منذ بداية حربه على غزة، في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، استهدف الجيش الإسرائيلي ودمّر العشرات من المواقع التاريخية، من ضمنها كنائس ومساجد عتيقة، ومتاحف ثقافية، وهياكل أثرية يعود تاريخها إلى آلاف السنين، وفقاً لتقرير نشره موقع Middle East Eye البريطاني، الجمعة 12 يناير/كانون الثاني 2024.
كانت المواقع الدينية الكبرى هدفاً للغارات الجوية الإسرائيلية والقصف المدفعي في مختلف مناطق غزة، وتحوّل الكثير منها إلى ملاجئ للفلسطينيين النازحين.
في 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تعرّضت كنيسة القديس برفيريوس للروم الأرثوذكس لأضرار؛ جرّاء غارة جوية إسرائيلية على المستشفى الأهلي المعمداني المجاور، الذي يعود تاريخه إلى 141 عاماً مضت، وهو أقدم مستشفى في القطاع.
بعد يومين، استُهدفت بشكل مباشر بغارة أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 16 شخصاً، وإصابة عشرات آخرين بين العائلات التي لجأت إلى الكنيسة.
تقول رندة أرتين، وهي مسيحية مقيمة في غزة، إن هذه الكنيسة كانت واحدة من المواقع الدينية القليلة التي كانت هي والمسيحيون الآخرون يصلون فيها ويقضون العطلات الدينية؛ لأن إسرائيل لا تمنحهم تصاريح للسفر إلى بيت لحم عبر معبر إيريز كل عام.
تضيف السيدة، البالغة من العمر 53 عاماً لموقع "Middle East Eye": "الكنائس في قطاع غزة ليست كثيرة، لكن جميعها قديمة وتاريخية، لذا، إذا دُمّرت كنيسة، فهذا في الواقع ليس تدمير كنيسة، بل تدمير لمئات السنين".
وتابعت: "كانت تربطنا علاقة روحية خاصة مع كنيسة الروم الأرثوذكس على وجه الخصوص، فهي رمز للمسيحيين الفلسطينيين في غزة، وحتى في أنحاء فلسطين أيضاً، كنا نحضر عيد الميلاد هناك ونضيء الشجرة مع الأطفال كل عام. ومن الصعب أن نصدّق أن الأماكن القليلة المتاحة للمسيحيين في غزة قد دُمّرت الآن".
تُعد الكنيسة التي يبلغ عمرها 900 عام تقريباً، واحدة من أقدم الكنائس في العالم، وواحدة من 3 كنائس تضررت في أنحاء القطاع.
"أكثر من مجرد مسجد"
فضلاً عن الكنائس، تم تدمير ما لا يقل عن 114 مسجداً، وتعرّض 200 مسجد آخر في غزة لأضرار، منها مسجد عثمان قشقار، الذي يرجع تاريخه إلى القرن الثالث عشر في حي الزيتون، جنوب مدينة غزة، والمسجد العُمري الكبير، الذي يعود تاريخه إلى القرون الوسطى، وهو أكبر وأقدم مسجد في غزة، يقع في قلب البلدة القديمة شرق مدينة غزة، ويعود تاريخه إلى القرن السابع الميلادي.
أم أحمد السقا (64 عاماً) التي تسكن حي الشجاعية على بُعد كيلومترات قليلة من المسجد العمري، قالت إنها تصلي في المسجد منذ كانت طفلة، خاصة خلال شهر رمضان، مؤكدة أن حزنها على تدمير المسجد أكبر من حزنها على منزلها.
في حديثها لموقع "Middle East Eye" قالت أم أحمد السقا: "وُلدت وعشت طوال حياتي في هذا الحي. حين كان عمري حوالي 6 سنوات، وطوال سنوات طفولتي، كان والدي يأخذني وإخوتي كل ليلة في شهر رمضان لأداء صلاة التراويح في هذا المسجد. ذكريات طفولتي ونشأتي كلها هناك".
