سلط تقرير لصحيفة The Washington Post، نشرته الجمعة 26 يناير/كانون الثاني 2024، الضوء على مأساة عينة من 6 عائلات فلسطينية في غزة، والتي تعكس معاناة آلاف الأسر بالقطاع من الجوع، بسبب الحصار والدمار اللذين يفرضهما الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كما روت قصصاً مؤلمة لآباء بدأوا يروا علامات المجاعة ظاهرة على أجساد أبنائهم.
ومع تحول جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى ما يقول إنها مرحلة قتالية أكثر دقة في الاستهداف -وهو ما يعود جزئياً للضغوط الدولية بشأن الخسائر البشرية المذهلة في الحرب- تحذّر وكالات الإغاثة من أنَّ أكبر التهديدات طويلة المدى لسكان غزة هو الجوع والمرض والتعرض لبرد الشتاء.
العلف بدل الدقيق
كل يوم، ولمدة أربعة أيام، وقف محمد في الطابور للحصول على بضعة أرطال من الدقيق. وعندما يعود إلى منزله خالي الوفاض لأطفاله الخمسة، متألماً من الجوع والإذلال، كان يطحن علف الحيوانات ليخبزه فوق موقد مؤقت.
يقول الرجل البالغ من العمر 40 عاماً، عبر الهاتف من بيت لاهيا شمالي غزة: "لا نعرف مدى خطورة تناول علف الحيوانات على صحتنا، لكن ليس لدينا خيارات أخرى".
وقال محمد، الذي كان يعمل سائقاً قبل الحرب: "إذا استمر الوضع على هذا النحو، فقد ترى الناس يموتون من الجوع في الشوارع". ومثل الآخرين في هذه القصة، تحدث بشرط عدم تعريفه إلا باسمه الأول فقط؛ خوفاً من انتقام القوات الإسرائيلية.
مستويات جوع كارثية
وفقاً لتقرير نشره في أواخر ديسمبر/كانون الأول، اتحاد دولي تدعمه الأمم المتحدة، يواجه 93% من السكان هناك "مستويات كارثية من الجوع". وقال التقرير إنَّ أكثر من نصف مليون شخص –رُبع سكان الجيب المحاصر والمقصوف– يواجهون "مستويات كارثية من الجوع والمجاعة".
يقول المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي، ستيف تارافيلا، الشهر الماضي: "إنَّ حجم وسرعة هذه الأزمة لم يسبق لهما مثيل في العصر الحديث. وإذا استمرت التوقعات الحالية، فسوف نصل إلى المجاعة بحلول فبراير/شباط".
ولا يوجد تقدير لعدد الفلسطينيين الذين ماتوا في غزة كنتيجة مباشرة أو غير مباشرة للجوع: فمع نزوح الغالبية العظمى من السكان وتدمير النظام الطبي إلى حد كبير، ظلت العديد من الوفيات دون إحصاء، أو لم تُحدَّد أسبابها. وعادةً لا تسجل المستشفيات القليلة المتبقية سوى الوفيات الناجمة عن الهجمات الإسرائيلية.
وقُتِل أكثر من 25700 فلسطيني، كثيرٌ منهم نساء وأطفال، وأُصِيب 63700 آخرون في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وفقاً لوزارة الصحة في غزة. ولا يزال الآلاف من سكان غزة في عداد المفقودين، ويُعتقَد أنهم مدفونون تحت الأنقاض.
مأساة الرضيعة "وفاء"
يقول محمد إنَّ ابنه البالغ من العمر 7 أشهر، يعاني من الجفاف وسوء التغذية؛ إذ تعاني والدته الجائعة لإرضاعه.
نزحت صباح أبو عطايا (19 عاماً)، ثلاث مرات في أثناء حملها بطفلها الثاني. وقالت إنها خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من حملها، كانت تأكل نحو مرة واحدة يومياً، وعادةً شيئاً معلباً.
وصلت طفلتها وفاء مبكراً عن موعدها، في 15 ديسمبر/كانون الأول، ووزنت أقل من ستة أرطال (2.7 كغم).
وقالت صباح لصحيفة The Washington Post يوم الأربعاء 24 يناير/كانون الثاني: "أرجع الأطباء ذلك إلى سوء التغذية الذي كنت أعاني منه".
