المنسق الوطني لقطب الماء بالرباط لـ”عربي بوست”: المغرب تأثر بالتغيرات المناخية، والجفاف الهيكلي أصبح يسيطر على المملكة

عربي بوست
تم النشر: 2024/01/30 الساعة 08:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/01/30 الساعة 08:17 بتوقيت غرينتش
سد يوسف بنتاشفين (مواقع التواصل الاجتماعي)

يمُر المغرب للسنة السادسة على التوالي بموجة جفاف كبيرة، بسبب تراجع التساقطات التي أثرت على تراجع مستوى ملء السدود، ما دفع الحكومة إلى إعلان إجراءات مستعجلة، محاولة منها لترشيد استهلاك الماء في المغرب.

وقال المنسق الوطني لقطب الماء في الائتلاف المغربي للمناخ والبيئة في حوار مع "عربي بوست" إن تداخل مجموعة من العوامل أدى إلى تراجع الواردات المائية، منها العامل البشري.

وأضاف المتحدث أن مسألة استنزاف بعض الزراعات كالأفوكادو والدلاح للماء مُبالغ فيها، لأن المغرب يستورد أيضاً صناعات استهلكت  الماء في موطنها الأصلي.

الملك محمد السادس ترأس جلسة لمناقشة وضعية الماء في المغرب بشكل عاجل (أرشيف)
الملك محمد السادس ترأس جلسة لمناقشة وضعية الماء في المغرب بشكل عاجل (أرشيف)

نص المقابلة كاملاً:

هل من أرقام تعكس هذه الوضعية المائية اليوم في المغرب؟

الأرقام حول وضعية الماء في المغرب تعكسها نسبة التساقطات، وكمية التساقطات انخفضت بشكل كبير. آخر رقم رسمي نتحدث عنه هو 70% من الواردات المائية. ودورة الماء تشمل الواردات والاستهلاكات، وقد وقع اختلاف في التوازن.

عندما تنخفض الواردات بنسبة 70%، فالأكيد أن الأرقام مهولة، سواء على مستوى نسبة التساقطات المطرية وفي كمية الثلوج التي شهدتها المملكة، وهو ما ينعكس على حقينة السدود التي لا تتعدى حالياً، وفق الأرقام الرسمية، ما بين 23% و25%، وهي نسبة تقل بنحو 10 نقاط عن الفترة نفسها في السنة الماضية.

كنا نشهد فصل شتاء ممطراً وأياماً طويلة من التساقطات، ولكن أصبحت الحصيلة السنوية من التساقطات قليلة وغير منتظمة، لا على المستوى الزمني ولا على المستوى الجغرافي. وهذه كلها مؤشرات تعكس صيفاً طويلاً تشهده البلاد، وفترة برد تميزها قلة التساقطات.

ما هي الأسباب الرئيسية في نظركم وراء الوضع المائي في المغرب؟

المغرب بلد تأثر بالتغيرات المناخية بشكل جلي، وما نعيشه هو جفاف هيكلي أصبح يسيطر على المملكة، ولابد من إجراءات لمواجهة حقيقة الجفاف وليس تأخر التساقطات.

والمقصود بالجفاف الهيكلي، أنه أحياناً تمر سنوات عجاف تتميز بتأخر التساقطات، لكن في الأخير تشهد البلاد بعض التساقطات المطرية والثلجية التي تملأ السدود وتحيي الفرشة المائية، وتخلق نوعاً من التوازن.

والجفاف اليوم في المغرب يرتبط بظاهرة تغير المناخ في المغرب، ولا يتعلق الأمر فقط بإشكالية توالي تأخر التساقطات، بل مرتبط بما يشهده العالم من تغيرات مناخية. وبالتالي فالسياسة المائية في المملكة لابد أن تواجه الجفاف وشح التساقطات وليس تأخر التساقطات.

طيب، بعد العامل المناخي والطبيعي، ماذا عن العوامل البشرية في الوصول إلى وضعية الجفاف هذه في المملكة؟

أكيد مع الكثافة السكانية والضغط الديمغرافي والضغط الاقتصادي، خصوصاً أن جميع الأنشطة مرتبطة بالماء في الماء كمادة حيوية. وكان من الممكن تدبير استهلاك بشكل أنجع باستحضار الأهمية الحيوية لهذه المادة في كل الأنشطة.

وأخص بالذكر أنه يجب تكثيف المجهودات على مستوى استهلاك المواطنين للماء، إذ يجب أن تتغير سلوكيات هؤلاء أمام قطرة الماء، لأن الارتباط عضوي ووظيفي.

عندما نتحدث عن استهلاك القطاع الفلاحي كميات من المياه، فالأمر يتجه إلى ضمان الأمن الغذائي للمملكة. وبالتالي كان يجب التفكير في طبيعة المياه التي يمكن استعمالها في المجال الفلاحي والزراعي. وحقيقةً هناك تأخر كبير في  اللجوء إلى خزان أساسي في المجال الفلاحي ببلادنا، يرتبط أساساً بالمياه غير الاعتيادية.

