“فوضى وتعليمات ناقصة، وجنود غير جاهزين”.. ضباط إسرائيليون يروون تفاصيل “السبت الأسود” وكيف تسبب في صدمة للاحتلال

عربي بوست
تم النشر: 2024/01/13 الساعة 21:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/01/13 الساعة 22:26 بتوقيت غرينتش
جانب من عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها المقاومة/ رويترز

قال موقع Ynet الإسرائيلي، في تقرير نشره يوم الجمعة 12 يناير/كانون الثاني 2024، إنه  في ليلة الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، عندما كانت حماس منخرطة بالفعل في الاستعدادات النهائية للهجوم المخطط له هذا الصباح، عقد كبار مسؤولي "الشاباك" وجيش الاحتلال الإسرائيلي عدة مكالمات جماعية، وكان السبب الرئيسي لهذه المحادثات هو أنه بعد منتصف الليل بقليل، التقط مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي بعض المؤشرات المهمة. وأضيفت هذه العلامات إلى عدة مؤشرات أخرى بدأت بالوميض في الأيام والأسابيع السابقة. 

المشكلة في هذه العلامات هي أن أياً منها لا يشكل تحذيراً واضحاً للحرب، فقد كان من المرجح أن التحركات ذلك اليوم يمكن أن تشير أيضاً إلى تدريب يحاكي خوض المعركة. لكن تراكم كل هذه الأمور مجتمعةً أثار بعض القلق لدى النخبة الأمنية، فتبادل رؤساء الجيش و"الشاباك" التشاور. وصل رئيس "الشاباك" رونان بار بنفسه إلى مقر الجهاز، وتخلى قائد القيادة الجنوبية عن إجازة نهاية الأسبوع وبدأ بالتوجه جنوباً. 

عملية طوفان الأقصى

استعدادات عادية لجيش الاحتلال قبل "طوفان الأقصى"

في نحو الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً، أمر رئيس "الشاباك" رونان بار فريق التكيلا، وهو قوة تدخل خاصة من "الشاباك" ومقاتلي جيش الاحتلال الإسرائيلي، بالتوجه جنوباً. كانت تلك خطوة غير عادية على الإطلاق، ولكنها مُصمَّمة لسيناريو تسلل عدد قليل من الخلايا الفردية من المقاتلين الفلسطينيين عبر اختراق نقطة أو نقطتين حدوديَّتين، بهدف قتل أو اختطاف مدنيين وجنود. 

أثارت هذه العلامات قلق قائد فرقة غزة، الوحدة العسكرية المسؤولة عن حماية الخط الأمامي لحدود إسرائيل وقطاع غزة، العميد آفي روزنفيلد، الذي كان في الخدمة بالفرقة في ذلك اليوم. وقرر استدعاء كبار قادته، ومن بينهم قادة اللواءين الإقليميين -الشمالي والجنوبي- وقائد الفرقة، وضابط هندسة الفرقة وغيرهم. وعندما وصلوا إلى مقرهم في قاعدة الريم، بدأوا باتخاذ بعض الخطوات لزيادة التأهب على الحدود. 

بحسب رواية عدد من كبار المسؤولين في القيادة الجنوبية، خطط قائد الفرقة وضباطه لاتخاذ إجراءات إضافية لزيادة التأهب في قواعد الفرقة ومواقعها المنتشرة على طول الحدود، وبالقرب من المستوطنات التي من المفترض أن يحموها. ولكن بسبب المعلومات التي أثارت القلق في المقام الأول، فقد طُلِبَ من المسؤولين في هيئة الأركان العامة عدم اتخاذ خطوات "صاخبة". في المقابل، تقول مصادر أخرى في المنظومة الأمنية، إن مقر الفرقة كان بإمكانه اتخاذ خطوات كثيرة لم يكن من الممكن أن يستوعبها الطرف الآخر. 

طوفان الأقصى الاحتلال مستوطنات غلاف غزة
جانب من عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها المقاومة/ رويترز

إبلاغ نتنياهو بتطورات الموقف

أُبلِغَ رئيس الوزراء نتنياهو بما كان يحدث في أثناء انطلاق صفارات الإنذار. وفي تل أبيب، كانت الساعات التالية، الأهم والأكثر إرباكاً، يكتنفها ضباب المعركة ونقص المعلومات. 

في الواقع، في قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، لم يكن أحد يعرف شيئاً تقريباً. ولهذا السبب حدثت صدمة كاملة في تل أبيب. وهذا هو السؤال الذي كان محور هذا التحقيق: أين كان الجيش الإسرائيلي في الساعات الأولى من صباح 7 أكتوبر/تشرين الأول؟ 

في الأشهر الأخيرة تحدث موقع Ynet الإسرائيلي مع عشرات الضباط والقادة؛ بعضهم من كبار القادة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وحاول الموقع، باستخدام القصص التي تلقَّاها إلى جانب الوثائق الداخلية للمؤسسة الأمنية، أن يلخِّص ما حدث بالفعل في الساعات الأولى من ذلك الصباح، من أجل تحديد جدول زمني للساعات التي غيرت البلاد إلى الأبد. 

