لم يكن ترشيح وزير الإسكان والتنمية العمرانية وتغير المناخ التركي السابق مراد كروم لرئاسة بلدية إسطنبول مفاجئاً للأوساط التركية؛ في ظل استطلاعات الرأي التي وضعته في مقدمة المؤهلين للترشح لانتخابات المدينة الكبرى عن تحالف الشعب بقيادة العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، وحليفه حزب الحركة القومية.
منذ انتخاب كروم الذي يبلغ من العمر 48 عاماً نائباً في البرلمان التركي عن مدينة إسطنبول في انتخابات مايو/أيار 2023، لم يترك الأخير المدينة ليوم واحد، واستمرت جولاته ولقاءاته للناس في شوارعها وأحيائها؛ في محاولة من الحزب الحاكم لاستعادة رئاستها من أيدي المعارضة في تركيا التي فازت بها على حساب الحزب الحاكم عام 2019.
"أصاب المعارضة بالذعر"
يرى الكاتب الصحفي التركي، أرسين تشيلك، أن هناك ذعراً حقيقياً في أوساط المعارضة التركية، بسبب ترشيح كوروم للانتخابات المحلية في مارس/آذار 2024.
أوضح على منصة "X"، أنه يمكن فهم ذعر المعارضة من ترشيح مراد كوروم، لأنه سيعمل في مساحة لم تعمل فيها المعارضة من قبل؛ وهي قضية التحوّل الحضري والوقاية من الزلازل؛ التي تجاهلتها إدارة إمام أوغلو على مدى 5 سنوات مضت (عن حزب الشعب الجمهوري).
ويرى تشيلك أن إسطنبول لم تعد مدينة للإصلاحات والتجديدات، ولم يبق أمامها خيار آخر سوى التحول الجذري عن المعارضة، والذهاب إلى رئيس بلدية يصرف كل علمه وطاقته وجهده فقط على إسطنبول، ويكرّس نفسه لخدمة 16 مليون نسمة فيها.
وقال إنه إذا تمكن مراد كوروم من إثبات اختلافه منذ الأيام الأولى من خلال التركيز على إسطنبول ومشاكل المدينة، فمن المؤكد أنه سيجد استجابة ليس فقط من ناخبي حزب العدالة والتنمية وتحالف الشعب، ولكن أيضاً من جميع سكان إسطنبول.
ورأى الكاتب التركي أنه إذا أكد مراد كوروم قدرته على التركيز على عمله وابتعد بعناية عن المناقشات غير الضرورية، فسوف يعيد كتابة قصة فوزه في الانتخابات في إسطنبول، وهذا سيظهر عندما يخرج إلى الميدان، ويتجول من شارع إلى شارع.
ولم يستبعد تشيلك أن يكون هناك توترات ومجادلات وسخرية وتصورات على وسائل التواصل الاجتماعي، ومع ذلك، فإن المرشح الذي يتحلى بالصبر في هذه الأيام الـ82 الباقية حتى يوم الانتخابات، ويركز على إسطنبول، وروح المدينة وأفعالها، ويظهر الحقائق والوصفات، وليس الأحلام، هو الذي سيفوز.
"إمام أوغلو نفد رصيده"
من جانبه، قال نائب حزب العدالة والتنمية في إسطنبول مصطفى دمير، إنه يعتقد أن الحزب الحاكم في تركيا يمتلك ميزة كبيرة مقارنة بعام 2019، فالمشاكل تراكمت في إسطنبول، لذلك فإنه القادر على أن يخدم 16 مليون شخص لمدة 5 سنوات، على عكس ما قام به إمام أوغلو، التي لم تفعل إدارته شيئاً في المدينة، ولم تبدأ مراسم وضع حجر الأساس إلا في نهاية ولايتها.
خلال مشاركته في لقاء تلفزيوني، أضاف أن "مرشح الحزب الحاكم في تركيا، شاب، ديناميكي، مجتهد بشكل غير عادي، ومحبوب من قواعد الحزب كافة، ونأمل أن نواصل خدمتنا من حيث توقفنا في إسطنبول، مع فريق سيقدم الخدمة التي تستحقها إسطنبول".
العمل من اليوم الأول
عقب ترشيحه مباشرة، نزل مرشح حزب العدالة والتنمية لبلدية إسطنبول الكبرى، مراد كوروم، إلى الشوارع للمشاركة في الحملة الانتخابية، وذهب إلى مسجد أيوب سلطان لأداء صلاة الصبح، ثم تحدث مع المواطنين، وزار قبر أيوب سلطان؛ ثم زار قبر رئيس بلدية إسطنبول السابق قادر توباش.
وشرع مراد كوروم، بلقاء وزير النقل والبنية التحتية في تركيا عبد القادر أورال أوغلو، وقال: "نحن نعرف إسطنبول وما يتوقعه سكانها منا، وسنقضي على الفوضى الحالية في هذه المدينة في أسرع وقت ممكن"؛ مشيراً إلى أنهم "بدأوا العمل منذ اليوم الأول".
