عاد مؤخراً عشرات آلاف الأساتذة في المغرب إلى حجرات الدراسة بعد نحو 3 أشهر من الإضراب، إثر التوصل إلى اتفاق مبدئي مع الحكومة، ممثلة في وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي، لكن هناك مخاوف بين رجال ونساء التعليم في المغرب من عدم التزام الحكومة بوعودها.
فيما تدخلت مجموعة من الهيئات السياسية والحقوقية على خط الأزمة التي يشهدها قطاع التعليم في المغرب، ولو من باب دراسة الوضع، في سعي حثيث لوضع حد للاحتقان الذي يشهده القطاع، على خلفية الاحتجاجات والإضرابات التي خاضها الأساتذة رفضاً للنظام الأساسي.
وأصدرت أزيد من 30 هيئة "إعلان الرباط" للنهوض بالمدرسة المغربية، عقب اللقاء الدراسي، الذي نظمته النائبة البرلمانية عن "الحزب الاشتراكي الموحد" (معارض)، مساء الجمعة، بمجلس النواب، في موضوع "إمكانية تجاوز أزمة التعليم".
الهيئات الموقّعة على "إعلان الرباط" ترى أن الوضع الحالي لقطاع التعليم يستلزم الحل النهائي والشامل لملف أطر الدعم والأساتذة المفروض عليهم التعاقد، مع ضرورة معالجة حقيقية لكل ملفات ضحايا الأنظمة والمراسيم والاتفاقات السابقة، وفتح حوار وطني مسؤول من خلال مناظرة وطنية حول التعليم باعتباره قضية وطنية.
المبادرة مهمة لفتح النقاش
يشدد عضو تنسيقية الأساتذة حاملي الشهادات، عبد الوهاب السحيمي، على أنه "على الأطراف الحكومية، إن كانت فعلاً تريد حلاً ووضع حد لهذه الأزمة وإضرابات الأساتذة، أن تستمع لهذه التنسيقيات، خصوصاً أن اللقاء الدراسي الأخير، الذي شاركت فيه، أجري في البرلمان وهو مؤسسة دستورية، وكان مفروضاً أن يحضر ممثل للحكومة".
وقال السحيمي في حديثه لـ"عربي بوست": "الكرة الآن في ملعب الحكومة، وعليها أن تستجيب إن كانت صادقة في كل الشعارات التي ترفعها في إطار إصلاح المدرسة المغربية، وفي إطار الاهتمام بنساء ورجال التعليم وبعموم المتعلمات والمتعلمين".
المتحدث ذاته ثمَّن مبادرة اليوم الدراسي بالبرلمان، مع أمله بأن "تليها مبادرات أخرى لكي نفتح نقاشاً عمومياً لموضوع التعليم، لأنه بالإنصات والاستماع يمكن تجاوز العديد من المشاكل، ويمكن لتصريحات المعلمين أن تقرب الصورة للفاعل السياسي وصاحب القرار".
توصيات أساسية لإعلان الرباط
دعا "إعلان الرباط"، الذي أصدرته جمعيات مدنية وحقوقية وفاعلون وسياسيون، في أولى توصياته الأساسية، إلى ضرورة "السحب الفوري دون قيد أو شرط لكل التوقيفات التعسفية التي طالت مجموعة من نساء ورجال التعليم، على خلفية ممارستهم لحقهم الدستوري في الإضراب دفاعاً عن حقوقهم العادلة ومطالبهم المشروعة".
وشرع منذ بداية العام في تنفيذ مقتضيات مسطرة عزل وترك الوظيفة العمومية في حق الأساتذة المضربين، إذ أوقفت وزارة التربية الوطنية حتى الآن نحو 500 أستاذة وأستاذ، مستندة إلى الفصل 73 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.
كما طلب نفس الإعلان من الحكومة أن تعمل على إرجاع المبالغ المقتطعة من أجور نساء ورجال التعليم، اعتباراً بكونها "اقتطاعات غير قانونية"، كمدخل لحل الأزمة التي يتخبط فيها القطاع.
عضو تنسيقية الأساتذة حاملي الشهادات، عبد الوهاب السحيمي، يؤكد أنه إلى "حدود اللحظة هذه هي أهم مطالب الشغيلة التعليمية اليوم، والتي كانت أهم المطالب وأهم مخرجات اللقاء الأخير بمجلس النواب الذي دام زهاء 7 ساعات من النقاش".
