أثارت تصريحات وزير المالية المصري محمد معيط بخصوص قانون الضريبة على الدخل الجديد جدلاً في مصر، مع رغبة الحكومة في زيادة دخل الضرائب إلى 1.5 تريليون جنيه بدلاً من 1.1 تريليون الذي حققته سنة 2023، جدلاً كثيراً.
وكشف معيط أن وزارة المالية ستطلق حواراً مجتمعياً حول كل من مشروع الموازنة الجديدة لتحديد أولويات الإنفاق العام، واستراتيجية السياسة الضريبية للفترة من 2024 إلى 2030 للحوار المجتمعي خلال شهر فبراير/شباط 2024.
هذا الجدل جعل "عربي بوست" تحاول الوصول إلى تفاصيل مشروع هذا القانون والسبب الحقيقي وراء طرحه في هذا التوقيت، وما يستهدفه من ضرائب جديدة على المصريين.
زيادة الضريبة هي الحل
لم يحدد وزير المالية المصري آليات طرح القانون للحوار المجتمعي، كما أنه تجاوز ما قد يخرج عن الحوار الوطني المزمع إطلاق المرحلة الثانية خلال الأيام المقبلة، ولم يأخذ بما خرج عن المؤتمر الاقتصادي الذي نظمه الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل عدة أشهر من خوضه انتخابات الرئاسة الأخيرة.
نائب برلماني عن حزب المصري الديمقراطي قال لـ"عربي بوست" إن الحكومة تهدف لإجراء حوار شكلي تضمن من خلاله تمرير رؤيتها لزيادة شرائح الضرائب.
وأوضح النائب، الذي تحدث شريطة عدم الإفصاح عن اسمه، أن الحكومة تسير وفق خطة عامة تستهدف "جمع أكبر قدر ممكن من الأموال من جيوب المواطنين، لتعويض العجز الواضح في الموازنة جراء الضغوطات الكبيرة عليها لسداد الديون"، على حد تعبيره.
وفي الوقت نفسه، حسب المتحدث، فإن الحكومة لا تجد صيغة مناسبة تدفعها لتمرير مزيد من الإجراءات الصعبة على المواطنين، الذين قد يفيض الكيل بهم في أي لحظة، وتحاول تحسين صورتها أمام الرأي العام عبر الحديث عما تسميه حواراً مجتمعياً.
وأضاف المتحدث أن الحكومة أغفلت جميع الحلول الاقتصادية التي قدمتها المعارضة والعديد من أساتذة الاقتصاد لصالح الاستمرار، وعوضته بالضغط على المواطنين للحصول على الأموال.
ولفت إلى أن الحكومة ترى أنها ما زالت قادرة على تمرير خططها لزيادة الأعباء الضريبية؛ لأنه لا يوجد اعتراض شعبي حقيقي على قراراتها، وهناك إدراك من المواطنين بأنهم أمام خيارات جميعها صعبة وعليهم تحمل الأوضاع الحالية.
وأشار إلى أن "الحكومة المصرية لن تجد صعوبة في إيجاد بعض ممن تسميهم خبراء الاقتصاد لتسويق رؤيتها لزيادة الإيرادات الضريبية، ولن يقف البرلمان حائلاً أمام رغبتها في تمرير هذه الزيادات في حال جرى التقدم بمشروع قانون جديد للضرائب".
فجوة تمويلية في الموازنة
خبير اقتصادي مقرب من الحكومة قال لـ"عربي بوست" إن مصر تسعى لتحقيق زيادة 21% في حصيلة الضريبة على الدخل لتصل إلى ما يقارب 220 مليار جنيه خلال العام المالي الحالي، وبزيادة قدرها 50 مليار جنيه عن موازنة 2023.
وأضاف المتحدث أن الزيادة في الحصيلة الضريبية هو الدافع الرئيسي لإقرار القانون الجديد، كما أنها تُبرر اتخاذ قرارات من شأنها زيادة رواتب الموظفين البالغ عددهم أكثر من 5 ملايين موظف، وبالمقابل تعمل على زيادة حصيلتها من هذه الزيادات، بعد أن ضاعفت نسب الضرائب في الشرائح المختلفة خلال السنوات الماضية.
ويؤكد أن الحكومة الآن في مأزق، لأن هناك فجوة تمويلية في موازنة 2024 تصل إلى أكثر من 2 تريليون جنيه، وكان من المفترض أن تدخل تعديلات على ضرائب الدخول وغيرها من الضرائب على السلع والخدمات لكن أجلتها إلى ما بعد انتخابات الرئاسة.
وحسب المتحدث، فإن كل هذه الأسباب المذكورة فسرت سرعة حديث الحكومة عن طرح القانون على الحوار المجتمعي شهر فبراير/شباط 2023، في حين أنها لم تستعن بأي من الخبرات الاقتصادية في وضع بنوده.
