هددت بالتصعيد عسكرياً.. فصائل بالحشد الشعبي تضغط على السوداني لإخراج القوات الأمريكية من العراق

عربي بوست
تم النشر: 2024/01/24 الساعة 13:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/01/26 الساعة 09:59 بتوقيت غرينتش
فصائل من الحشد الشعبي في العراق تهدد بالتصعيد مع القوات الأمريكية - رويترز

يشهد العراق توتراً متصاعداً بين الولايات المتحدة الأمريكية والفصائل المسلحة الشيعية المدعومة من إيران، في مقدمتها وحدات الحشد الشعبي، التي زادت من ضغوطها على حكومة بغداد برئاسة محمد شياع السوداني، من أجل إخراج القوات الأمريكية من البلاد، بحسب ما كشفت عنه مصادر لـ"عربي بوست".

يتراوح الضغط في هذا الإطار بين السعي إلى قرار سياسي لإخراج القوات الأمريكية، وبين استخدام الخيار المسلح، بشن الهجمات على قواعد أمريكا في البلاد لتحقيق ذلك الهدف، بحسب المصادر.

زاد التوتر بهذا الملف، منذ بداية العام الجاري 2024، بعد أن قامت الولايات المتحدة بتوجيه ضربة بطائرة بدون طيار في العراق، قتل على إثرها قيادي كبير في قوات الحشد الشعبي ، يُدعى مشتاق جواد السعيدي، الملقب بأبي تقوى، وسط العاصمة بغداد.

كذلك، فإنه منذ الحرب الاسرائيلية في غزة، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تقوم الفصائل المسلحة الشيعية بمهاجمة القوات الأمريكية الموجودة، للضغط على واشنطن من أجل إنهاء دعمها للاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على غزة. 

لكن الأمور أصبحت تتصاعد بوتيرة أسرع في البلاد خلال الأيام القليلة الماضية، ما دفع بعض المصادر السياسية من الحشد الشعبي لتحدثت لـ"عربي بوست"، لوصفها بـ"المرحلة الخطرة".

"السوداني بموقف حرج"

في هذا الصدد أكد مصدر حكومي مقرب من السوداني لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته، لأنه غير مصرح له بالتحدث لوسائل الإعلام، وجود هذه الضغوط على الأخير، مضيفاً أن "رئيس الوزراء في موقف لا يحسد عليه، بسبب الضغوط المُمارَسة عليه من الحشد الشعبي"، الذي كان وراء ترشيحه لرئاسة الوزراء.

أفاد بأن "كل تصريحات السوداني بدعوة واشنطن لسحب قواتها، جاءت نتيجة ضغط الفصائل المسلحة، وإيران بشكل خاص، والضغط الشعبي بشكل عام، رغم أنه في حقيقة الأمر لا يريد للقوات الأمريكية الخروج بهذه الطريقة على الأقل"، وفق قوله.

في آخر اجتماع مغلق بين السوداني وعدد من مستشاريه، خلال اليومين الماضيين، قال رئيس الوزراء للحضور، بحسب مصدر مطلع على الاجتماع، إنه "غير راغب في إخراج القوات الأمريكية في الوقت الحالي، وإنه يريد جدولة خروج قوات التحالف على خمس سنوات على الأقل". 

أضاف المصدر العرقي المطلع أن "واشنطن أبلغت السوداني برفضها القاطع للخروج من العراق في المستقبل القريب".

رئيس الوزراء يواجه ضغوطاً من الحشد الشعبي وواشنطن - رويترز
رئيس الوزراء يواجه ضغوطاً من الحشد الشعبي وواشنطن – رويترز

عن الجدول الزمني لخروج القوات الأمريكية ، أكد المصدر ذاته أن "الولايات المتحدة كانت قد دخلت في مباحثات مع حكومة بغداد قبل حرب غزة بأسابيع قليلة، لمناقشة وضع جدول زمني لخروج قواتها، لكن المحادثات توقفت بعد استهداف الفصائل الشيعية للقوات الأمريكية بعد 7 أكتوبر". 

أفاد بأن "واشنطن قالت حينها للسوداني، إنه لا نية لإدارة جو بايدن بتحديد موعد استئناف هذه المحادثات في الوقت الحالي".

الضغوط على السوداني ليست من الحشد الشعبي وحده، بحسب المصدر الحكومي، الذي قال إنه "يتعرض لضغوط أمريكية كبيرة بسبب هجمات الفصائل المتزايدة في الأيام الأخيرة، وخوفه من إقدام واشنطن على الانتقام بطريقة مباشرة وصعبة، ما يزيد من خطورة التحدي الأمني في العراق".

