وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن جماعة الحوثي في اليمن بأنها "تنظيم إرهابي"، وذلك في معرض كلامه عن قيام مقاتلات حربية وسفن وغواصات أمريكية وبريطانية بشن ضربات على أهداف ومواقع تابعة للجماعة، ليخالف بذلك إلغاء إدارته توصيفهم بذلك منذ بداية ولايته، خلفاً لدونالد ترامب الذي كان وراء تصنيفهم على قوائم الإرهاب الأمريكية.
جاء تصريح بايدن في معرض رد واشنطن ولندن على الهجمات التي شنها الحوثيون على مدى الأسابيع الماضية، على سفن الشحن المتجهة نحو موانئ الاحتلال الإسرائيلي، وذلك تضامناً مع الفلسطينيين في غزة.
أثار وصف بايدن جماعة الحوثي المسماة "أنصارالله" بـ"التنظيم الإرهابي" تساؤلات عن طبيعة موقف إدارته من الجماعة، لا سيما أنها من شطبتها منذ الأسابيع الأولى من وصوله إلى البيت الأبيض، من قوائم الإرهاب عام 2021.
بعد أسبوعين من رئاسة بايدن، تم رفع جماعة الحوثي من قائمة "الجماعات الإرهابية"، وهو القرار الذي أقرته إدارة سلفه، دونالد ترامب، نهاية فترته في البيت الأبيض يناير/كانون الثاني 2021.
"تطور مهم"
تعليقاً على ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، لـ"عربي بوست"، إن تصريح بايدن يثير التكهنات بشأن وجود موقف أمريكي جديد بشأن وجود توجه جديد وجدي تجاه الحوثيين، ولكن ذلك يحتاج إلى وقائع راسخة لتؤكد ذلك.
بحسب التميمي، فإن "جماعة الحوثي تدين بالفضل لأمريكا في المكاسب السياسية والعسكرية الكبيرة والسريعة التي حققتها منذ انقلابها على السلطة الانتقالية في 21 سبتمبر/أيلول 2014، وشروعها في عملياتها العسكرية، وذلك بسبب التفسيرات الممنهجة التي قدمتها بحجة محاربة الإرهاب، لكن اليوم يخرج بايدن ليصف الجماعة الحوثية أيضاً بالإرهاب".
وأوضح أن "واشنطن وضعت الخطوط الحمر الكثيرة حول صنعاء والحديدة (غرباً) وعبر إطلاق يد الحوثيين للاستمرار في حصار تعز ومأرب (جنوب وشمال شرق)".
لكنه رأى أن "وصف بايدن لجماعة الحوثي بأنها منظمة إرهابية، يمثل تطوراً مهماً، ما لم يكن محكوماً بالرغبة في تبرير الضربات التي نفذتها قواته على الحوثيين، لإقناع اليسار الديمقراطي بأن الضربات كانت مبررة، للجماعة التي لطالما حظيت بحماية اليسار الديمقراطي في الحزب الحاكم"، وفق تقديره.
رجح التميمي أن تكون الخطوة التالية لإدارة بايدن بالذهاب نحو "إعادة تصنيف جماعة الحوثي منظمة إرهابية، وتضييق الخناق على مصادر تسليحها، وتغيير المنهجية الأمريكية التي أضعفت الحكومة الشرعية، ومنعت تحقيق انتصار عسكري عليها".
الحوثيون يهاجمون توصيف بايدن
من جانبه، اعتبر عضو المكتب السياسي لجماعة "أنصار الله" الحوثيين، علي القحوم، أن "توصيف بايدن يأتي في إطار العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن".
وقال لـ"عربي بوست" إن "واشنطن تحاول تشويه الموقف اليمني، وقيادة الجماعة، والإجماع الوطني في نصرة فلسطين وغزة، والعمليات الكبرى والاستراتيجية في ضرب إسرائيل، ومنع سفنها من عبور البحر الأحمر".