نازحين إسرائيليين
إسرائيلون هربوا من المستوطنات بعد عملية طوفان الأقصى – رويترز

تعليمات بقصف المقاتلين الفلسطينيين 

يكشف التحقيق أنه خلال هذه الساعات كُشِفَ أيضاً عن أصعب الأحداث وأكثرها إحراجاً وإثارة للغضب التي تعرض لها جيش الاحتلال الإسرائيلي، يتضمن ذلك نظام قيادة شبه فاشل تماماً وأصبح أعمى بالكامل، وتعليمات بإطلاق النار على سيارات المقاتلين العائدة إلى غزة، حتى لو كان هناك خوف من وجود أسرى فيها، والجنود الإسرائيليين الذين اضطروا إلى إجراء الاتصالات باستخدام هواتفهم المحمولة، ومشاة البحرية الذين أرسلوا مقاتلين إلى المعركة بأسلحة دون سترات واقية، الأوامر القديمة وغير المعدلة التي أُخِذَت بالحرف وأُرسِلَت إلى الميدان، والطائرات المقاتلة التي حلقت في الأجواء في الدقائق الحرجة للهجوم دون اتجاه، والضباط الذين خلصوا إلى أنه لا يوجد خيار ويجب أن يقفزوا في الطائرات المروحية، وحتى مشغِّلي الطائرات المسيَّرة الذين اضطروا للدخول إلى مجموعات على تطبيق واتساب في الكيبوتسات للحصول على أهداف من المواطنين المحاصرين. كان كل شيء مجنوناً وفوضوياً ومرتجلاً ومهملاً لدرجة كبيرة. ولا داعي لانتظار لجنة التحقيق التي ستصل وستتناول بالتأكيد كل ما هو مفصل هنا. 

قُدِّمَ عدد لا بأس به من الشكاوى حول الاستجابة المتناثرة والمربكة للقوات الجوية في صباح يوم السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول. وبعض الشكاوى صحيحة بالفعل، إذ يكشف التحقيق أنه حتى في الوحدات الأكثر تنظيماً بجيش الاحتلال الإسرائيلي، كان من الصعب للغاية فهم حجم الحدث، وكان الرد جزئياً ومتفرقاً. 

في نحو الساعة السابعة إلا ربع، جرت محادثة أولى بين تل أبيب وضابط عمليات في القيادة الجنوبية، حيث أُبلغت هيئة الأركان العامة لأول مرة، أن الأمر لم يكن مجرد وابل من الصواريخ، بل أيضاً خروقات في السياج أسفرت عن تضرُّر بعض وسائل المراقبة. وهذا هو أحد أسباب بقاء هيئة الأركان عمياء عملياً، إذ سقطت بالونات المراقبة الثلاثة الكبيرة التي من المفترض أن توفر نقاط مراقبة باتجاه جنوب ووسط وشمال قطاع غزة، في الأيام التي سبقت الهجوم. وهاجمت حماس بشكل مباشر، الكاميرات ووسائل المراقبة الأخرى، مستخدمةً جزئياً طائرات مُسيَّرة انتحارية. 

ولكن ليست وسائل المراقبة هي الوحيدة التي تأثرت، إذ كشف تحقيق أولي أجري في الأيام الأخيرة يتعلق بقدرة الاتصالات لقسم غزة، أن نحو 40% من مواقع الاتصالات، والأعمدة مع هوائيات محطات الترحيل التي بنتها فرقة بيريز لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في السنوات الأخيرة بالقرب من حدود قطاع غزة، قد دُمِّرَت على يد مقاتلي حماس صباح ذلك اليوم. 

إسرائيل طوفان الأقصى
لحظة أسر كتائب القسام لجنود إسرائيليين من داخل دبابة في معارك طوفان الأقصى في غلاف غزة/ (القسام، عبر تليغرام)

مقاتلو "القسام" يدمرون مواقع الرصد الإسرائيلية

من خلال القيام بذلك، لم يكتفِ مقاتلو حماس بضرب مواقع الرصد وإطلاق النار ووسائل المراقبة المنتشرة على طول خط الاتصال بدقة فحسب، بل حاولوا أيضاً تخريب القدرة الأساسية للاتصالات اللاسلكية. وقد فعلوا ذلك أيضاً من خلال زرع عبوات ناسفة لتفجير أبراج الهوائي، التي لم تكن محمية كما تبيَّن في ما بعد. وكانت هذه الانفجارات ناجحة جزئياً، فقد سقط عددٌ كبير من هذه الأبراج، بينما البعض الآخر انقلب فقط. 