في حين قال مصدر حكومي آخر، مقرب كذلك من السوداني، لـ"عربي بوست"، إن "الحكومة جادة في إخراج قوات التحالف، خاصةً في ظل الأوضاع المتوترة الحالية، لكن القوات الأمريكية مرتبطة بمهام أمنية مع القوات الأمنية العراقية منذ سنوات، والأمر يحتاج إلى سنوات أخرى من أجل وضع جداول زمنية لتنفيذ خروج القوات الأمريكية".

الجدول الزمني الذي أشار إليه المصدران الحكوميان لإخراج القوات الأمريكية ، وصفه سياسي شيعي بارز في الإطار التنسيقي الشيعي بأنه "ذريعة من السوداني من أجل تأجيل وقت إخراج هذه القوات إلى ما بعد انتهاء ولايته".

أضاف في حديثه لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم نشر اسمه، أن "السوادني منذ اليوم الأول يعمل على أنه يكون رئيس الوزراء الخدمي الذي يحاول إصلاح حياة المواطنين، ولا يريد التورط في مسائل أمنية وإقليمية كبيرة، مثل إخراج القوات الأمريكية، وتحويل البلاد لساحة حرب خلفية بين طهران وواشنطن"، رغم تصريحاته الأخيرة بأكثر من مرة، بأنه يجب على واشنطن سحب قواتها، واصفاً وجودها بـ"المزعزع للاستقرار".

إجراءات أمنية جديدة

على ضوء التوترات بين واشنطن والفصائل الشيعية المسلحة، قالت مصادر أمنية في الحشد الشعبي لـ"عربي بوست"، إن "الفصائل المشاركة في الهجمات على القوات الأمريكية في العراق، تقوم الآن بالانسحاب من مقراتها الرئيسية في المدن الحضرية، وعلى الحدود مع سوريا، بسبب توقع استهداف واشنطن لهذه المقرات".

بهذا الصدد، كشفت المصادر الأمنية في الحشد الشعبي لـ"عربي بوست"، عن أن "عدداً من القادة البارزين في كتائب حزب الله العراقي وحركة النجباء غادروا البلاد متوجهين إلى إيران، بعد إمداد طهران لهم بمعلومات استخباراتية بوجود خطر على حياتهم".

شدَّدت كذلك على أن "الوضع في العراق يزداد خطورة يوماً بعد يوم، خاصةً مع وجود احتمالية لشنِّ هجوم إيراني على أربيل مرةً ثانيةً، وسط توقعات بعدم سكوت الأمريكيين عن هذه الهجمات، سواء على قواعدهم في العراق، أو على أماكن قريبة من أماكن وجودهم في أربيل".

انقسام عراقي بشأن إخراج القوات الأمريكية

تواصل "عربي بوست" مع مسؤولين وسياسيين وقادة عسكريين في العراق، للوقوف أكثر على المطالب بإخراج القوات الأمريكية.

مصدر سياسي من الإطار التنسيقي الشيعي لـ"عربي بوست"، قال إن "مسألة إخراج الأمريكيين من العراق بدأت تأخذ البلاد إلى مرحلة متوترة وخطرة، ففي حين أن الجميع يقول في العلن إنه يريد خروج القوات الأمريكية، لكن في الحقيقة هناك انقسامات تزداد يوماً بعد يوم، خاصةً داخل الإطار التنسيقي الشيعي، بهذا الخصوص".

الجدير بالذكر أن الإطار التنسيقي الشيعي يُعدّ مظلة سياسية تجمع كافة الأحزاب الشيعية التقليدية في العراق، باستثناء التيار الصدري (غريمه السياسي)، بالإضافة إلى الأجنحة السياسية لبعض الفصائل المسلحة الشيعية المدعومة من إيران، كما أنه يقود الحكومة العراقية الحالية، وصاحب أكبر كتلة في البرلمان العراقي.

بالعودة إلى ما أشار إليه المصدر من الإطار التنسيقي الشيعي، أوضح أن "هناك انقساماً خطيراً بين قادة الإطار التنسيقي حول هذه المسألة، فعلى عكس ما يتوقعه الجميع بأن كافة قادة الفصائل المسلحة المشاركين في الإطار التنسيقي يريدون إنهاء الوجود الأمريكي في العراق، فإن القيادي البارز قيس الخزعلي على رأس من يرون أن هذا الأمر سيعقد الوضع الأمني والسياسي في البلاد".

