أثار التعديل الذي أقره البرلمان المصري بمنح المستثمرين الأجانب حق تملك الأراضي الصحراوية جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية المصرية، في ظل مخاوف من اختراق إسرائيلي للأراضي المصرية عبر وسطاء أجانب أو عرب.
وتمر الحدود المصرية والظهير الصحراوي للمدن من تهديدات عديدة قد تشكل خطراً على الأمن القومي المصري، لا سيما أن الأراضي الصحراوية كانت محط أطماع الاحتلال على مر السنين.
وبررت الحكومة التعديلات برغبتها في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتحقيق النمو في الناتج المحلي الإجمالي، وتوفير المزيد من فرص العمل، وزيادة حصيلة الدولة من النقد الأجنبي لتحقيق الاستقرار في سعر صرف النقد.
وأتاح التعديل القانوني الجديد للمستثمر الأجنبي -أياً كانت جنسيته- الحصول على الأراضي الصحراوية المصرية لمزاولة نشاطه أو التوسع فيه دون التقيد بشرط ملكية المصريين 51% من رأس مال الشركة.
فيما اعتبر نواب المعارضة، الذين انتفضوا تحت قبة البرلمان أثناء مناقشة مشروع القانون وإقراره، أن التوجه الحكومي يفتح الباب أمام تحايل بعض الجنسيات الأجنبية بالقانون لشراء مساحات واسعة من الأراضي.
واعتبرت المعارضة المصرية أن هناك مؤامرات تُحاك للاعتداء على السيادة المصرية على أراضيها، ويظهر ذلك واضحاً في المطالبات الإسرائيلية المستمرة بتهجير أهالي قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء.
رحلة البحث عن الدولار وراء القانون
بموجب التعديلات التي أُدخلت على قانون الأراضي الصحراوية، فإن المستثمر الأجنبي أصبح من حقه الحصول على الأراضي اللازمة لمزاولة نشاطه أو التوسع فيه، وفقاً لأحكام قانون الاستثمار دون التقيد بما تضمنته المادتان (11، 12) من قانون الأراضي الصحراوية.
وينص القانون على ألا تقل ملكية المصريين ضمن هذا الاستثمار عن 51% من رأس مال الشركة، وألا تزيد ملكية الفرد على 30% من رأس مالها، ومن اقتصار التملك على المصريين فقط، وذلك جذباً للاستثمارات الأجنبية وإزالة المعوقات التي تواجه المستثمرين.
وتضمنت الفقرة الثانية من المادة (12) من ذات القانون قيداً على تملك الأراضي الصحراوية؛ إذ لا يستفيد من التملّك سوى المصريين، مع الإجازة بقرار من رئيس الجمهورية لأسباب يقدرها بعد موافقة مجلس الوزراء، معاملة من يتمتع بجنسية إحدى الدول العربية المعاملة المقررة للمصريين في هذا القانون.
وقال أحد نواب حزب مستقبل وطن داخل البرلمان، إن التعديلات تأتي ضمن خطة حكومية موسعة تستهدف جذب العملة الصعبة بكافة السبل الممكنة، ومن بينها تقديم مزيد من التطمينات لرجال الأعمال لجذب استثماراتهم.
وأشار المتحدث إلى أن القاهرة تعرضت خلال العام المنقضي إلى هجرة عكسية من رجال الأعمال، وتحاول الاستجابة لما جرى تقديمه من مقترحات لتحسين أجواء الاستثمار.
وقال النائب البرلماني من حزب مستقبل وطن، الذي يقود الأغلبية في البرلمان المصري، إن عدداً من المستثمرين العرب طالبوا بتعديل هذا القانون لمخاوفهم من أن تكون هناك عوائق قانونية تعترض وجودهم على الأراضي المصرية مستقبلاً.
وأوضح لـ"عربي بوست" أن الإجراءات السابقة لمنح الأجانب أراضي لإقامة شركاتهم اتسمت بقدر كبير من التعقيدات، وفي مرات عديدة كانت الموافقات الأمنية تعترض إقامة المشروعات في مناطق عديدة تدخل الحيز الصحراوي.
وأشار إلى أن أغلب الأراضي المصرية هي بالأساس صحراوية، وهو ما استوجب هذا التعديل دون أن يتم الإخلال بعوامل حفظ الأمن القومي، مع التأكد من أن ما سيقدم عليه المستثمرون هي بالأساس مشروعات تخدم احتياجات الدولة المصرية وتدخل في القطاع الإنتاجي الضخم.
المعارضة: قانون مشبوه
كشف أحد نواب أحزاب المعارضة بالبرلمان لـ"عربي بوست" أن المعارضة أثناء الجلسة العامة، وكذلك في نقاشات اللجان النوعية، خاصة لجنة الإسكان، طالبوا بأن يكون هناك نص صريح يمنع تملك أراضي شبه جزيرة سيناء للأجانب ضمن التعديلات الأخيرة التي أقرها البرلمان على القانون رقم 143 لسنة 1981.