وفرَّت الأسرة من القتال مرتين أخريين في الشهر الأول لميلاد وفاء. وقالت صباح إنهم وصلوا في 16 يناير/كانون الثاني إلى منطقة آمنة نسبياً في رفح بجنوب غزة. لكنها قالت إنها بالكاد تستطيع إنتاج أي حليب. يرضع الطفل مرة أو مرتين في اليوم.
ويوم الجمعة 26 يناير/كانون الثاني، تحولت وفاء إلى اللون الأزرق. وبحلول وصولهم إلى المستشفى توفيت وعمرها 35 يوماً فقط. وقالت والدتها بأسف: "ماتت الفتاة من الجوع والبرد، والحرب لم تنتهِ".
تقول جولييت توما من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا): "إذا أردنا منع المجاعة… فعلينا التأكد من أنَّ هناك زيادة كبيرة في القطاع الإنساني والتجاري".
صارت أقفاصهم الصدرية بارزة
محمد أبو شرخ، جار محمد في بيت لاهيا، انتظر أياماً في الطابور نفسه للحصول على الطحين. في حين ذهب آخرون يعرفهم، شمالاً "إلى الأماكن التي تواجد فيها الجيش الإسرائيلي؛ على أمل الحصول على البضائع المعلبة التي تركوها وراءهم". وقال إنَّ البعض عادوا محملين بالطعام بينما قُتِل الآخرون.
يقول الرجل، البالغ من العمر 39 عاماً، إنَّ أطفاله الستة فقدوا وزنهم، وصارت أقفاصهم الصدرية بارزة.
كما أضاف: "أعطيهم وجبة واحدة فقط في اليوم، وعادةً في الليل، حتى يتمكنوا من النوم دون بكاء".
حرب تجويع
الخميس 25 يناير/كانون الثاني 2024، اتهمت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، إسرائيل باستخدام "سلاح التجويع لتحقيق أرقام قياسية في جرائم الإبادة الجماعية".
متحدث الوزارة أشرف القدرة، قال في بيان، إن "الاحتلال الإسرائيلي يستخدم سلاح التجويع لتحقيق أرقام قياسية في جرائم الإبادة الجماعية".
كما أضاف: "الاحتلال الإسرائيلي يرتكب جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة بالقصف والتجويع ومنع العلاج".
واستهدفت المدفعية الإسرائيلية، الخميس، تجمعاً لفلسطينيين قرب دوار الكويت جنوبي مدينة غزة، كانوا ينتظرون حصولهم على المساعدات الإنسانية، ما أسفر عن سقوط 20 قتيلاً، وأكثر من 150 مصاباً، وفق وزارة الصحة.
القدرة قال في بيان أصدره عقب الاستهداف: "الاحتلال يرتكب مجزرة مروعة بحق آلاف الأفواه الجائعة التي كانت تنتظر المساعدات الإنسانية عند دوار الكويت".
في تعقيبه على الاستهداف، أدان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان قتل الجيش الإسرائيلي فلسطينيين أثناء "انتظارهم دخول إمدادات إنسانية إلى مدينة غزة وشمالها".
واعتبر المرصد هذا الاستهداف "أصراراً على نهج تجويع المدنيين، وفرض مزيد من التعقيدات على عملية دخول وتوزيع واستلام المساعدات الإنسانية المحدودة أصلاً في القطاع".
وهذه ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها الجيش الإسرائيلي تجمعات لمواطنين ينتظرون مساعدات إنسانية وإغاثية شحيحة نادراً ما تصل لمحافظة غزة وشمال القطاع.
بينما تدخل كميات شحيحة من المساعدات الإنسانية لمحافظتي غزة والشمال، حيث سبق أن قالت "أونروا" إنها بدأت في 27 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بإدخال نحو 7 شاحنات يومياً لأول مرة بعد انتهاء الهدنة الإنسانية مطلع الشهر ذاته.
لأكثر من مرة، قالت "أونروا" إن حافلاتها المحملة بالمساعدات "تعرضت لإطلاق النار" من الجانب الإسرائيلي.
وأغلق الاحتلال منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، المعابر الواصلة بين قطاع غزة والعالم الخارجي، فيما تم فتح معبر رفح البري مع مصر جزئياً لدخول مساعدات محدودة وخروج عشرات المرضى والمصابين وعدد من حاملي الجوازات الأجنبية.
فيما سمح الاحتلال في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بدخول كميات شحيحة من المساعدات الإنسانية إلى القطاع عبر معبر رفح، ضمن هدنة استمرت أسبوعاً بين الفصائل بغزة وإسرائيل.