في تلك الأثناء، كانت المعركة دائرة في قاعدة الريم، حيث يقع مقر فرقة غزة، وهاجم عشرات المقاتلين من حماس القاعدة. تمكن قائد الفرقة، العميد آفي روزنفيلد، من الدخول إلى موقع مُحصَّن مع العديد من جنوده، ومن هناك حاول إدارة معركة الفرقة والمعركة في قاعدة الريم في الوقت نفسه. 

كان الأمر صعباً للغاية بالنسبة لما يُعرَف في جيش الاحتلال الإسرائيلي بالقيادة والسيطرة. إذا كان مقر الفرقة معمياً وتعرض للهجوم، فلن يتلقى مقر القيادة الجنوبية معلوماتٍ كافية، ولا هيئة الأركان أيضاً. والنتيجة هي أن القادة كانوا يعرفون بالفعل من وسائل الإعلام أو الأصدقاء أن شيئاً ما كان يحدث. 

هذا الشعور بأن كل قائد كان يعتقد أن الصراع الرئيسي يدور في مكانه ولم يكن يعلم أنه على بعد بضعة كيلومترات بينما كان صديقه يخوض معركةً مماثلة، تقاسمه العديد من الضباط الذين تحدث إليهم موقع Ynet. ولم يكن أحد منهم يعلم أنه في تلك الساعات كان هناك نحو 80 نقطة صراع مختلفة في الجنوب. 

طوفان الأقصى جيش الاحتلال الإسرائيلي
قوات من الجيش الإسرائيلي – رويترز

هجوم عنيف 

وفقاً لمسؤول في القيادة الجنوبية، نحو الساعة الـ7:30 صباحاً، وبعد أكثر من ساعة من بدء الهجوم، أفاد قائد فرقة غزة، العميد آفي روزنفيلد، بأن قاعدة الريم وكامل المنطقة المحيطة بها تعرضت لهجوم عنيف. وقال إنه لا يستطيع وصف نطاق الهجوم وتفاصيله، وطلب من القائد المناوب أن يرسل إليه جميع القوات المتوافرة في الجيش الإسرائيلي. 

وفي الساعة الـ7:43 صباحاً، أصدرت القيادة في تل أبيب الأمر الأول لنشر القوات، والذي بموجبه يجب على جميع قوات الطوارئ وجميع الوحدات القريبة من منطقة حدود غزة، لكن الأمر لم يتضمن المعلومات التي لم تكن واضحةً على الإطلاق، لا في القيادة الجنوبية ولا لدى هيئة الأركان، وهي أن غزواً واسع النطاق قد شُنَّ بالفعل وكان يهدف إلى الاستيلاء على أجزاء من غلاف غزة. والنتيجة هي أن جزءاً كبيراً من القوات التي انطلقت لم تكن تعلم بوجود خطر مواجهة قوات العدو وهي في طريقها إلى المستوطنة أو القاعدة التي أُرسلوا إليها. 

جيش الاحتلال الإسرائيلي غزة
نتنياهو في زيارة للجيش الإسرائيلي شمال غزة خلال فترة الهدنة – رويترز

مقاتلون عبر شبكات أنفاق

كانت هناك مشكلة أخرى في ذلك الأمر، فقد كان المقصود منه حماية إسرائيل من نوع مختلف تماماً من التدخل. كان التهديد الرئيسي سابقاً يتمثل في تسلل مقاتلين عبر شبكة من الأنفاق التي تخترق إسرائيل، ومن هناك يحاولون الوصول إلى المستوطنات. بمعنى آخر، لم يركز الأمر على حماية السياج الحدودي من مقاتلي حماس الذين سيتعين عليهم العمل فوق الأرض، ولا على تهديد آلاف المقاتلين الذين تسللوا بحريةٍ تقريباً عبر أكثر من 30 نقطة اختراق. لكن جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يتصور مثل هذا السيناريو، ولم يعد الأوامر له. ويصبح هذا الفشل أكثر غرابة بعد أن حصل جيش الاحتلال الإسرائيلي على "سور أريحا"، وهي خطة المعركة التي وضعتها حماس والتي تصف بالضبط مثل هذا الهجوم، ومع ذلك لم يقم بتحديث الخطط الدفاعية. 

غزة
آثار القصف الإسرائيلي على قطاع غزة/ shutterstock

وفي ظل غياب قيادة منظمة، حاول مشغلو الطائرات المسيَّرة بناء "بنك الأهداف" بأنفسهم. وبسرعة كبيرة، ساد الارتجال هنا أيضاً، فمعظم المشغلين من الضباط الشباب، الذين لديهم أصدقاء وأفراد من عائلات كانوا يقاتلون في تلك اللحظة على الأرض. توجه هؤلاء إلى زملائهم في الميدان عبر مكالماتٍ هاتفية من هواتفهم الخلوية، وكانوا يصفون لبعضهم الموقف بصورةٍ ارتجالية تماماً. ودخل مشغلون آخرون إلى مجموعات على تطبيق واتساب في كبيوتس كفر عزة وبلدات أخرى. 

تحميل المزيد