بالأساس من اختصاص البرلمان والأحزاب السياسية.
ولفت إلى أن موازنة الحكومة تتحمل تعيين، على الأقل، 150 ألف معلم بحسب التكليف الرئاسي، لكن المشكلة في أنها غير قادرة على تنفيذ تلك الخطوات تنفيذاً لشروط صندوق النقد الدولي.
وفي المقابل فإن مسؤوليتها الدستورية والتنفيذية أمام دافعي الضرائب أن توفر الاعتمادات اللازمة لتعيين 500 ألف معلم، وفي حال التزمت بتحديد نسبة 4% من الناتج القومي للتعليم فإننا لن نبقى بحاجة لاستجداء القطاع الخاص لأن يكون شريكاً في الخدمات التعليمية المقدمة.
ويشير خبير تربوي، إلى أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة وارتفاع معدلات التضخم ونقص العملة الصعبة، تؤثر سلباً على قدرة الحكومة على الوفاء باحتياجات منظومة التعليم.
وقال إنه من ضمن سياسات التقشف التي جرى وضعها ضرورة التخلص من عبء إدارة المرافق والخدمات العامة التي يأتي ضمنها التعليم، يأتي ذلك في الوقت الذي تجد فيه عملية توسيع دور القطاع الخاص وتقليل الدور المركزي لوزارة التربية والتعليم فى العملية التعليمية ترحبياً تعليمياً وتربوياً في ظل ضعف قدرات الحكومة.
ولفت إلى أن خصخصة التعليم المصري أضحت أمراً واقعاً في ظل مليارات الجنيهات التي تدفعها الأسر المصرية سنوياً على الدروس الخصوصية وشراء الكتب الخارجية، وكذلك من خلال إلحاق أبنائهم بالمدارس الخاصة.
واعتبر المتحدث أن الحكومة عمدت جس نبض المواطنين بشأن تراجعها عن أدوارها التعليمية، من خلال تصريحات وزير التربية والتعليم رضا حجازي، والذي أكد بعد أشهر قليلة من توليه منصبه في عام 2022 عن نيته تقنين أوضاع مراكز الدروس الخصوصية، قبل أن يتراجع مؤقتاً تحت وطأة الرفض الشعبي.
وتزامن هذا التصريح، بحسب المصدر ذاته، مع قيام صندوق مصر السيادي بالاستحواذ على النسبة الأكبر من شركة "سلاح التلميذ"، وهي الأوسع انتشاراً على مستوى الكتب الخارجية، وأسست منصة مصر التعليمية بما يفتح الباب أمام القطاع الخاص للاستثمار في مجالات التعليم، تحديداً المجالات الرقمية والتكنولوجية بما يقلل الاعتماد على الدور التقليدي للمدرسة، ومن ذلك الحين لا تتوانى الحكومة عن تشجيع القطاع الخاص للتوسع في دخول مجال التعليم.