وأضاف السحيمي، في تصريحه لـ"عربي بوست"، أن "مثل هذه المبادرات يجب أن تعقد، وأن تستدعي الجميع، وأن تنصت للجميع لكي يستمع الكل لهموم وانشغالات ومشاكل قطاع التربية الوطنية، بهدف التسوية الشاملة والعادلة والحقيقية لمختلف ملفات الشغيلة التعليمية".
التنسيقيات شرعية وذات مصداقية
تظل توصيات "إعلان الرباط"، الأول من نوعه سياسياً وحقوقياً حتى الآن، مفتوحة في انتظار استجابة الوزارة، وإن كانت لم تتفاعل سابقاً بشكل إيجابي مع مطالب التنسيقيات، عندما استقبلت ممثلي التنسيق الوطني لقطاع التعليم (يضم 25 تنسيقية)، والتنسيقية الموحدة لهيئة التدريس وتنسيقية الثانوي التأهيلي.
وقال رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، عبد الإله الخضري، إن "المشكل لا يرتبط بمن يمكنه أن يلعب دور الوساطة بين الوزارة الوصية والأساتذة والأستاذات، لكن المشكل يتعلق بالمطالب التي تعتبرها الوزارة الوصية مرفوضة وغير قابلة للمفاوضات".
وتابع الخضري، في تصريح لـ"عربي بوست"، أن هذه "التنسيقيات يمكن الاعتراف بأنها غير رسمية، لكنها شرعية وذات مصداقية تمثيلية، بدليل أن مواقفها ومطالبها نابعة من إرادة الأساتذة والأستاذات وتتجسد قراراتها على أرض الواقع".
لذلك، "المبادرة الحقوقية ما زالت توفر أملاً في حلحلة الأزمة، شريطة أن يبدي كلا الطرفين، الوزارة الوصية وممثلي الشغيلة التربوية، حسن النية للبحث عن حل عاجل للأزمة، خصوصاً أنها تنذر بسنة بيضاء تلوح في الأفق"، يردف الفاعل الحقوقي.
ولفت المتحدث ذاته إلى أن "المجلس الوطني لحقوق الإنسان كان من المفروض أن يملك زمام المبادرة، ويستقبل ممثلي التنسيقيات لمناقشة مطالبهم، والعمل على إيجاد صيغة تفاوضية ملائمة، يمكن أن تكون غير مباشرة، لا ضير في ذلك".
لكن، "يبدو أن الحكومة لا تقبل بمقاربة وحيدة بخصوص نزاعات الشغيلة، هو التعامل مع المركزيات النقابية، في الوقت الذي فقدت الشغيلة ثقتها في هذه المركزيات، أو بعبارة أصح، أصبحت النقابات متجاوزة إزاء تطلعات الشغيلة المغربية"، يستطرد الخضري.
الإكراه ليس في صالح الإصلاح
ترفض الحكومة الاعتراف بالتنسيقيات التعليمية وتعتبرها غير شرعية، وتكتفي بالحوار مع النقابات التعليمية، باعتبارها مؤسسات قانونية، وهو ما يعقد اليوم هذه الأزمة في قطاع المدرسة العمومية المفتوحة على كل الاحتمالات.
ويرى الخبير التربوي، عبد الناصر الناجي، أن "الوضع مفتوح على جميع الاحتمالات بما في ذلك سنة بيضاء، لكنه احتمال يبقى ضعيفاً في ظل عزم الحكومة على إنهاء الأزمة ولو ظاهرياً من خلال عودة الأساتذة إلى الفصول الدراسية ولو مُكرهين".
ونبَّه الناجي، في تصريحه لـ"عربي بوست"، إلى أن "السيناريو المبني على الإكراه لن يكون في صالح تفعيل ورش الإصلاح، ما دام العامل الرئيسي فيه وهو الأستاذ لن ينخرط فيه بشكل طوعي".
يخلص الخبير التربوي إلى أن "المقاربة الأمنية قد تنجح في وقف الإضراب، لكن لن تنجح في إعادة الثقة المفقودة بين الحكومة والأساتذة إلا بانتفاء الأسباب التي أدت إلى أزمة الثقة؛ وعلى رأسها إعادة الاعتبار لمهنة التدريس مادياً ومعنوياً بإخراج نظام أساسي يستجيب لأهم المطالب التي حركت الساحة التعليمية".
واستؤنفت الدراسة في المدارس العمومية من جديد بعد مسلسل احتجاجي طويل، بعدما قرّرت التنسيقيات تعليق الإضرابات، من أجل إتاحة الفرصة لتوفير مناخ يضمن عودة الحياة للفصول الدراسية، فيما ينتظر أن تصدر الصيغة المعدلة للنظام الأساسي.