في بيان على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "X"، أضاف كوروم: "التقيت وتحدثت مع وزير النقل لدينا، السيد عبد القادر أورال أوغلو، حول مشاريعنا لإسطنبول التي ستخلو من المشاكل، ولن نتوقف حتى تنتهي محنة النقل على كل طرق إسطنبول".
وقال: "سننهي معاً فترة الخمس سنوات الضائعة من عمر إسطنبول"، وإنه "حان وقت التغيير في إسطنبول، مع فريقنا وأصدقائنا، سنغير الكثير فيها، ونعيد مدينتنا إلى جوهرها".
موجهاً رسائل إلى خصومه في الانتخابات، قال كروم: "خصمنا في هذه الانتخابات واضح، وهو اللامبالاة. خصومنا هم أولئك الذين يقدمون الوعود لشعب إسطنبول ولكنهم لا يوفون بها، وأولئك الذين وضعوا إسطنبول لدينا في حالة من الفوضى، وفترة ركود، ونأمل أن تنتهي مساء 31 مارس/آذار، وتبدأ فترة البعث والصعود".
مقاومة الزلازل
نقاط عدة أفصح عنها كروم، حول كيف يعمل حزب العدالة والتنمية على الفوز في مدينة إسطنبول، مبدياً في البداية اهتماماً كبيراً بموضوعين مهمين، وهما التحول الحضري والنقل.
وأجاب كوروم عن أسئلة بعض المواطنين على النحو التالي: "سوف نحتضن جميع مواطنينا في إسطنبول، وسنعمل حتى لا يتبقى أي مبنى محفوفاً بالمخاطر في إسطنبول، وسنقوم بإحياء شبه جزيرة إسطنبول التاريخية من جديد".
التقى مراد كوروم بالمواطنين في منطقتي الفاتح وأسكودار، واستمع إلى مشاكلهم، مؤكداً أنه سيصب اهتمامه بالقضاء على مشكلة المواصلات.
وقال كوروم في حواراته مع المواطنين: "سنقضي على الفوضى المرورية التي يعاني منها مواطنو المدينة، وخلال الأيام الـ81 المتبقية، سنذهب إلى أمتنا ونستمع إليهم، وسيتم اتخاذ الخطوات اللازمة لإنهاء محنة المرور، ولن يكون العيش في إسطنبول بمثابة تعذيب بعد الآن".
مشكلة اللاجئين
حول تزايد أعداد اللاجئين في إسطنبول، قال كوروم إن "إسطنبول لها روح وثقافة، ونحن نتكيف مع المدينة التي نعيش فيها، لذلك سنعمل على إكساب الجميع الثقافة الحية لهذه المدينة؛ بغض النظر عمن هم، وسيعيش الجميع في أمان، ضمن قانون الأخوة، وستكون شوارع المدينة آمنة للجميع بلا استثناء".
استراتيجية إمام أوغلو
خلال حواره مع وكالة "رويترز"، عقب يوم من ترشيح الحزب الحاكم، مراد كروم، لرئاسة بلدية إسطنبول؛ تحدث إمام أوغلو حول مشاريعه للمدينة، وحظوظ فوزه بعد اختيار مرشح الحزب الحاكم.
تركز حوار إمام أوغلو حول مزاعم عرقلة الدولة لمشاريعه التي كان ينوي القيام بها، وأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يشعر منذ انتخابات 2019 التي خسر فيها إسطنبول، أن هناك شيئاً أُخذ منه على مدار السنوات الخمس الماضية.
وأضاف في حواره مع "رويترز"، أن تحالف حزب الشعب الجمهوري مع حزب الجيد في انتخابات عام 2019 هو من جعله رئيساً لإسطنبول، ولكنه لا يعلم بحسب تصريحاته توجهات الحزب الجيد الآن، بعد رفض رئيسته ميرال أكشنار دعمه في الانتخابات المقبلة.
لكنَّ رئيس بلدية إسطنبول الكبرى الحالي عن أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، شدد على أنه لا يفكر في احتمالية خسارته رئاسة بلدية إسطنبول، التي قال عنها إنه سيفتتح فيها العديد من المشاريع خلال الفترة القادمة، من بينها خط مترو سفاكوي بايلكدوز، الذي تم تمويله من بنك الاستثمار الأوروبي، والوكالة الفرنسية للتنمية.
عندما سُئل إمام أوغلو عن فرصه في مواجهة مراد كوروم، مرشح الحزب الحاكم، أجاب بأنه لا يقيس حظه قبل أو بعد مراد كوروم، ويرى أنه محظوظ اليوم كما كان من قبل.
إمام أوغلو يصلي الفجر في أيوب
بحسب إسماعيل سايماز الصحفي المقرب من إمام أوغلو، فإن رئيس بلدية إسطنبول سيكون دائم الحضور في مسجد أيوب سلطان، في محاولة منه لكسب ثقة المحافظين، وعدم تنفيرهم منه.