هذا الأمر يحيلنا على الفلاحة واستنزافها للثروة المائية، هل تتفق على أن المغرب صدّر مياهه بما يصدره من إنتاجات فلاحية؟

هناك جملة يرددها الجميع كوننا نصدر المياه من خلال الإنتاج الزراعي، لكن نستورد المياه أيضاً. لا يوجد أي نشاط صناعي لا يستهلك المياه. ولذلك يجب أن نتحدث عن عقلنة استغلال الماء في المغرب وعن تنويع مصادر المياه.

صحيح أنه ربما في المجال الفلاحي يمكن تفضيل زراعات أقل استهلاكاً للماء. ومسألة أن الإنتاجات الفلاحية تصدر المياه فيها جانب من الصواب، لكنه مبالغ فيه، كون أن الإنتاج الصناعي هو الآخر يستهلك المياه.

ربما هناك تضخيم في هذا الموضوع، لكن هذا لا يمنع من أن نتجنب الزراعات المستهلكة للماء، واللجوء إلى أنواع من الزراعات التي تستهلك كميات قليلة من المياه.

وصلنا الآن إلى التدابير والإجراءات المستعجلة لمعالجة أزمة الماء في المغرب، وعلى رأسها المشاريع المغربية لتحلية مياه البحر. هل يمكن لهذه المشاريع "الطموحة" لتحلية مياه البحر أن تنقذ "الأمن المائي" للمغرب؟

مشاريع تحلية الماء في المغرب من البدائل التي جاءت بها التدابير التي يباشرها المغرب على المستوى القريب والمتوسط. مدينة أكادير (وسط) تجاوزت الأزمة التي وصلت إليها منذ سنتين، بفضل محطة التحلية المُنجزة التي زوّدت الساكنة بالماء الصالح للشرب بكميات معقولة.

المغرب يتمتع بساحلين على المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، ونتمنى أن يتمتع بالإمكانيات المادية لتوفير اللوجستيك والتغلب على الإكراه الطاقي المرتبط باستغلال هذه الموارد. وإذا تجاوز المغرب الكلفة المالية لتحلية المياه فسيتجاوز هذه الأزمة المائية، بل أكثر من ذلك سنفك الارتباط بالتساقطات المطرية.

ما يعاب على السياسة المائية الحكومية أنها ارتهنت إلى التساقطات المطرية، وتأخرت في فك الارتباط بها، خصوصاً أن بوادر أزمة الجفاف كانت واضحة وجلية، لأنه وإن جادت السماء بخيراتها فلم تعد الأمطار تتساقط بتلك الكميات الكبيرة التي كانت تجدد الخزانات، وبالتالي يتفاقم العجز سنة بعد أخرى، إلى أن أصبح الوضع المائي على ما هو عليه للأسف.

وأعود وأقول إن اللجوء إلى الطاقات المتجددة من أجل تحلية مياه البحر بمثابة رئة أخرى ستمكن المغرب، مع تضافر جهود الجميع، من تجاوز الأزمة والمضي قدماً في مسار التنمية بموارد مائية عالية.

هناك تجربة مغربية أخرى تتعلق بإعادة تدوير المياه وتطهير السائل، هل هي مهمة؟ 

توجد محطات ليست بالعدد المطلوب ولا بالكمية المطلوبة، لكنها تعطي نوعاً من الماء في المغرب القابل للاستغلال، ومثال ذلك سقي المساحات الخضراء في عدد من المدن، وأصبح لابد أن نتجاوز هذه العقدة لكيلا تبقى فقط المساحات الخضراء في المدن هي المجال الوحيد الذي يمكن أن تستخدم فيه هذه المياه التي يتم الحصول عليها بالمياه العادمة.

الأكيد أن هذه المياه لا تستجيب لمعايير المياه الصالحة للشرب، ولكن يمكن استغلالها في مجموعة من الأنشطة الاقتصادية، لاسيما في المجالين الصناعي والفلاحي. وهذا الأمر سيوسع من مجال استغلال هذه المياه.

هل تعتقد أن رهان السلطات في مجموعة من المدن على إغلاق الحمامات الشعبية ومحلات غسل السيارات لمدة ثلاثة أيام في الأسبوع، سيعطي نتائج على مستوى ترشيد استهلاك المياه؟

طبعاً اللجوء إلى هذه التدابير المستعجلة أصبح ملحاً وأملته الظروف، لأن كل قطرة من الماء في المغرب مهمة. لأنه لا يعقل في ظل أزمة وفي ظل حرص ملكي كبير على تدبير هذه الأزمة المائية ومواجهتها وضمان عيش المواطنين، أن يكون المعني بالأمر غائباً على هذا الدور.

نناشد كل المواطنين استحضار حس ترشيد استهلاك الماء في تصرفاتهم أمام الصنبور. اليوم قطع الماء ليومين أو ثلاثة أيام عن بعض الأنشطة وضعف الصبيب، يخبرنا أننا نواجه أزمة حقيقة وليس خطابات فقط، ما يستوجب استهلاك ما يلزم فقط من الماء، والحفاظ ما أمكن على الماء في سلوكياتنا اليومية.

علامات:
تحميل المزيد