شدد القيادي الحوثي على أن "الهجمات ضد السفن التابعة لدولة الاحتلال أو المتجهة إليها، مستمرة، ولن تتوقف حتى يتوقف العدوان الإسرائيلي على غزة ورفع الحصار عنها".
عن وصف بايدن لجماعة الحوثيين بالإرهابية، بعد أن كانت إدارته هي ذاتها من رفعت تصنيف الجماعة من قوائم الإرهاب الأمريكية، قال القحوم: "اليوم بعد انفضاح أمريكا، وانكشاف وجهها القبيح، وفشلها الكبير في حماية إسرائيل، تتحرك بشكل مفضوح وبازدواجية متلونة، وتكيل بمكيالين، وتنتهك القوانين الدولية، وتمارس الإجرام والعدائية تجاه الدول والشعوب".
هاجم عضو المكتب السياسي للحوثيين الولايات المتحدة، وقال إنها "تثبت مجدداً أنها أم الإرهاب في العالم، وشر مطلق، ومشروع استعماري غربي"، متوعداً بـ"إجبار واشنطن على مغادرة المنطقة، فنحن في حالة تأهب واستنفار لخوض المعركة المفتوحة مع الولايات المتحدة".
تسلسل مواقف إدارة بايدن
تأرجحت المواقف الأمريكية تجاه جماعة الحوثيين منذ وصول بايدن إلى السلطة، بين مقاربات عدة، وكانت العقوبات واحدة منها.
بدأ الرئيس بايدن فترته الرئاسية منذ وهلتها الأولى بوعود "التفاوض لإنهاء الحرب في اليمن"، وإلغاء قرار تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية، وهو القرار الذي ألغى خطوة سلفه دونالد ترامب قبيل مغادرته البيت الأبيض.
منتصف فبراير/شباط 2021، رفعت الولايات المتحدة جماعة الحوثي من قائمة التنظيمات الإرهابية، بعد أقل من شهر على اعتلاء إدارة الرئيس بايدن سدة الحكم.
بعد أسبوعين على رئاسة بايدن، أصدر قراراً جديداً بتعيين الموظف في وزارة الخارجية، تيموثي ليندركينج، مبعوثاً خاصاً للولايات المتحدة في اليمن، الذي بدوره قال إن "الوقت قد حان لاختبار التزام الحوثيين بالسلام".
قابل الحوثيون الخطوة الأمريكية، بشن هجوم واسع على محافظة مأرب الغنية بالنفط ( شمال شرق)، أحد معاقل الحكومة اليمنية المعترف بها، الأمر الذي وضع إدارة بايدن في موقف صعب، لجأت فيه إلى فرض عقوبات ضد الجماعة.
أعلنت واشنطن حينها "عقوبات تستهدف قيادات في الحوثيين، وشبكات تمويلهم"، مع زيادة الضغط على الجماعة للانخراط في الجهود الرامية لحل الصراع في البلاد.
في مايو/أيار 2021، كشفت وزارة الخزانة الأمريكية عن أن واشنطن فرضت عقوبات على اثنين من المسؤولين العسكريين في حركة الحوثي، وذلك في مواجهة هجوم تشنه الحركة المتحالفة مع إيران للسيطرة على محافظة مأرب الغنية بالغاز.
طالت العقوبات "محمد عبد الكريم الغماري" المعين رئيساً لأركان القوات التابعة للجماعة، باعتباره المسؤول عن الهجوم الذي استهدف مدنيين في مدينة مأرب، إضافة إلى يوسف المداني، المعين قائداً للمنطقة الخامسة، إذ تم إدراج الأخير على قائمة الإرهابيين العالميين.
في مارس/آذار 2021، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على منصور السعدي رئيس أركان القوات البحرية الحوثية وأحمد علي أحسن الحمزي قائد القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي في جماعة الحوثيين.