وكشف عن أن التعديلات قد لا تشمل زيادة جديدة في شرائح الضرائب، لكنها ستركز بالأساس على زيادة مقابل تأخير سداد الضرائب وكذلك الضريبة الإضافية على بعض الرواتب التي تتجاوز حداً معيناً.
كما أن القانون حسب المتحدث سيتطرق إلى التحول نحو الاقتصاد الرقمي وميكنة المنظومة الضريبية، وهي مداخل تنطلق منها لإقرار القانون الجديد الذي سيحمل أعباء جديدة على الموظفين وكذلك قطاع الأعمال العام.
وكان وزير المالية محمد معيط قد ذكر أخيراً أن النظم الضريبية المميكنة ساعدت في زيادة الإيرادات الجمركية بنسبة 129% خلال 2023، وأن ذلك تجاوز المعدلات المستهدفة.
وكشفت بيانات رسمية حديثة ارتفاع الإيرادات الضريبية بالموازنة العامة لمصر لتصل إلى 923.7 مليار جنيه خلال الفترة من يوليو/تموز إلى أبريل/نيسان من العام المالي 2023/2022 بزيادة 199.2 مليار جنيه عن الفترة المماثلة من العام المالي الماضي بنسبة نمو 27.5%.
ووفق بيانات وزارة المالية، فإن الإيرادات الضريبية مقسمة بين 183.4 مليار جنيه متحصلات ضريبية من الجهات السيادية بنسبة نمو بلغت نحو 72.7%، و740.3 مليار جنيه من الجهات غير السيادية بنسبة نمو بلغت 19.7%.
وجاءت عائدات ضريبة القيمة المضافة على السلع في صدارة قائمة ممولي الضرائب، والتي بلغت نحو 206 مليارات جنيه بنسبة نمو بلغت نحو 27.2% لتستحوذ على 22.3% من إجمالي العائدات الضريبة في مصر. تلتها ضريبة من الشركات الأخرى بقيمة 125.6 مليار جنيه بنسبة نمو بلغت نحو 17.2%.
من يتحمل الضريبة الجديدة؟
بحسب أستاذ اقتصاد بجامعة القاهرة تحدثت إليه "عربي بوست"، فإن السياسة المالية في مصر على ضوء فهم أساتذة الاقتصاد أضحت قائمة بالأساس على تحميل المواطنين مسؤولية كافة الأزمات والمشكلات التي يعانيها الاقتصاد القومي.
وأضاف المتحدث أن الأمر يشكل اعتداء صارخاً على حقوق المصريين، في حين أن الحكومة عاجزة عن أداء مهام عملها، وترتكن على الشعب واستنزاف موارده عن طريق ضرائب مفتعلة، وأغلبها متكرر مثل ضرائب العقارات ورسوم البيع والشراء وغيرها من أشكال الضرائب التي تحيط بالمواطنين.
ويضيف أن إقدام الحكومة على تنظيم حوار مجتمعي بعد كل الإجراءات السابقة التي هدفت لزيادة الغلة الضريبية ووصلت إلى أنها تشكل غالبية موارد الدولة في غياب الإنتاج يعبر عن فشلها وقد يكتب هذا القانون نهايتها.
وحسب الخبير الاقتصادي، فإن لا أحد من الممكن أن يقبل مزيداً من الأعباء في ظل أوضاع معيشية صعبة، وفي ظل عدم تنفيذ الحكومة المطالب المختلفة بضرورة فرض ضريبة تصاعدية تضمن حصولها على حصيلة أكبر، ولكنها تخشى كبار الموظفين ورجال الأعمال.
وأشار إلى أن الحكومة تمضي على نفس الطريق الخاطئ الذي سلكته عام 2016، حينما أقدمت على تعويم الجنيه لأول مرة وفي ذلك الحين أقرت أيضاً حزمة ضرائب على المصريين استهدفت من خلالها سد عجز الموازنة الناتج عن الديون.
هذا التطور الضريبي الذي أقرته الحكومة المصرية، حسب المتحدث، لم يُواكبه أي إجراءات أخرى على مستوى تحسين الإنتاج، ودون أن ترتكز على صناعة يمكن من خلالها أن تحصل على عوائد بالعملة الصعبة.
ولفت إلى أن الحكومة مثلما عمدت إلى تمويل حزمة الحماية الاجتماعية التي أقرتها عام 2016 من خلال أموال الضرائب، هي الآن تعيد الكرة مرة أخرى، وتحاول أن تظهر بوجه إيجابي أمام المواطنين عبر إقرار زيادات جديدة متوقعة في الرواتب والمعاشات.
لكن هذه الزيادات حسب المتحدث يصاحبها مزيد من سياسات جلب الضرائب من المواطنين، وهو ما يشكل ضغطاً هائلاً على المجتمع الذي يعاني بالأساس من تداعيات الانخفاض المستمر في قيمة الجنيه أمام الدولار.