يتزعم قيس الخزعلي فصيل عصائب أهل الحق، أحد أقوى الفصائل الشيعية المسلحة المنضوية تحت مظلة الحشد الشعبي العراقي، والمدعوم من إيران، ويعد من أبرز قادة الإطار التنسيقي، ولديه عدد مقاعد كبير في البرلمان، كما أنه يدعم رئيس الوزراء بشكل خاص، بعد حصول حزبه السياسي على عدد كبير من المناصب الهامة في الحكومة في بغداد.

يقول قيادي من فصيل عصائب أهل الحق لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، نظراً لحساسية الموضوع، فإن "هناك البعض ممن يريدون إخراج الأمريكيين بالقوة، من خلال تكثيف الهجمات عليهم، لكننا في عصائب أهل الحق نرى أن العنف في هذه المسألة سيؤدي إلى تبعات لا يمكن للعراق تحملها، ولا نريدها أن تحدث في المستقبل القريب".

الخزعلي وفصيله شنّوا هجمات على القوات الأمريكية الموجودة في العراق في السنوات القليلة الماضية، من أجل الهدف ذاته، وهو إخراجهم من البلاد، لكن الأمور تغيرت بعد مشاركة عصائب أهل الحق في العملية السياسية بشكل فعال في الفترة الأخيرة.

وفقاً للمصدر ذاته، فإن منظمة بدر بقيادة هادي العامري، توافق الخزعلي برأيه، وهي واحدة من أقدم الفصائل الشيعية المسلحة التي تأسست في العراق بدعم إيراني في الثمانينيات.

من جانبه، قال نائب برلماني وقيادي في منظمة "بدر"، مقرّب من زعيمها هادي العامري، لـ"عربي بوست": "نريد خروج القوات الأمريكية من بلادنا، فالعراق الآن بلد مستقل، لكننا نرى أن الحل الأمثل لتحقيق هذا الهدف هو الحل الدبلوماسي، والضغط على حكومة السوداني من أجل الدخول في مفاوضات مع الأمريكيين لجدولة خروج قواتهم".

لكنه تابع بأن "البعض في العراق يرى أن الدبلوماسية دليل ضعف، لكننا نرى أن الدبلوماسية أفضل وسيلة من أجل حماية أمن واستقرار البلاد".

الخيار العسكري

على الجانب الآخر، ترى فصائل أخرى في الحشد الشعبي الخيار المسلح حلاً أمثل لـ"طرد" القوات الأمريكية من العراق، وأن تكثيف الهجمات عليها يمكن أن يحقق هذه الغاية.

كتائب حزب الله العراقي وحركة حزب الله النجباء فصيلان قويان في فصائل الحشد الشعبي، يريدان بحسب قادتهما إخراج القوات الأمريكية من البلاد بالقوة.

"أبو تقوى" الذي اغتالته الولايات المتحدة في وسط العاصمة بغداد، كان قيادياً بارزاً في حركة النجباء، ومسؤولاً عن الدعم اللوجيستي لوحدات الحشد الشعبي العراقي.

استهدفت القوات الأمريكية قائداً بارزاً في الحشد الشعبي - رويترز
استهدفت القوات الأمريكية قائداً بارزاً في الحشد الشعبي – رويترز

كذلك قال قيادي رفيع المستوى من حزب الله العراقي، في حديثه لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه: "من يرى في الحكومة والإطار التنسيقي الشيعي أن الدبلوماسية والمفاوضات هي الحل الأمثل لخروج الأمريكيين من العراق واهم، ويحاول الحفاظ على مصالحه السياسية والاقتصادية".

كذلك شدد القيادي على أن "تكثيف الهجمات هو الحل الأمثل، فالمحتل لا يخرج من البلد بالدبلوماسية والمفاوضات السياسية، بل بالمقاومة".

شارك قيادي آخر من حركة حزب الله النجباء الرأي ذاته، قائلاً لـ"عربي بوست": "إذا كان الإطار التنسيقي الشيعي والسوداني يريدون إخراج الأمريكيين بالدبلوماسية، فهم أحرار، وليتركوا لنا الحل المسلح لإخراج المحتلين من بلادنا".