وأضاف أن الأغلبية البرلمانية التي يقودها حزب مستقبل وطن، الظهير السياسي للحكومة، رفضت تلك المطالب، واعتبرت أن هناك قانوناً يتعلق بحظر تملك الأراضي في شبه جزيرة سيناء لغير المصريين.
وأوضح المصدر أن إضافة هذا النص كان سيمنع أي تأويلات للقانون، ويقطع أي شكوك حول إمكانية استغلاله بشكل سلبي مستقبلاً، لأنه قد تأتي حكومة أخرى في المستقبل وترتكن على هذا القانون دون غيره.
وأضاف أن مشروع القانون قد يفتح الباب أمام تأويلات قانونية مختلفة، وبالتالي فإن رفض إضافة النص كان مستغرباً، مع الإدراك التام بأن تملك الأراضي في المناطق القريبة من الحدود يحظى بمتابعة قوية من جهات أمنية عادة لا تسمح بحدوث ذلك.
وأشار إلى أن التخوف يبقى من حجم الضغوط التي تتعرض لها الدولة المصرية للسماح بتملك الأجانب للأراضي واستمرار هذه الضغوط في الوقت الحالي بقوة من الجانب الإسرائيلي وبعض الدول الأوروبية.
"إذا كانت الوضعية الحالية تسمح بالوقوف أمام هذه الضغوط فإنه ليس معروفاً كيف سيكون تصرف الحكومات المقبلة على المدى البعيد والمتوسط، وليس من المنطقي عدم إدخال مثل هذا التعديل في وقت يتخوف فيه المصريون من الاعتداء على السيادة قرب الحدود الشرقية"، يضيف المتحدث.
ولفت إلى أن المعارضة كانت لديها مطالب بتحديد مساحات الأراضي التي سوف يحصل عليها الأجانب لضمان عدم تواجد جنسيات تشكل خطراً على الأمن القومي المصري في المناطق الصحراوية، وهو أمر كانت ترفضه الأجهزة الأمنية على مدار تاريخها، وهو ما يجعل التعديلات الحالية مثار تساؤلات عديدة.
وأوضح أن المعارضة لم تعترض بالأساس على فكرة تملك الأراضي للاستثمار، لكن كان يجب أن تُحدد المناطق التي تمثل أهمية استراتيجية للأمن القومي بشكل واضح، والأمر لا يتعلق فقط بسيناء، ولكن أيضاً الصحاري الغربية الشاسعة بالقرب من ليبيا، وكذلك المناطق الصحراوية في الجنوب قرب السودان.
الضوء الأخضر
من جهته، كشف مصدر أمني لـ"عربي بوست" أن الأجهزة الأمنية منحت الضوء الأخضر لتمرير تلك التعديلات بفعل سيطرة الدولة المصرية على المناطق الصحراوية التي شهدت في السابق عمليات إرهابية.
وأضاف المتحدث أنه توجد الآن هناك حالة من الاستقرار يستوجب معها الانفتاح على المستثمرين الأجانب بما يساعد على إنقاذ الاقتصاد من مشكلاته الحالية، وفي حال شعرت تلك الأجهزة بأن هناك خطراً من تلك التعديلات فإنه يمكن التراجع عنها أو تعديلها مجدداً.
وأشار إلى أن هناك ما يشبه الإجماع على أهمية إزالة جميع العوائق التي تسببت في هروب المستثمرين خلال السنوات الماضية.
وتستهدف مصر جذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 12 مليار دولار، خلال العام المالي الجاري بنهاية يونيو/حزيران 2024، بزيادة 20% عن المحققة خلال العام المالي الماضي، والتي بلغت 10 مليارات دولار، في وقت يفترض أن تسدد فيه مصر نحو 42.3 مليار دولار من الديون خلال العام الحالي، وفق بيانات البنك المركزي المصري.
وسيكون على المستثمرين الراغبين في تملك أراضٍ صحراوية -وفقاً للنائب بحزب مستقبل وطن الذي تحدث لـ"عربي بوست"- تقديم ضمانات جدية لتنفيذ المشروعات.
ومن بين هذه الضمانات دراسة الجدوى الخاصة بالمشروع، مع ضرورة تحويل تمويل المشروع من الخارج ومنحه فترة زمنية تحددها هيئة الاستثمار على حسب نشاط المشروع قبل التدخل لسحب الأرض من جانب الحكومة.
وأشار المتحدث إلى أن قانون الاستثمار الذي جرى إقراره في عام 2017 يمنح الحق لوزير الدفاع في نزع ملكية أية أراضٍ لازمة لشؤون الدفاع عن الوطن.
وتعتزم الحكومة المصرية التخارج بحصتها من 35 شركة تعمل في 19 قطاعاً ونشاطاً اقتصادياً، وباعت بالفعل حصصاً في 13 شركة، بإجمالي 5 مليارات دولار، وتعتزم استكمال باقي البرنامج، خلال العام الميلادي الحالي.
