قال موقع Middle East Eye البريطاني في تقرير نشره يوم الأحد 21 يناير/كانون الثاني 2024 إن ملايين المدنيين في سوريا يتهيأون لمزيدٍ من نقص المساعدات الدولية التي كان يتلقاها ذوو الحاجة في البلاد، وذلك بعد أن أعلن برنامج الأغذية العالمي إيقاف توزيع مساعداته الغذائية في مختلف أنحاء سوريا، ومنها مناطق النازحين في شمال غرب البلاد، بدايةً من عام 2024.
في غضون ذلك، مدَّد نظام بشار الأسد موافقته على إدخال المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غربي البلاد عبر معبر "باب الهوى" الحدودي مع تركيا لمدة 6 أشهر أخرى.
4 معابر لإدخال المساعدات لمناطق في سوريا
كانت الأمم المتحدة تستخدم 4 معابر حدودية لإيصال المساعدات الإغاثية إلى المناطق الخارجة عن سيطرة نظام بشار الأسد، إلا أن روسيا والصين بدأتا في معارضة هذا الأمر منذ عام 2017، وأصرَّتا على أن جميع المساعدات يجب أن تمر من خلال دمشق. ومنذ عام 2020، دفعت روسيا والصين إلى قصر إيصال المساعدات على معبر واحد فقط، وهو باب الهوى.
انخفضت المساعدات المالية المخصصة لسوريا انخفاضاً كبيراً خلال السنوات الأخيرة بسبب تطاول أمد الأزمة القائمة في البلاد، وتزايد الحاجة إلى المساعدات في مناطق نزاع أخرى، وقد أدى ذلك إلى استنزاف القدرات المالية لمنظمات الإغاثة الدولية.
تقليص المساعدات الأمريكية إلى سوريا
في الوقت نفسه، أعلنت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية عن تقليص كبير (بلغت نسبته 30% على الأقل) في المساعدات الأمريكية لسوريا، ويتوقع أن يتبع المانحون الأوروبيون الولايات المتحدة في هذه الخطوة.
بلغ عدد شاحنات المساعدات التي دخلت إلى شمال سوريا في عام 2021 نحو 1000 شاحنة، إلا أنها انخفضت إلى 445 شاحنة في العام الماضي، وذلك مع أن الوضع الإنساني لم يتحسن في هذه المناطق. ويبدو أن السبب الأبرز لتقليص المساعدات هو إحجام الجهات المانحة عن تمويلها. فالمساعدات المخصصة لسوريا تكاد تنقطع عن السوريين في شمال البلاد، وعن اللاجئين كذلك في الأردن ولبنان.
يأتي ذلك على الرغم من أن جير أو بيدرسن، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا، قد أشار منذ وقت قريب إلى استمرار المصاعب التي يواجهها اللاجئون في سوريا، وقال إنها تشمل: "الافتقار إلى سبل الوصول المستقرة إلى مياه الشرب، والنقص المزمن في الوقود والكهرباء، وانتشار وباء الكوليرا، والانهيار العام للخدمات الاجتماعية الأساسية، وتفشي العنف القائم على النوع الاجتماعي، وسوء التغذية، والاضطرابات النفسية لدى الأطفال".
تقليص ميزانيات المساعدات
ذكر برنامج الأغذية العالمي في ديسمبر/كانون الأول أن ميزانيته تقلصت بسبب تزايد أعباء المانحين، واستنزاف المنح في مواجهة تداعيات وباء كورونا، ونفقات الحرب في أوكرانيا، وحرب إسرائيل على قطاع غزة.
وأعلن مسؤولو البرنامج أنهم يحتاجون إلى 593 مليون دولار لتدبير عمليات تقديم المساعدات 6 أشهر أخرى، لكن البرنامج لم يتلقّ التمويل اللازم، ولم ينفق على مساعداته في سوريا خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول سوى 2.8 مليون دولار.
وقال آرون لوند، الخبير في شؤون سوريا، لموقع Middle East Eye البريطاني، إن "المساعدات المقدمة لسوريا تتناقص لأن الاهتمام بها لا ينفك يتلاشى، فقد انخفضت وتيرة العنف، وتجمَّد النزاع فيها إلى حدٍّ بعيد، وصار الحديث عن سوريا أقرب إلى الأخبار القديمة" لدى كثيرين.
وقال عثمان صائب، أحد سكان محافظة إدلب، لموقع MEE في محادثة هاتفية: "لقد أصبحنا الآن ضحايا منسيين لحرب ضارية" وضعت أوزارها، فنحن "ليس لدينا مسكن مناسب، ونعيش في أكواخ منذ سنوات. ليس لدينا عمل لكسب العيش، بل نعتاش على المساعدات الغذائية التي تقدمها لنا [وكالات المعونة التابعة للأمم المتحدة]".
ويرى لوند أن أسباب الأزمة لا تقتصر على تناقص التبرعات، بل تشمل كذلك تزايد احتياجات اللاجئين السوريين بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية في شمال سوريا، وفي بلدان اللجوء، مثل تركيا والأردن ولبنان.
تحذيرات من تدهور أحوال اللاجئين
مع ذلك، حذر مدير منظمة دولية غير حكومية من عواقب هذا التدهور في أحوال اللاجئين وتناقص المساعدات المقدمة إليهم، وقال إن هذه الظروف دفعت بعض الأهالي إلى إرسال أطفالهم إلى تنظيمات متشددة تمنحهم رواتب يسدون بها رمقهم، مثل "تنظيم الدولة وقوات سوريا الديمقراطية، علاوة على الميليشيات الموالية للنظام السوري، مثل الميليشيات المدعومة من إيران وروسيا".
وقال لوند: "الناس في سوريا لا يجدون وظائف، ولا تلوح لهم بادرة أمل في المستقبل"، وعلى الرغم مما تتسم به "أجهزة الشرطة والأمن في سوريا من شراسة، فإنها في الواقع عاجزة كذلك عن القيام بوظائفها، بسبب الفساد المستشري، ونقص الموارد البشرية والموارد، واتساع المناطق التي يغيب عنها القانون، وتفاوت السيطرة بين الجهات الحاكمة المختلفة"، ومن ثم، حذر لوند من أن استمرار الأمور على هذا النحو يفضي إلى "الانهيار الاجتماعي، وتجدد النزاع، وانتشار الأوبئة، وتفشي الجوع".
في سياق متصل يعيش 90% من سكان سوريا تحت خط الفقر، وقد أعلنت حكومة نظام بشار الأسد خلال الصيف الماضي عن إلغاء الدعم، وزيادة الضرائب وأسعار النفط، ما أدى إلى احتجاجات متفرقة في بعض المناطق التي يسيطر عليها النظام.
جدير بالذكر أن بيانات الأمم المتحدة تشير إلى تزايد عدد المحتاجين إلى المساعدة الإنسانية في جميع أنحاء سوريا في عام 2023 إلى أكثر من 15 مليون شخص (بزيادةٍ قدرها 5% عما كانت في عام 2022)، وتتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 16.7 مليون في عام 2024.