قال مدير مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأمريكية، أندريا جاكي في بيان حينها إن "هذين الشخصين يقودان قوات تزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن".
بقي الحال على ما هو عليه بالنسبة للموقف الأمريكي، مع محاولات سعودية وأممية للوصول إلى اتفاق للحل في اليمن ووقف الحرب، إثر التوصل إلى هدنة 2 أبريل/نيسان 2022، والتي تم تمديدها مراراً إلى أن فشلت الجهود الأممية لتجديدها في أواخر 2022، واستمر الحال حتى أكتوبر/تشرين الأول 2023.
بحسب مصادر خاصة في تقرير سابق لـ"عربي بوست"، فإن اتفاق وقف الحرب في اليمن توصلت إليه الأطراف بدور سعودي ووساطة الأمم المتحدة، إلا أنه لم يتم التوقيع عليه بسبب الحرب في غزة.
الأمر ذاته أكده بعد أسبوع، المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، مؤكداً أن الحوثيين والحكومة اليمنية توصلا إلى الالتزام بخطوات لوقف إطلاق نار شامل، ويقتربان خطوة نحو إنهاء الاقتتال.
مع تصاعد منسوب التوتر في البحر الأحمر، تغير الموقف الأمريكي بشأن الحوثيين، إثر إعلان الجماعة اليمنية، في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 "منع مرور سفن الشحن المتجهة إلى موانئ دولة الاحتلال الإسرائيلية"، تضامناً مع الفلسطينيين في غزة.
في ديسمبر/كانون الأول 2023، أقرت وزارة الخزانة الأمريكية، عقوبات على فرد وثلاثة كيانات "مسؤولة عن تسهيل تدفق المساعدات المالية الإيرانية إلى الحوثيين وأنشطتهم المزعزعة للاستقرار".
طالت العقوبات، نبيل علي أحمد الحدث، رئيس جمعية الصرافين في مناطق سيطرة الحوثيين في صنعاء في اليمن، الذي يرأس أيضاً شركة "نابكو" للصرافة والتحويلات المالية.
كما طالت العقوبات شركة "نابكو"، وشركة "الروضة" للصرافة وتحويل الأموال، وشركة "الأمان للشحن والاستيراد والتصدير والنقل المحدودة"، ومقرها في تركيا.
في يناير/كانون ثاني 2024، فرضت واشنطن عقوبات جديدة على 13 شخصاً وكياناً متهمين بتحويل عشرات الملايين من الدولارات بالعملة الأجنبية من بيع منتجات إيرانية إلى الحوثيين في اليمن، المسؤولين عن هجمات ضدّ "إسرائيل".
وقالت إن هذه الأموال جُمعت "من خلال بيع وشحن منتجات إيرانية وتحويلها إلى الحوثيين في اليمن، بدعم من الحرس الثوري الإيراني، ومن خلال شبكة معقّدة من شركات الصرافة والشركات العاملة في دول عدّة"، وفق ما أكدته وزارة الخزانة الأمريكية.
في 12 يناير/كانون الثاني 2024، أعلنت واشنطن فرض عقوبات جديدة على شركتين في هونغ كونغ والإمارات، مشيرة إلى أنهما من الشبكة المالية التي تمول الحوثيين في اليمن.
وقالت وزارة الخزانة الأمريكية إن الشركات التي تستهدفها بالعقوبات، قامت بشحن سلع إيرانية نيابة عن شبكة وسطاء ماليين للحوثيين، مشيرة إلى أن "إيرادات مبيعات السلع تدعم الحوثيين وهجماتهم المستمرة ضد الشحن الدولي في البحر الأحمر وخليج عدن".
"ضربات عسكرية"
في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023، أعلنت واشنطن تشكيل تحالف بحري دولي جديد بمسمى "حارس الازدهار"، بهدف التصدي لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وضمان الملاحة فيه، شاركت فيه 20 دولة.