تجدر الإشارة إلى أن كلاً من حزب الله العراقي، وحركة النجباء غير مشاركين في الحكومة الحالية، كما أنهما ليسا جزءاً من الإطار التنسيقي الشيعي الذي يقود الحكومة، بالإضافة إلى أنهما من أبرز الفصائل المهاجمة للقوات الأمريكية الموجودة في العراق منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة. 

في حين رفض فصيل عصائب أهل الحق المشاركة في مهاجمة القوات الأمريكية الموجودة بالعراق، "حفاظاً على أمن واستقرار العراق"، كما قال قيادي في الفصيل لـ"عربي بوست"، في وقت سابق.

ضغط آخر من حزب الله اللبناني

كشف قيادي في الحشد الشعبي، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم نشر اسمه نظراً لحساسية الأمر، عن أن "حزب الله اللبناني وإيران، يضغطان بشدة من أجل طرد الأمريكيين، فقد أرسل حزب الله مندوبه لدى العراق الشيخ الكوثراني إلى بغداد لأجل غير مسمى، من أجل وضع الخطط لإخراج القوات الأمريكية".

يرى القيادي في الحشد الشعبي العراقي أن "ضغط حزب الله اللبناني في العراق من أجل إخراج القوات الأمريكية يمثل ضغطاً أكبر على السوداني"، مضيفاً: "إصرار حزب الله اللبناني والعراقي والنجباء على إخراج الأمريكيين يزداد يوماً بعد يوم، وهذا ما يجعلنا لا نستبعد حدوث اشتباك مباشر بينهم وبين واشنطن بصورة أشد في الأيام القادمة".

وقال: "اغتيال أبو تقوى ليس نهاية المطاف، وليس أسوأ ما حدث، لكننا نتوقع بناء على معلومات استخباراتية أن تقوم الولايات المتحدة باستهداف قيادات كبيرة في الفصائل العراقية، وأن تقوم بتدمير قواعد السيطرة والقيادة للفصائل التي تقوم باستهدافها في العراق".

وأكد أن "حزب الله اللبناني والفصائل الراغبة في خروج القوات الأمريكية من العراق، ترى أن تكثيف الهجمات على القوات الأمريكية في العراق وإقليم كردستان، سيدفع واشنطن للخروج بسرعة"، لكنه علق على ذلك بالقول: "هذا اعتقاد خاطئ، فالأمريكيون يريدون التواجد في البلاد لأسباب كثيرة، منها مراقبة إيران، وأخرى تتعلق بسوريا، كما أنهم لا يريدون أن يخرجوا وكأنهم تم طردهم".

السوداني طالب مرارا بخروج القوات الأمريكية ولكن وفق جدول زمني - رويترز
السوداني طالب مرارا بخروج القوات الأمريكية ولكن وفق جدول زمني – رويترز

اجتماعات السفيرة الأمريكية

خلال اليومين الماضين عقدت السفيرة الأمريكية لدى العراق، ألينا رومانوسكي، لقاءات عدة مع قادة سياسيين في الإطار التنسيقي الشيعي، كان أبرزها لقاء نوري المالكي رئيس الوزراء السابق (2006/ 2014)، وزعيم ائتلاف دولة القانون في البرلمان العراقي.

قال المكتب الإعلامي للمالكي، إن الأخير شدد في لقائه بالسفيرة الأمريكية على ضرورة وقف الهجمات المتبادلة، ودعم إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، بالإضافة إلى تعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين بغداد وواشنطن.

لقاء المالكي بالسفيرة الأمريكية، والتصريحات الهادئة التي ابتعدت قدر الإمكان عن المطالبة بإخراج القوات الأمريكية، أثارت ردود فعل غاضبة من الفصائل المسلحة الشيعية العراقية.

من جهته، اعتبر قيادي في حزب الله العراقي، أن "السفيرة الأمريكية تحاول إغراء بعض السياسيين بالمكاسب الاقتصادية والسياسية، من أجل دعم استمرار وجود قوات بلادها، وهذا لن يمر".

يشار إلى أنه رغم إنهاء الاحتلال الأمريكي في نهاية 2011، فإنه مع اجتياح تنظيم الدولة وسط البلاد وغربها، عام 2014، ضاعفت واشنطن قواتها في العراق لتبلغ أكثر من 5 آلاف عنصر، قبل أن تخفضها إلى 3 آلاف عام 2021، ثم إلى نحو 2500 في 2023، تحت ضغط البرلمان العراقي والفصائل الشيعية.

بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.

تحميل المزيد