وتلتزم الحكومة المصرية بسداد ديونها مع الحاجة الملحة لتوفير العملة الصعبة، بما يساعد على اتخاذ قرارات تعمل على ضبط أسعار العملة المحلية يستوجب معها المجازفة في بعض المسائل التي تبقى تحت السيطرة.
لكن، وحسب المصدر الأمني الذي تحدث لـ"عربي بوست"، فالوضع الراهن بحاجة إلى عقلية مختلفة يمكن من خلالها إعادة الثقة مع رجال الأعمال، وأن الأولوية ستكون لمنح موافقات لجنسيات عربية هي بالأساس تستهدف التواجد في الأراضي الصحراوية وأكثر إدراكاً بالخريطة الاستثمارية في مصر.
ولفت إلى أن القانون، الذي أصدره المجلس العسكري قبل 12 عاماً وينظم مسألة تملك أراضي سيناء للمصريين فقط والقرارات الأخرى الصادرة من الجهات الأمنية المختصة، يجعل هناك حالة من الاطمئنان لعدم تحقيق مطامع إسرائيل في منطقة سيناء.
لأن هذه المناطق تحديداً، حسب المتحدث، تخضع لمراجعات أمنية عديدة للمصريين الذين يسعون لتملك الأراضي بهدف الاستثمار، وهناك جهات عديدة تتأكد من أن الهدف لا يشكل تهديداً للأمن القومي المصري.
إلى جانب أن القانون الصادر في العام 2012 بشأن تملك المصريين لأراضي شبه جزيرة سيناء يقتصر على "الأشخاص الطبيعيين من حاملي الجنسية المصرية وحدها دون غيرها من أي جنسيات أخرى ومن أبوين مصريين، وللأشخاص الاعتبارية المصرية المملوك رأس مالها بالكامل لمصريين حاملي الجنسية المصرية وحدها دون غيرها من أي جنسيات أخرى ومن أبوين مصريين".
قيود على تملك المصريين أراضي بسيناء
ووفقاً للمصدر ذاته، فإن المنطقة "ج" الحدودية مع إسرائيل، والتي تقع تحديداً من رفح شمالاً وحتى شمال مدينة طابا جنوبا بنطاق محافظة شمال سيناء، فإنه لا يُسمح بتواجد غير المصريين في هذه المنطقة.
وفي سبتمبر/أيلول 2012، أقرّ عبد الفتاح السيسي حينما كان وزيراً للدفاع، قانوناً يحظر تملك أو انتفاع أو إيجار أو إجراء أي نوع من التصرفات في الأراضي والعقارات الموجودة بالمناطق الاستراتيجية ذات الأهمية العسكرية، كما يحظر تملك أراضي شبه جزيرة سيناء لغير المصريين.
ويشير خبير اقتصادي بالهيئة العامة للاستثمار لـ"عربي بوست"، إلى أن القصور الواضح في آليات الاستثمار في مصر يتطلب اتخاذ إجراءات قوية، وهو ما يحققها التعديل البرلماني الأخير، على أن يتبع ذلك تحسين مؤشرات الكفاءة والسرعة في منح التراخيص وتقديم التسهيلات والقضاء على فرق العملة بين الجنيه والدولار.
وأضاف أن القاهرة تدرك أنها أمام منافسة قوية على جذب المستثمرين في دول لديها عوامل جذب تفوقها في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي فإنها تعمل على تحسين صورتها لجذب الاستثمارات بعد خسائرها الفادحة التي تعرضت لها مع هروب الأموال الساخنة.
ويلفت إلى أن التوجه الحكومي يستهدف تعمير الصحاري الشاسعة، لكن الحكومة ليست لديها الإمكانيات المادية التي تجعلها تقدم على تنفيذ مشروعات قومية عملاقة؛ مثل التي نفذتها خلال العقد الأخير وبدا أنها مضطرة لاستقطاب المستثمرين الأجانب للقيام بتلك المهمة، أو مساعدتها في توفير الخدمات المطلوبة بما يسهل مهمة تطويرها وتنميتها.
كما أن الحكومة المصرية، حسب المتحدث، تواجه عزوفاً من رجال الأعمال المصريين الذين طرحت عليهم التوجه بمشروعاتهم إلى مناطق صحراوية خشية من تعرضهم للخسائر، ووجدت أنها لا تلقى الدعم المطلوب من المستثمرين المحليين.
ويعتبر أن المشكلة الرئيسية أمام القاهرة تتمثل في أنها قد لا تجد المردود الذي تستهدفه وراء تلك التعديلات مع إخفاقها في جذب الاستثمارات الأجنبية خلال السنوات الماضية مع المشاكل الهيكلية التي يعانيها الاقتصاد، وفي القلب منها مسألة اضطراب سعر العملة المحلية، وعدم استقرار الأوضاع الجيوسياسية بالقرب منها، وكذلك تواجدها بشكل قوي في الاقتصاد عبر مشروعاتها التي يجد المستثمرون صعوبة في منافستها.