وكان وزير المالية محمد معيط قد أكد أن هناك تكليفاً رئاسياً بإعداد حزمة جديدة للحماية الاجتماعية، تتضمن تحسين الأجور والمعاشات ورفع حد الإعفاء الضريبي مرة أخرى لتخفيف الأعباء عن المواطنين.
وتوقعت مؤسسة "بلومبرغ إنتلجنس" في تقريرٍ لها أن يتضمن برنامج صندوق النقد الدولي الجديد مع مصر خفض قيمة الجنيه بنحو 30% مقابل سعر الدولار الذي تشير إليه العقود الآجلة، إذ إن الصندوق قد يسمح لمصر بانتقال على مراحل إلى نظام صرف أقل صرامة للعملات الأجنبية.
وقالت مديرة التواصل في صندوق النقد الدولي جولي كوزاك منذ أيام إن الصندوق يعمل على زيادة حجم التمويل لمصر، ضمن برنامج التسهيل الممدد المقدم من الصندوق إلى الحكومة المصرية.
وأشارت المتحدثة إلى أن الصندوق يجري مناقشات حالياً مع مصر بشأن السياسات التي من شأنها إنجاح برنامج الصندوق الذي تبلغ قيمته ثلاثة مليارات دولار، مؤكدةً أن "التمويل الإضافي سيكون حاسماً لهذا الغرض".
القانون لم يعرض على اقتصاديي الحكومة
من جهته، كشف خبير اقتصادي يعمل بمصلحة الضرائب المصرية مع الأجهزة أن القانون المزمع طرحه للحوار المجتمعي لم يعرض على دوائر اقتصادية قريبة من الحكومة بعد، وليس من المعروف ما إذا كان سيهدف إلى التخفيف عن الممولين أم زيادة الشرائح الضريبية.
وقال المتحدث لـ"عربي بوست": من المؤكد أنه يهدف إلى معالجة القصور الحالي في قانون الضريبة على الدخل والذي يحمل رقم 91 لسنة 2005، بعد إدخال عشرات التعديلات عليه خلال السنوات الأخيرة.
وأضحت مصر أمام حاجة إلى قانون ضريبي جديد يتضمن التحديثات المميكنة في منظومة الضرائب حتى تخضع الضرائب لمزيد من الشفافية، وأن يراعي كل التعديلات والقوانين التي صدرت خلال السنوات الأخيرة الماضية، حتى يعلم المواطنون والمستثمرون كذلك ما لهم وما عليهم بشكل واضح، وبما يحفز على دمج الاقتصاد غير الرسمي، وفقاً للخبير ذاته.
وأكد أن إقدام الحكومة على إدخال زيادات في شرائح الضرائب لا بد أن يرتبط بالمواطنين الذين لديهم مصادر عمل عديدة، وأن تتمكن الحكومة من إحصاء هذه الأعمال وليس على المواطنين الذين يعملون فقط في الجهات الحكومية.
وقال الخبير الاقتصادي لـ"عربي بوست" إنه مع انخفاض قيمة الجنيه، فإنه يصعب الحديث عن ضرائب جديدة؛ لأن قيمة رواتب الموظفين في مصري تآكلت بالأساس.
واعتبر أن التعديلات المزمعة تتعلق بما تنوي الحكومة تطبيقه باسم "منظومة البيرول"، وهو نظام للتحكم فى المرتبات ومستحقات العاملين المسجلين في الجهاز الإداري للدولة، وتم إدراج بيانات قرابة 90% من موظفي الدولة.
وكشف المتحدث أن وزارة المالية تعمل الآن على إنشاء منحنى للأجور في مصر، حتى يمكن عمل تعديل على ضريبة كسب العمل والشرائح المختلفة، التي ستحصل على إعفاءات ضريبية، أو استثنائها ضريبياً.
ومؤخراً قال وزير المالية محمد معيط إن الضرائب مثلت نحو 80.5% من إيرادات الموازنة المصرية في العام المالي 2022/ 2023، مشيراً إلى اتجاه الحكومة لتوسيع قاعدة الممولين، كما أن الإيرادات الضريبية نمت في العام المالي الماضي بنحو 29.6%، واصفاً إياها بالعمود الفقري لإيرادات الموازنة ونفقاتها.
وقدرت موازنة العام المالي الجاري 2023/ 2024 زيادة الإيرادات الضريبية بنحو 28%، وقررت الوزارة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تحصيل ضريبة القيمة المضافة (14%) بالعملة الأجنبية على السلع والخدمات التي يدفع ثمنها، أو مقابلها، بالعملة ذاتها للجهات المرخص لها، مثل الخدمات السياحية للأجانب، حيث تخصم قيمة الضريبة المسددة على المشتريات من قيمة الضريبة المحصلة بالعملة الأجنبية.