في 31 ديسمبر/كانون أول 2023، حدث أول اشتباك بين الحوثيين والقوات الأمريكية، انتهى بإغراق ثلاثة زوارق تابعة للحوثيين، وقتل أفراد طواقمها، بعد أن هاجمت سفينة لم تستجِب لنداءات مسلحي الجماعة بتغيير مسارها.
فجر الجمعة 12 يناير/كانون الثاني 2024، قصفت الولايات المتحدة وبريطانيا "عشرات الأهداف في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون بأكثر من مئة من الذخائر دقيقة التوجيه"، وفق ما أعلنته القيادة الأمريكية المركزية.
قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في اليوم ذاته، إن الضربات ضد الحوثيين استهدفت أجهزة رادار وبنى تحتية لمسيرات وصواريخ، مشيراً إلى أن "هذه العملية تستهدف تعطيل وإضعاف قدرة الحوثيين على تعريض البحّارة للخطر وتهديد التجارة الدولية".
"تحسين صورة بايدن"
الموقف الجديد لبايدن، رأى فيه رئيس مركز "أبعاد" للدراسات في اليمن، عبد السلام محمد، أنه "يهدف إلى تحسين صورة بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة" في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وقال لـ"عربي بوست" إن "الحملة العسكرية الأخيرة التي قامت بها واشنطن، الهدف منها إعادة الحوثيين إلى قوائم الإرهاب".
في السياق ذاته، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء، عبد الباقي شمسان إن توصيف الرئيس الأمريكي للجماعة الحوثية أنها تنظيم إرهابي خطوة "إعلانية"، لأن هناك توصيفاً "إجرائياً" يعني إعادة تفعيل وزارة الخزانة لقرار توصيف الجماعة كـ"جماعة إرهابية"، أي أن تصريحه هو بغرض إعلان المضي بهذه الخطوة.
وتابع في حديثه لـ"عربي بوست" أنه "لا شك، أن لهذا القرار تبعات، لكن تصريح الرئيس الأمريكي يأتي أيضاً في إطار الضغوط على الحوثيين، لأن هناك جهوداً تبذل من مبعوث الأمم المتحدة ومبعوث واشنطن نفسه، تيم ليندر كينغ، لإيجاد تسوية سياسية في اليمن، وهذا يتصادم مع تلك الجهود".
وأشار الأكاديمي اليمني إلى أن "استراتيجيات الولايات المتحدة في المنطقة، تقوم على الحفاظ على الحوثيين كطرف رئيسي من أطراف النزاع، ولذلك، في السابق أنقذت إدارة بايدن الجماعة الحوثية من حيث تصنيفها كجماعة إرهابية".
وأكد أستاذ علم الاجتماع السياسي أن "الولايات المتحدة، نجحت في إصدار قرار من مجلس الأمن في الأيام الماضية يدين هجمات الحوثيين على سفن الشحن في البحر الأحمر، وعزلت ما يقوم به الحوثيون من هجمات عما يجري في غزة".
لفت كذلك إلى أن "الموقف الأمريكي لا يمكن اعتباره تحولاً، ما لم تكن هناك خطوات أكثر عملية، منها إعادة تصنيف الحوثيين في قوائم المنظمات الإرهابية، ودعم السلطات الشرعية وقواتها".
يشار إلى أن بياناً صادراً عن البيت الأبيض في 15 يناير/كانون الثاني 2024، أفاد بأن بايدن تلقى سؤالاً خلال زيارته إحدى المحال التجارية في ولاية بنسلفانيا، عما إذا كان يصف الحوثيين بأنها "جماعة إرهابية"، ليجيب: "أعتقد أنهم كذلك".
يذكر أنه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي عدواناً مدمراً على غزة، خلّف أكثر من 24 ألف شهيد وأكثر من 60 ألف مصاب، ونزوح أكثر من 85% من سكان القطاع، ما يعادل 1.9 مليون شخص، بحسب الحكومة في غزة والأمم المتحدة.