وأضافت: "بالنسبة لنا، نحن الفلسطينيين، هو أكثر من مجرد مسجد. إنه تاريخنا وحاضرنا. حين نتحدث عن غزة، نتحدث عن المسجد العُمري. كنا نظن أنه يستحيل أن يتعرّض لأي ضرر، لا لأنه موقع مقدس فقط، ولكن بسبب تاريخه الغني، وأهميته للمسلمين والمسيحيين في جميع أنحاء العالم".
يعتبر المسجد الذي كان كنيسة بيزنطية من أقدم مساجد العالم، وبالقرب منه يقع حمام السمرة، وهو مثال بارز ونادر على العمارة العثمانية في غزة.
في 30 ديسمبر/كانون الأول، استهدفت الغارات الإسرائيلية الحمام مباشرة، ما أدى إلى تدمير هذا النموذج المعماري التركي، الذي يعود تاريخه إلى أكثر من 1000 عام.
دير القديس هيلاريون
في تقرير أصدرته منظمة التراث من أجل السلام، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، يوثق تأثير الحرب الإسرائيلية على التراث الثقافي في غزة، قالت المنظمة إن 104 على الأقل من أصل 195 موقعاً للتراث المعماري أحصتها في القطاع الساحلي دُمِّرت أو تضررت.
كما، لأنه من المستحيل تقييم الأضرار في الموقع مباشرة، يقول خبراء منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) إنهم يراقبون الوضع عن بُعد "باستخدام بيانات ومعلومات الأقمار الصناعية التي ترسلها إلينا أطراف ثالثة، بالتنسيق مع شركائها، ووكالات الأمم المتحدة على الأرض، ومكتبنا في رام الله".
متحدث باسم اليونسكو لموقع "Middle East Eye"، طالباً عدم الكشف عن هويته، قال: "اليونسكو في أوائل شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بدأت في مراقبة الأضرار عن بُعد. وما يقلقنا تحديداً وضع أطلال دير سانت هيلاريون، التي أُدرجت في القائمة الوطنية المؤقتة للتراث العالمي عام 2012. فتلك أطلال أحد أقدم الأديرة المسيحية في المنطقة".
وأطلال دير القديس هيلاريون جزء من موقع تل أم عامر في مخيم النصيرات، وسط قطاع غزة، تعرّض أيضاً لأضرار جسيمة بسبب القصف الإسرائيلي.
حرب على الماضي والحاضر والمستقبل
من بين المواقع الأخرى التي تضررت جراء الغارات الجوية في مدينة غزة، مبنى الأرشيف المركزي الذي استُهدف في 29 نوفمبر/تشرين الثاني.
يضم المبنى، الذي تديره بلدية غزة، آلاف الوثائق التاريخية والسجلات الوطنية عن غزة، يعود تاريخها إلى أكثر من 100 عام.
فضلاً عن ذلك، تم تدمير ما لا يقل عن 3 متاحف أو تعرّضت لضرر بالغ، مثل متحف قصر الباشا الذي تديره الحكومة، والذي يعود تاريخه إلى القرن الثالث عشر واستُهدف بشكل مباشر.
في خان يونس، جنوب قطاع غزة، تعرّض متحف القرارة الثقافي لأضرار عدة مرات؛ بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية على المنازل المجاورة.
ويقول محمد أبو لحية، الذي أسس المتحف عام 2016، إن البراميل المتفجرة ألقيت على الحي والمناطق المجاورة له، ما أدى إلى أضرار جسيمة بالمبنى والعناصر التي يحويها.
أبو لحية، الذي لا يمكنه الوصول إلى المتحف لتفقّد الأضرار بسبب نزوحه إلى رفح، يقول إنه يتوقع أن يجده متضرراً بشدة. وأشار إلى أن الوضع في خان يونس والمنطقة التي يقع فيها المتحف خطير جداً.
المواطن الفلسطيني، شدد على أن "الأمر يبدو كما لو أن الجيش الإسرائيلي يشن الهجمات بهدف تدمير حاضرنا ومستقبلنا فقط، لا، بل ماضينا أيضاً".