ظهر ذلك بوضوح خلال الأيام الماضية، عبر المشاهد التي خرجت لإمام أوغلو وهو يصلي أو وهو يقرأ القرآن في إحدى الجنازات، في منطقة أرناؤوط كوي.
"أردوغان الخصم"
يشير الكاتب الصحفي المقرب من رئيس بلدية إسطنبول، إلى أن إمام أوغلو سيركز في حملته الانتخابية على أن أردوغان هو الخصم في هذه الانتخابات.
وأضاف أن "من فاز على أردوغان مرتين عام 2019، يمكنه الفوز عليه للمرة الثالثة"، بما يعني أن إمام أوغلو سيكون مرشحاً للانتخابات الرئاسية القادمة عام 2028".
استمرار التحالف
عن طبيعة التحالفات التي سيقيمها إمام أوغلو لمنافسة كوروم، قال سايماز، إن إمام أوغلو سيعمل على الحفاظ على التحالف الذي كان سبباً لفوزه برئاسة مدينة إسطنبول عام 2019، في ظل استطلاعات الرأي في تركيا، التي تحدثت بأن هناك نسبة كبيرة من أنصار حزب الجيد وحزب المساواة والديمقراطية الممثل للأكراد يرغبون بالتصويت لإمام أوغلو، رغم عدم مشاركتهم في تحالف رسمي معلن.
ماذا تقول الاستطلاعات؟
كشفت شركة "بيتيمار" لاستطلاعات الرأي في تركيا (مستقلة)، عن أن 55% من عينة آخر الاستطلاعات، تنظر إلى مراد كوروم بشكل إيجابي، ويظهر كذلك بحسب رئيس الشركة غوركان دومان أن تحالف الشعب اتخذ القرار الصحيح في نظر سكان إسطنبول باختياره.
يضيف دومان في تصريحاته لـ"عربي بوست"، أنه "إذا نظرنا إلى المقياس العكسي، نرى أن نجاح أكرم إمام أوغلو يبلغ حوالي 38%، بينما تبلغ نسبة التصويت لكروم حوالي 40-41%".
وفقاً لبحث أجرته شركة "متروبول" المقربة لحزب الشعب الجمهوري، ففي شهر ديسمبر/كانون الأول 2023، سُئل المواطنون عن النتيجة إذا تنافس إمام أوغلو وكوروم، وحصل إمام أوغلو على 48.2% من الأصوات، وكوروم على 33.9%، فيما قال 17.9% إنه "ليس لديهم أي فكرة".
بحسب استطلاع الشركة في تركيا، فإن 84.2% من أعضاء الحزب الجيد و75% من أعضاء الحزب الديمقراطي سيصوتون لإمام أوغلو، وأنه سيصوت 6.1% من أعضاء الحزب الجيد و2.7% من أعضاء الحزب الديمقراطي لصالح كوروم.
فيما جاءت نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته شركة "أوبتيمار" (مستقلة)، الذي أجراه شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بحصول إمام أوغلو على 48.8% من الأصوات وكوروم على 30.2%، وأما الذين يقولون إنهم لن يصوتوا لأي منهما فقد بلغت نسبتهم 20.9%.
من هو مراد كوروم؟
ولد مراد كوروم في أنقرة عام 1976، وبعد تخرجه من مدرسة أنقرة معمار كمال الثانوية، تخرج من جامعة قونية سلجوق، من كلية الهندسة والعمارة، في تخصص قسم الهندسة المدنية.
عمل كروم عقبه تخرجه عام 1999، في القطاع الخاص حتى عام 2005 إلى أن دخل إلى مجال القطاع العام في شركة "توكي" المملوكة للدولة عام 2005، حيث بدأ العمل فيها كخبير بقسم التطبيقات، ثم شغل منصب مدير فرع التنفيذ في الشركة في الجانب الأوروبي من إسطنبول.
من عام 2009 حتى عام 2018، أصبح كرووم وزيراً، وشغل منصب المدير العام وعضو مجلس إدارة شركة "إملاك كنوت العقارية". وفي عام 2017، حصل على درجة الماجستير في التحول الحضري من جامعة سلجوق.
بدأ مراد كوروم العمل وزيراً للمواصلات والبنى التحتية والتنمية العمرانية في أول حكومة أعلنها الرئيس أردوغان بعد الانتقال إلى النظام الرئاسي في تركيا، عام 2018.
في عام 2021، تغير اسم الوزارة إلى "وزارة المواصلات والبنية التحتية والتنمية العمرانية والتغير المناخي".
وأصبح كوروم، الذي تردد اسمه بشكل متكرر كمرشح لمنصب عمدة بلدية إسطنبول الكبرى خلال فترة وزارته، مرشحاً برلمانياً عن إسطنبول، بعد قرار الرئيس أردوغان ترشيح جميع أعضاء الحكومة السابقة لمقاعد البرلمان في انتخابات 14 مايو/أيار 2023، ليصبح نائباً.