مع شحّ الإمكانيات وخروج المستشفيات عن الخدمة، اضطر الطبيب الفلسطيني، هاني بسيسو، إلى بتر ساق ابنة أخيه عهد، البالغة من العمر 16 عاماً، داخل منزل العائلة دون تخدير أو أدوات طبية، بعد إصابتها جراء قصف إسرائيلي في مدينة غزة.
مقطع فيديو مصور تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، أظهر الفتاة عهد بسيسو وهي ملقاة على طاولة الطعام في المطبخ، وعمها طبيب جراحة العظام بمجمع الشفاء الطبي هاني بسيسو يقف بجانبها ويجري لها عملية بتر للساق.
وبأدوات الطبخ البسيطة ودلو فيه القليل من الماء وكيس بلاستيكي، أطلق الطبيب بسيسو صرخة استغاثة مدوية والدموع تملأ عينيه من هول اللحظة.
يقول بسيسو وعيناه اغرورقت بالدموع: "انظروا.. ها أنا أبتر رجل ابنتي اليافعة (في إشارة لابنة شقيقه) على طاولة مطبخنا في بيتنا المحاصر!.. أين إنسانيتكم؟! انظروا إلى الظلم الذي نعيشه!".
وتعيش مدينة غزة والشمال حصاراً مشدداً منذ بداية التوغل العسكري الإسرائيلي البري في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وخرجت جميع المشافي والمراكز الطبية عن الخدمة وأخليت قسراً الرئيسية منها كمجمع الشفاء ومستشفى القدس والمعمدان.
كما يمنع الاحتلال الإسرائيلي الشاحنات المحملة بالمساعدات الإغاثية والمواد الغذائية من دخول غزة والشمال، إلا بكميات محدودة جداً لا تكفي احتياجات السكان هناك، ما فاقم الأوضاع المعيشية.
واقعة الاستهداف في غزة
في صباح يوم 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، صعد بعض أفراد العائلة إلى الطابق الرابع في منزل العائلة الموجود في شارع النصر بمدينة غزة، في محاولة لالتقاط إرسال شبكة الاتصالات للاتصال على والدهم المقيم خارج قطاع غزة.
بعد لحظات بسيطة استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي الغرفة التي كانوا يتواجدون بداخلها بقذيفة دبابة كانت تتمركز بالقرب من المنزل؛ ما أدى إلى إصابة عهد بتهتك في عظام القدم اليمنى، إلى جانب إصابة والدتها وأختها الصغرى البالغة 12 عاماً بجروح متفرقة.
حاولت العائلة التواصل مع فرق الإنقاذ وطواقم الإسعاف للحضور إلى المنزل وإسعاف المصابين، لكن دون جدوى، فالاتصالات كانت مقطوعة في حينه، والجيش الإسرائيلي يمنع وصول الطواقم الطبية وفرق الدفاع المدني إلى الأماكن المستهدفة.
لم يكن أمام عمها الطبيب هاني بسيسو، خيار آخر إلا إجراء عملية جراحية لبتر ساق ابنة أخيه ووقف النزيف، رغم عدم امتلاكه أي معدات طبية.
وباستخدام مقص صغير وبعض الشاش الذي كان في حقيبته الطبية، أزال الطبيب الجزء السفلي من الساق.
وأظهرت لقطات فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي الطبيب بسيسو وهو يمسح الدم من الجزء المتبقي من الساق اليمنى لابنة أخيه وهي مستلقية على طاولة ويمسك بها أحد أشقائها بثبات، بينما كان الآخر يحمل هاتفين محمولين لتوفير إضاءة أفضل.
الطبيب يتحدث عن الخيار الصعب
يقول الطبيب بسيسو: "للأسف لم يكن لديّ خيار آخر؛ إما أن أترك عهد تستشهد أو أحاول بما لديّ من إمكانيات، اتخذت قراراً بأن أبتر الرجل وكان هناك نزيف وكان لا بد من رفع الرجل وربط الشريان".
ويضيف: "كانت عندي حقيبة معدات طبية لأنني طبيب لم يكن بداخلها إلا مقص وبعض الشاش، وكنت أريد خيطاً لربط الشريان، المهم أمسكت بالشريان وقمت بربطه بخيط عادي كالذي نحيك به ملابسنا".
"ولم يتوفر البنج أو أي مخدر، فكان البنج لها القرآن الكريم، فقد قرأ ابن أخي لها فوق رأسها وأنا قرأت لها أثناء إجراء العملية، أنا متعجب جداً، لأن عهد تحملت ما لا يحتمله العقل البشري!! نحن بحاجة لأطباء نفسيين الآن بعد هذا الموقف"، كما يروي بسيسو.
في اليوم التالي من إجراء العملية، انسحب الجيش الإسرائيلي، وتم نقل عهد إلى مقر جمعية أصدقاء المريض في مدينة غزة، وأُجريت لها إسعافات أولية، وتم تضميد الجرح، وإخراج الشظايا المنتشرة في أنحاء جسدها.
كما تخضع عهد منذ ذلك الحين لمزيد من العمليات في المستشفى لعلاج الإصابات التي لحقت بها.
يُشار إلى أنه، وفقاً لتقرير سابق لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، فإن سيقان أكثر من ألف طفل في غزة بُترت بسبب القصف الإسرائيلي حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.